الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (9) وجها لوجه

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 3 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أصبحنا نشعر بالتذمر واليأس أمام ما نسميه بالانفلات الاجتماعي في مواجهة فيروس الكورونا. إن أول شي علينا أن ندركه عقليا وحسيا أنه عندما نتحدث عن نظامنا الاجتماعي ، فنحن لا نتحدث عن شيء خارج عن ذواتنا. فالنظام الاجتماعي الذي يتجسد حاليا أمامنا هو جزء من تصرفاتنا ومعاملاتنا، في تدبيرنا لكل حاجياتنا عبر ممارسة الفعل اليومي. إن الفعل اليومي هو مكتسب بفعل التكرار والاعتياد، إنه يدخل في خانة الترويض الاجتماعي للفرد لكي يصبح اجتماعيا. إن عقل الإنسان الاجتماعي يستبطن أفعالا وردود أفعال صالحة لتدبير حياته الاجتماعية وينتجها بشكل إرادي أو غير إرادي بشكل متناسق وملائم للحالات. من هنا علينا أن نعي أن حياتنا اليومية هي نسق منظم في إطار ثقافة معينة تمكننا من التفاعل مع الأشياء والأفراد، وعلينا أن نعي أيضا أن مجمل التصرفات ورود فعل الآخرين التي ننتقدها هي في نهاية الأمر مجموع التصرفات العادية التي نمارسها بكل تلقائية ونعتبرها عادية وطبيعية. إنها في العمق تعبر عن ثقافتنا ورؤيتنا للأشياء والأشخاص والعلاقات. إنها بمعنى آخر تنظيمنا الاجتماعي الذي يكون مرجعية المغاربة المعتمدة عند معظمهم لتقييم الفعل الصحيح أو الخاطئ، بل كان ولازال كل من يرفضه يتعرض للانتقاد واللوم. إن أول ملاحظة بخصوص التنظيم السائد في المجتمع المغربي هو غياب الانضباط و احترام خصوصية الآخر أو حميميته التي تتطلب التباعد في المسافة وفي الزمان، احترام رغبة الآخر. إن التنظيم المجتمعي الذي نعيشه من مميزاته الازدحام في كل الأماكن وفي كل الأوقات،، التسابق على الأماكن وعلى الأشياء ، الحديث بصوت مرتفع أو الصراخ في كل الفضاءات وفي كل الأوقات، رفض الامتثال للأوامر ، الضرب لإنهاء كل الخلافات و الخصومات وإسكات الأطفال، الحديث بصوت مرتفع، المراوغة في احترام القانون . إن كل هاته التصرفات كانت ولازالت تبدو عادية في إطار نظامنا الاجتماعي.
لكن في حقيقة الأمر إن نظامنا الاجتماعي هو نظام غير متناسق ولا متناغم ، وإن كان إجرائيا في تدبير الحياة اليومية التي تخضع هي الأخرى لكثير من الارتجالية أو ما يمكن أن نسميها بالفوضى المنظمة أو الفوضى الوظيفية. إن نسقنا الاجتماعي غير المنسق يكون لنا نوعا من الأمان لأن النظام يرهبنا ونرفضه مطلقا. نحن في واقع الأمر نضبط فوضانا ونعيش فيها بسلاسلة وانتظام، فيكفي أن نذهب إلى أي مكتب لقضاء أي غرض لنجد الكثير منا يقفون في شكل دائري ولا يمكنهم الاصطفاف بشك عمودي، ولو طلب ذلك منهم، يظلون في أماكنهم ، وإذا انتقد أحد الأشخاص ذاك الفعل، يجيبون: (نحن نعرف مكاننا في الصف) . إننا نعيش في تنظيم بشكل فوضوي ولكن نحن نتصرف كذلك فيه بشكل فوضوي ارتجالي. وبالتالي: إن حدث فيروس كورونا هو الذي جعلنا ننظر إلى مجتمعنا بمنظار مكبر للصورة، جعلنا نعتبر مجموعة من التصرفات المعتادة كنوع من الفوضى. أعتقد أن الكثير منا وجد نفسه في مكان الملاحظ ولكن الملاحظ الفاعل الذي له غرض أو مبتغى من الموضوع. نحن حتما في حالة المتفرج من خلف الستار لمعاينة مجموعة من التصرفات كنا نقوم بها، من المؤكد أنه من الصعب جدا أن نقوم بمراقبة أفعالنا كشيء خارج عنا، ولكن من الممكن أن نلاحظها عند الآخرين، إلا أنه ليس كاف أن نلاحظها لندرك أنها جزء منا .
إن هذا الإدراك بسرعة شديدة للوضع جعلنا نطالب بتغيير سريع للنظام الذي تعودناه، وذلك أمر شبه مستحيل. إن النظام الاجتماعي الحالي أصبح حتما يمثل خطرا علينا، إلا أن الفعل الذي نرفضه نابع عن فكر استبطناه وليس عن فعل، الآن نحن نفكر في الفعل للاحتماء، ولكن يجب التفكير فيه كتنظيمة اجتماعية مؤسسة للتفاعل بين الأشخاص و في نتائجها لإحداث التغيير.. نحن وربما لأول مرة ندرك أن هذا النظام أو الشكل التنظيمي الذي دافعنا عنه ومارسناه لم يعد يرضي الكثير.
في هذا الوضع الخطير الذي نعيشه الآن نطالب بأشياء لم نطالب بها من قبل مثل الامتثال لأوامر السلطة أو للتعليمات، إن الفعل الذي يقوم به الكثير منا في مواجهة التعليمات لا يتم بطريقة واعية بل هو تكرار فعل كما قلت استبطناه، مثلا نحن تعودنا مراوغة السلطة، كثير من الشباب أو الأشخاص يغادرون أمكنتهم بمجرد رؤية رجل سلطة ولكن يعودون لها بمجرد مغادرته المكان ، نفس الفعل يتكرر، فالمعلومة المتعلقة بخطر الكرونا تبقى ثانوية ولا تهمه كشخص في حياته وحياة الآخرين. الفعل الآني هو رد فعل عن شيء قد يمثل له إزعاج. إذا لازال الكثيرون يدبرون أمورهم وحياتهم اليومية حسب النظام العادي والمعتاد للمجتمع. لم تجد كل النداءات طريقا لوعيهم ، إن النظام الذي نتحدث عنه جعل من الشارع والدرب والزنقة والمقهى مكانا لعدة ممارسات لا مكان لها في البيت كالحديث بعفوية أو التدخين أو استهلاك مواد مرفوضة في المنزل العائلي أو مرافقة الأصدقاء. إذا قمنا بإحصاء الوظائف المخصصة للفضاء الخارج على المنزل العائلي سنجدها تتجاوز بكثرة الوظائف المخصصة للبيت. كذلك النظام الاجتماعي القائم عندنا يخول التواجد للكثير من الأشخاص بالليل، فأغلب الشباب يقيمون مباراة في كرة القدم حتى ساعة متأخرة من الليل ، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يتجمعون في أماكن محددة للسمر، ناهيك عن العدد الهائل من الأفراد الذين يرتادون المقاهي بالليل، إذا من الممكن القول أننا نتحدث عن برمجة الإنسان داخل النسق النظامي المعاش.
قد نجزم أن الكثيرين منا هم الآن أمام محنة مواجهة خطر فيروس كوزونا ومواجهة برمجتهم الاجتماعية الناتجة عن ممارسات مرخصة من طرف المجتمع . إلا أنني لا أعتقد أن الاشتغال على التغيير يستوجب الانتظار، بل لابد له أن يخرج من رحم المحنة من أجل جعل هؤلاء يدركون أن فاجعة الكورونا تستوجب التغيير في النظام الاجتماعي وفي نمط عيش الأفراد، إن آليات التدبير في مجتمعنا للفعل لم تعد شيئا خارج عن ذواتنا، بل هي مهيمنة عليها ولا يمكن التغيير إلا بتغيير ذواتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و