الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم عرّاب معادلة الألم مع الحياة

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


( العِلْم ، عَرّاب معادلة الألم مع الحياة )

قلم #راوند_دلعو

#الحق_الحق_أقول_لكم .... إن معادلة الألم مع الحياة عبارة عن معادلة عادلة في ظلمها و إيذائها للجميع بالتساوي ، و على اختلاف أديانهم و مذاهبهم و توجهاتهم.

في الحقيقة يا سادتي ، لا تحتوي معادلة الألم على ثابت عقائدي ... و مع ذلك تراها مليئة بالمتغيرات العشوائية ... أما مُعامِلاتُها العددية فمستقلة عن التوجه و العقيدة و المذهب و درجة الذكاء و مستوى الجرأة ...

فالألم سيلحقك مهما كانت عقيدتك و مهما كان توجهك الفكري ، فهو لا يفرق بين مؤمن و غير مؤمن ... شجاع قادر على تغيير رأيه أم جبان .... بين عقلاني حر أم منغلق مقلد للموروثات !

فكل الأنماط السابقة تحت مقصلة الألم سواء .... فالألم وحش يلتهم جميع الأحياء إذا توفرت له الظروف !

ثم إن معادلة الألم مع الحياة لها عرّاب وحيد يتحكمُ بها من وراء الكواليس ، و هذا العرّاب هو العلم و فقط العلم .... فهي شديدة التأثر بكمية العلم المتوفر و القادر على تحقيق شروط السعادة ( مؤشر البقاء) و إزالة شروط الألم ( مؤشر الموت) و بالتالي تقزيمه ...

فلا بد لمؤشر الموت _ أي الألم _ أن يسعى إلى الصفر عندما يتواجد العلم القادر على رفع نسبة التكيف مع ظروف المحيط _ و بالتالي الاستمرار و البقاء_ .

كما لا بد للألم أن يسعى إلى اللانهاية العظمى ( و هي الموت ) عندما لا يتواجد العلم القادر على خلق التكيف مع الشروط الجديدة ...

أما المال هنا ، فهو مجرد لاعب وسيط نستخدمه لشراء العلم و الخبرات و الماديات التي تحقق التوافق الجديد مع شروط المحيط كي يزول مؤشر الموت ( الألم) و يرتفع مؤشر الحياة ( السعادة و الراحة و التأقلم).

كما أن معادلةَ الألم مع الحياة عبارة عن معادلةٌ عُقَدِيَّةٌ مُعقَّدَةٌ عشوائيّة مستحيلةُ الانضباط و الحل ... ( زئبقيّة) !

فعندما تدخل إلى عالم المستشفى و المرض ... تجد الخوري و الشيخ و الكاهن و اللاديني و اللاأدري و الملحد و العالم و الجاهل و الذكي و العبقري و الغبي و العقلاني و الساذج .... جميعهم يمرضون و يتألمون و يتأوَّهون ثم يصطفُّون ضعفاء في طابور طويل طويل من وجع و تلوِّي ... يلتمسون الشفاء و التخلص من وحشية الألم و جبروته القبيح .... يبذلون الغالي و الرخيص للتعلق بأهداب الحياة.

لكن الملفت للنظر ، أنهم جميعاً و دون استثناء يُطأطِئُون رؤوسهم للعلم ( العراب الوحيد ) كي يجد لهم حلاً مع معادلة الألم !

فالخوري ينسى صليبه تماماً ، أما الشيخ المحمدي فينسى و يتناسى حبة البركة و خرافة التمرات السبع و أن العسل شفاء من كل داء و كل ما ورد عن محمد من هراء ، ليركعوا جميعاً أذلاء صاغرين على باب العلم الحقيقي يستجدون العلاج بالطرق العقلانية و التجريبية.

فالعلم التجريبي هو عرّاب اللحظات المؤلمة و صاحب الكلمة الفصل في الحكم على مؤشر الموت (الألم ) بالتوقف و التلاشي أو التضخم و الاستمرار و بالتالي الاقتراب من حالة الموت !

فالمريض الذي يحالفه الحظ بتوفر الكمية الكافية من علم الطب أو المال الكافي لشراء الخبرة اللازمة في علم الطب ، يُشفى و يتوقف ألمه ...

أما من لا يحالفه الحظ بتوفير المال و الخبرة العلمية ، فتحكم عليه الظروف باستمرار الألم.

شأنه شأن المشرد الذي يحالفه الحظ بتوفير المال اللازم لشراء الخبرات التي توفر له المسكن المناسب ، فعندها سيتخلص حتماً من ألم العراء و التشرد ... أما من لا يستطيع شراء الإمكانيات العلمية اللازمة لتهيئة المسكن الذي يوفر لصاحبه الشروط اللازمة لمحاربة الظروف القاسية ، فلن يتخلص من آلام العراء و التشرد و المناخ القاسي.

و لو أخذتكم بجولة إلى الضفة الأخرى من معادلة الرعب تلك ، و ذهبنا إلى فنادق الخمس نجوم ، سنجد الكاهن و الخوري و الشيخ و الملحد و اللاأدري و و و .... جميعهم يستمتعون بأوقاتهم ، يبطرون و يترفون و يسرفون و يبذخون ... و كل منهم يبرر لنفسه ترفه و استمتاعه بوقته وفق فلسفته التي لن تعجز عن التبرير .

و لو دخلنا إلى عالم الوداع و فَقْد الأشخاص ... لوجدنا الخوري و الشيخ و الملحد و اللاأدري و الربوبي ... كلهم يودعون فلذات أكبادهم و أقاربهم و أحباءَهم و هم يذرفون الدموع و يعتصرهم الألم ...

الحق الحق أقول لكم ... إن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو العجز الإنساني .... لأن العلم ( عرّاب معادلة الألم) عاجز إلى اليوم عن إعادة الحياة إلى الخلية التي تموت !

عاجز عن إعادة الكثير من التفاعلات الكيميائية العضوية التي تجري في أجسامنا إلى حالاتها السليمة بعد أن تنحرف بسبب ما ( المرض ) نحو مسبب الألم.

فمن مات مات ... و لم يصل العلم حتى لحظة كتابة هذه المقالة إلى المستوى الذي يعيد الخلية الميتة إلى الحياة من جديد ... أو إلى الحفاظ على الانتظام الدائم في سير التفاعلات الكيميائية التي تجري في أجسادنا.

أرأيت كيف عدنا إلى العلم ... العرّاب الحقيقي لمعادلة الألم !

نعم إنه العجز الإنساني المرعب الذي يؤدي إلى الموت و الفناء ... و مفتاحه الجهل !

نعم إنه عجزنا المُطلَق أمام عجلة التطور و مداس المطحنة الداروينية القذرة التي نعيش فيها إذ تدوسُنا يومياً ... و تنهشنا لحظيّاً ... !

إنه ضعفنا الواضح و مَسْكَنَتُنا التي لا تخطؤها عين.

فعجزُنا هو القاسم المشترك بيننا جميعاً أمام سطوة الألم و توحشه ... عجزنا الواضح إزاء رحى المطحنة الداروينية التي تطحننا يومياً بلا رحمة ، و التي لا تقيم وزناً لجمال و رِقّة الفنانة السورية رندة مرعشلي كي تهبها حياة طويلة .... و في المقابل لا تؤمن بقباحة ستالين و هتلر و محمد لتقصف أعمارهم في عز الشباب حفاظاً على مليارات الأرواح ... !

هذه هي معادلة الحياة و الألم ... تلك المعادلة الصعبة ... و المعقدة بل المستحيلة الحل ...

كتبت هذه السطور رداً على من حاول الربط بين الإيمان الديني و السعادة من جهة .... و الإلحاد و الألم من جهة أخرى ....

فلا تحاول يا صديقي المتدين ربط السعادة بديانة أو أيديولوجية معينة ... فلا غطاء و لا حصانة لأحد في معادلة الألم .... إلا لمن امتلك علماً كفيلاً بإزالة الألم.

فكلنا تحت رحى المطحنة الداروينية عبارة عن جينات تحاول العبور من جيل إلى جيل ، حاملة بين أحماضها الأمينية أطناناً من الآلام و الأوجاع و التجارب كثمن ندفعه لفشلنا في التكيف مع الظروف الجديدة و الناتج عن انعدام العلم اللازم لذلك.

و أنا أرى أن صاحب الحظ السعيد في معادلة الألم مع الحياة ، هو من اختطفه الموت بسرعة و بأقل تكاليف من وجع و عذاب ...

أما صاحب الحظ التعيس في معادلة الألم و الحياة ، فهو المسكين الذي مزقت الأقدار بعضاً من كيمياء جسده ، ثم بصقته في عراء الحياة يتلوّى و يكابد القدر الأكبر من الألم و التلف و الأوجاع !

و من هنا أقول .... عزيزي المؤمن ... لا تقل جملتك العنصرية الحقيرة : { اللهم اشف مرضى ( المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو البوذيين ) }

بل قل مقولتنا الرائعة : .... تمنياتنا بالشفاء لكل المرضى مهما كانت توجهاتهم الفكرية و انزياحاتهم العقائدية و تحيزاتهم الإيديولوجية ...

فالألم ألم ، و سيبقى ألماً قبيحاً ... سواء اخترق جسد المحمدي أو الهندوسي أو المسيحي أو الملحد.

قاتل الله الألم في أجساد جميع الأحياء ، ملاحدتهم و كذَبَةُ الأنبياء !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا