الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (8) وجها لوجه

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 3 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن جائحة الكورونا تعري وجها آخر لمجتمعنا وتعلن عن نوعين من الهشاشة عند المغاربة، الأولى الهشاشة المعنوية والنفسية و الثانية الهشاشة الاقتصادية . إن الهشاشة أيا كان نوعها و التي أتحدث عنها تمس الأغنياء، وذوي الدخل القار والفقراء وأولئك الذين يصنفون تحت درجة الفقر، الفئتان الأخيرتان تعانيان أيضا من الهشاشة المادية. نتوقف لحظة للتعريف بما أقصد بالهشاشة، المعنى الاصطلاحي المتعارف عليه هو أن الهشاشة تعلن عن وضع مهتز، عن حالة سوء وتدهور لوضعية تجعل الإنسان محل الأذى والإساءة، فهي لا تضمن له حماية كافية، إن كانت مادية أو معنوية لتأمين حياته، فهو معرض في كل حين للضرر بكل أنواعه. اعتقدنا دائما أن الهشاشة هي فقط اقتصادية وأن أصحاب المال غير معنيين بها. الذي وقع بعد الإعلان عن الخطر وضرورة الاحتماء يجعلنا نقرأ بشكل انعكاسي الواقع المغربي وعلاقة المغربي بالأشياء ونمط تفكيره وكيف يرتب الأولويات. قد تبعدنا هذه القراءة أيضا عن نسقية الخطاب الذي تتداوله الشخصية المغربية في وصف أو رؤية ذاتها. إن قراءة هذا الفعل في محك الواقع وعلى وقع تصرفات الفرد بعيدا عن الحس المشترك أو السلوكيات المعتمدة والمبنية فكريا في الحياة اليومية العادية قد تظهر واقعا لما هي عليه الشخصية المغربية في ملامستها للواقع وتدبيره. إن أولى اهتزازات هذه الشخصية ظهرت أمام إعلان خبر الوباء هو تعبيرها عن رغبة الاحتماء من الجوع العدائي. لم يحدث ما توقع البعض حدوثه، ألا وهو التدبير العقلاني بالبحث بالدرجة الأولى عن الاحتماء من العدوى التي تهددهم، ولكن الهشاشة الأولى التي تمكنت منهم هي الهلع من الجوع، اتخذ الاحتماء من الجوع مركز الأولوية الضرورية للبقاء على الحياة. إن الخوف من الجوع كان أقوى من الخوف من الفيروس، إن الهشاشة المعنوية والنفسية جعلت الكثيرين يقومون بترتيب عكسي في الأولويات، فكان من المنتظر أن يبحث هؤلاء على الاحتماء أولا من الفيروس وثانيا التسوق، العكس هو الذي حصل، وإن اعتبرنا التسوق أمرا ضروريا، فكثافة التسوق تظهر النقيض. هكذا هرع جل المغاربة إلى المتاجر والأسواق للحصول على النصيب الأوفر من مواد الغذاء، بل بالغوا حتى أصبح تسوقهم أشبه بالنهب. الفرق الذي طبع تصرفات هؤلاء هو نوعية التسوق وأماكن التسوق. انعدم التفكير في تلك الآونة في الفئة التي لا تملك مالا لقضاء أغراضها، إن كان قليلا ولو منعدما. وإذا كانت هذه الهشاشة المعنوية والنفسية قد استنزفت القدرات العقلانية للشخصية المغربية، وأبانت عن بدائية تصرف عند الكثير من المغاربة في تدبير حياتهم، فالهشاشة المادية أبانت عن وجهها القاسي الذي أذل وأهان من لا يستطيع تأمين غذائه لزمن غير معلوم. أظهرت لهم واقعا قاسيا ولئيما في آن واحد. إن هشاشة الفقراء لن تحميهم من الجوع وقد تدفعهم للمخاطرة بحياتهم يوميا للبحث عن الخبر أو ما يمكن أن يبقيهم على قيد الحياة. علينا أن نتذكر فقط مع إدراك عميق أن هشاشتهم طالها العبث السياسي مند زمن، ولكنها أصبحت محل رفض في الخطاب السياسي وتركت لحال سيبلها. وضعيتها نالت الاستخفاف والتهريج، إلى عهد قريب كلما تحدثنا عن الفوارق الكبيرة بين المغاربة، و كنا كلما ذكرنا حالات الجوع في بلدنا يعتبرها الكثيرون أنها نوع من المغالطة، ويؤكدون أنه لا يمكن أن يضم المجتمع المغربي فئة بهذه الهشاشة. فنحن بلد الخير والأمان، الكل في مأمن من الجوع، من التشرد، من المرض. في إطار النكران السياسي والاجتماعي نصح الكثيرون من أصحاب المعرفة ومن أهل القرار الفقراء بتدبير هشاشتهم المعنوية والنفسية والمادية أيضا وهي أكثر عنفا واستلابا لحرية الإنسان. أصبح الكل يردد أن سبب هشاشة الفقراء والمهمشين هو تقاعسهم، فهم لا يشتغلون ولا يعرفون تدبير قوتهم اليومي. بل نصحهم أحدهم بصنع الياغورت في منازلهم عندما ارتفع ثمنه ، فدل ذلك على المسافة التي تفصله عن الشعب المغربي وهو رئيس حكومتهم . بدا لي آنذاك أنه لا يدرك أن الكثير من المغاربة لا يملكون آلة صنع الياغورت التي تتطلب استهلاك الكهرباء والتي توجد حتما في مطبخه. إنه يجهل أنهم أحيانا لا يمكلون حتى طنجرة الضغط، أو الغاز للطبخ. كعادته قدم خطبة حماسية صفق لها الكثيرون وأطالوا التصفيق على الهشاشة ومن بينهم الكثير من المعنيين بالتهميش و الإقصاء الاجتماعي، ربما صفقوا لأن الأمر لا يعنيهم في نهاية الأمر، فهم لم يتعودوا على أكل هاته الأشكال من الزبديات ، أو ربما صفقوا فقط لفن التمويه السياسي الذي يتفنن فيه ذاك المسؤول. اليوم الأمر اختلف ليس لأن أمرا تغير ولكن لأن كل ما كنا نعتبره واقعا مستورا أسقطت هذه الجائحة الستار عليه ، لنجد أنفسنا أمام الهشاشة، أمام الخوف، أمام الجوع. ترى هل سنعيد الستار على هشاشتنا بعد رحيل فيروس الكورونا 19








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التزود هو الاجراء الوحيد الكفيل بمحاربة كورون
بلبل ( 2020 / 3 / 30 - 23:33 )
ليس المغاربة وحدهم من قاموا بهذا الاجراء المتمثل في التبضع بشكل هيستيري بل في الكثير من دول العالم وقد تكونين انت ايضا قمت بنفس الشيئ المشكل ان هذه الجائحة لم يكن اي احد ينتظرها ولا يفكر فيها تم ان هذا الامر الذي هو الجائحة لم يعشه اي احد من المغاربة لسنا متدربين على الحرمان سواء كنا اغنياء ام فقراء حتى الفقراء لا يعيشون الحرمان بكل ابعاده فكل واحد له نصيبه من القوت واذا كانت الجائحة ستلزم الناس بالبقاء في مساكنهم فما هو نوع الاجراء الذي يمكنهم ان يقوموا به سوى التزود بالمؤونة لكي يقعدون في بيوتهم وهذا ما يمكن فعله

اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت