الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (7) وجها لوجه

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 3 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يرى الكثير منا فوضى وعدم انضباط في تصرفات الكثير من أفراد مجتمعنا، قد نعتبر ذلك خطرا علينا، مع العلم أننا نحتاط من هؤلاء قبلا و آنيا، لقد تركناهم في بؤرهم، فهم يسكنون في أحياء تعج بهم، كان علينا فقط الابتعاد عنهم، كانت النخبة منا تسميهم (بالمتخلفين)، كان لابد لنا أن يكون لدينا قطيعنا المتخلف لننتشي بفكرنا، نقيم محاضراتنا في فنادق فاخرة، نتحدث لغة غريبة عنهم، نفاخرهم بممتلكاتنا وبهندامنا. كان ذلك لابد منه لنعتبر أنفسنا "حداثيين" أو عصريين أو تقدميين، الأسماء تعددت والفعل واحد. لم ننزل أبدا لميدانهم لملاقاتهم، نتذكرهم وقت الحاجة، وقت التصويت، نحن نعتبر أنفسنا أوصياء عليهم، أولياء أمرهم، مثلوا لنا ولا زالوا " الإملاق الفكري " طالبناهم بالمجيء إلينا و"تمخزنا" عليهم نحن الآن نراهم فقط على صفحات الفيسبوك ونسمع أخبارهم المتناقلة بيننا، وكأنهم دخلاء علينا، تنصلنا في كثير الأحيان منهم، ولازلنا نتنصل منهم، فهم لا يجيدون أحاديثنا ولا يجيدون خطابتنا. الأغرب أننا نتحدث عنهم أكثر مما نتحدث عن فيروس الكورونا، ورغم الإلحاح عليهم للمكوث في بيوتهم، ظنا منا أنها قادرة على احتوائهم، تلك التي نتخيلها في أغلب الأحيان كفيلة باحتضانهم بسعة صدر، واسعة المساحة، ولكن رغم الصراخ الموجه لهم، والذي قد لا يصل إليهم ، فهم لا يتعاملون مع الإنترنيت كمصدر معلومة صحيحة، قد يستهلكون أكثر الإشاعات لأنها تخاطب مشاعرهم وتدغدغ معتقداتهم. فهناك أفكار لا تعنيهم فلا يتوقفون عندها، بل قد يعتبرونها استفزازا أو "حكرة" لهم ، فيحتمون ببعضم في تصرفاتهم وهيجانهم الاجتماعي. يتعقد الامر ونستنفد الصبر أمام اكتظاظهم للرحيل والتسوق، نفقد الصبر ونعجز على الفهم، يختلط علينا الأمر و نحن الذين نفكر أن العقل كل العقل هو أن نحتمي ببيوتنا. إن هذا الأمر لا يتطلب من البعض منا إلا القيام بشراء الحاجيات الضرورية وحتي الكمالية للقبوع في البيت، لأن حتى داخل ذاك البيت هناك إمكانيات كثيرة للتواصل، لرؤية العالم الخارجي وإن كان افتراضيا، لمعرفة الأخبار وتقصي حقائق المرض. إذا كان المرء ليس في حاجة ماسة للآخر وملامسته ليشعر بالاطمئنان وليعرف آخر الاخبار، و ليس بحاجة لعمل يومي لتدبير أولوياته. وهو كفيل بنفسه ومطمئن على وجوده، إذا يبقى همه في هذه الأحيان هو حماية نفسه، قد نعتبره محظوظا في هاته الحياة. إلا أن الأمر يختلف عند الذين هم في حاجة لتدبير شأنهم الاجتماعي والسوسيولوجي، الاجتماعي وهو المرئي في التدبير اليومي للحياة، وهو أمر ينهكم ماديا ومعنويا، أما التدبير النفسي او السيكولوجي فذاك أمر آخر، نحن نراهم في وضع الرافض المتجبر بجهله، الذي يتخد من الهزل وسيلة للتعامل مع الأخبار والأحداث، يستمر في فعله الاجتماعي من بقاء في الشارع، من مصاحبة الأصدقاء، إن الأمر لا يقتصر على صغار السن، بل كل هؤلاء الذين يمثلون الهامش، من نساء ورجال، إن هؤلاء في حقيقة الأمر لا يراوغون الأوامر المدبرة للحجر الصحي الإجباري، بل يراوغون الخوف من شئ لا يدركونه، إنهم في حاجة ليعيشوا أحاسيسهم بشكل جماعي، إنهم يتقاسمون الفرح كما يتقاسمون الحزن، البكاء، إنهم في حاجة لملامسة بعضهم للتخفيف من الضغوطات، إنهم يمثلون دعما نفسيا لبعضهم لبعض لا غنى عنه بالنسبة لهم ، إنها عملية احتماء جماعية من الموت، من الفناء.، انهم لا يملكون الوسائل الحديثة التي نملكها للتدبير أو كما قلت سابقا لم تعطاهم وسائل وآليات التفكير، فكل الأشياء التي يستصيغها عقلنا قد تظل عقولهم عاجزة عليها، فيدخلون في عملية إنكار جماعي للخطر، هذا الإنكار الجماعي هو ضرورة عندهم للشعور بالاطمئنان في غياب الإدراك للشيء، فهم لايدركون كيف يواجهونه، بل قد يكون أكبر من استطاعتهم، فتربيتهم، او تنشئتهم الاجتماعية لم تخول لهم ذاك الانضباط في تدبير حياتهم اليومية، إن كثرة تجمعاتهم هي أيضا احتماء من الجهول، المحتمل وقوعه، هم لا يتواجدون كأفراد بل كمجموعات، إنهم لا يعيشون في غرف مستقلة داخل بيوتهم، ومن المحتم لا يستطيعون البقاء فيها منعزلين، ففي العزلة مخاطرة مع الغيب والجن. إنهم لا يتجمعون داخل بيوتهم، فقد لا يحتملون ذلك، انهم يتكدسون في الأزقة وأمام أبواب المنازل، وفي الساحات الفارغة، رغم قذارتها، ففي كل حدث يتجمعون ويعيشون علي وقع أقوالهم ومعتقداتهم. إنهم يتجنبون حديث العقل، ويفضلون حديث العاطفة التي قد تكون ضاربة في الخيال، قد يسألك أحدهم،، "كيف يستطيع هذا الفيروس اختراق جسدي!! " ، أو "كيف له ان يستقر في ذاتي!! " ، إنهم لا يهتمون بكل قول علمي، فعلاقتهم مع العلم منعدمة، فكل قنواتنا تتحدث عن العمل الصالح الذي سيدخلنا إلى الجنة، ويبدو لهم دخول الجنة أقرب من الذهاب إلى المستشفى العمومي للتطبيب، أما المصحة الخاصة فهي غير متواجدة في خريطتهم الذهنية، انها تمثل العالم الآخر. لقد أخبرهم فقهاؤهم ان الجنة للفقراء، وأن المرض قدر والموت قدر، وكل مايقع هو قدر مقدر من عند خالقهم، ولأنهم مؤمنون يريدون نيل الجنة فهم يؤمنون أن فيروس الكورونا هو قدر من عند الله. إن هؤلاء، عندما نخاطبهم بما نعتبره صوابا يخالف صوابهم، نصبح أعداء لهم، نزلزل إيمانهم، فيبحثون عن أمان غاب عنهم بيننا، فيرحلون لكي يحتموا بذويهم، أو يغلقون باب حاراتهم تجنبا للعنف الذي نمارسه عليهم، ان كل فكر معقلن هم قهر لهم، فنحن لم نبذل جهدا لتبليغ فكر علمي بمقاربة قريبة من فهمهم ولم نرحم نجهلهم ولم نوفر لهم ضمان بقائهم، بل دفعنا وندفع بهم يوما بعد يوم إلى هامش أعمق من الهامش الذي يعيشونه، هم حتما غير مسؤولين عن فكر صنعته و أبدعت في صناعته طبقة المركز، صاحبة القرار في صناعة الفكر والإنسان. إنهم النتيجة وليس السبب، إنهم يمثلون الضحية ولا يمثلون الجاني في غيابهم عن العلم والمعرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كبد الحقيقة
Muwaffak Haddadin ( 2020 / 3 / 29 - 10:08 )

السيدة حكيمة لعلا
قولك
نقيم محاضراتنا في فنادق فاخرة، نتحدث لغة غريبة عنهم، نفاخرهم بممتلكاتنا وبهندامنا. كان ذلك لابد منه لنعتبر أنفسنا -حداثيين- أو عصريين
أو تقدميين، الأسماء تعددت والفعل واحد
أصاب كبد الحقيقة
وتحياتي
د موفق حدادين
استاذ في الصيدلة
عمان
29آذار/مارس2020

اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و