الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الموت والفكر الميت

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2020 / 4 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفكر الغيبي منذ بداياته الأولى استند إلى فكرة "العدم" ليبني مشروعه الأيديولوجي عن "الخلق" وحدوث العالم وظهور الكائنات في لحظة زمانية معينة أختارها الكائن المطلق، ولكنه بعد هذه اللحظة المؤسسة للوجود بأسره، لحظة بداية الخلق، يختفي "العدم" بعد ذلك نهائيا من الحياة ومن الفكر، ويصبح "الموت" ذاته مجرد إنتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، أي إنتقال من حالة وجود أرضي مؤقت إلى حالة وجود سماوي دائمة وأبدية. الحسين بن علي بن أبي طالب قال مخاطباً أنصاره يوم عاشوراء: « صبراً بني الكرام ، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم من البؤس والضرّاء الى الجنان الواسعة ، والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ ». وهذا التراجع الفكري عن تقبل فكرة العدم والخواء راجع بطبيعة الحال إلى صعوبة إحتمال هذه الفكرة وكونها باعثة على القلق والألم واليأس والخوف من الفناء وهو ما يؤكده إبن مسكويه في"رسالة في الخوف من الموت" حين يقول «لما كان أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو الخوف من الموت. وكان هذا الخوف عاماً، وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن أقول: إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري الموت على الحقيقة، أو لا يعلم أين تصير نفسه..» ليستنتج أن جهل "خلود" النفس هو سبب الخوف، وهذا الخوف هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم أينما كان ويقول: «فلما تيقن العلماء ذلك واستبصروا به وهجموا على حقيقته وصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها، واستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الخسيسة». وهذه التفرقة بين الروح والنفس والجسد هي الفكرة الأساسية المبنى عليها كل الصرح المعماري الغيبي، حيث الموت ليس شيئاً أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها المادية أي بدنها، والنفس - حسب المنظور الغيبي - جوهر غير جسماني، وبالضرورة فإنها أزلية وغير قابلة للفساد، وحين تغادر النفس جسدها، فإنها تصبح نقية وشفافة وسعيدة، ولا سبيل إلى فنائها، لأن الجوهر لا يفنى، حيث لا ضد له، وما لا ضد له لا يفسد حسب ما يقول مسكويه في رسالته. ومنذ البدايات الأولى للفكر الإنساني، كان "العدم" المتجسد في فكرة الموت والفناء حاضرا في أغلب الأساطير والقصص القديمة التي تحاول بطرق مختلفة القضاء عليه وإنكاره كليا لأنه يجعل الحياة غير محتملة ولا مبرر لها طالما هي محدودة ومنتهية، ها هو جلجامش يتألم بعد موت إنكيدو "ماذا عساي أن أفعل، وإلى أين اتجه، إن الموت قد تمكن من لبي وجوارحي، أجل، في مضجعي يقيم الموت، وحيثما أضع قدمي يربض الموت". وفي الديانة الهندوسية مثلاً، الموت هو مرحلة من مراحل دورة التناسخ، التي تنظمها وتسيرها "الكارما" الخاصة بكل فرد والتي هي قانون الجزاء والعقاب الذي يثاب به الميت على حسناته ويعاقب على أفعاله السيئة في أطوار تناسخه المتتابعة، بمعنى أن الإنسان لا يفنى بعد موته بل يظل باقيا في صور مختلفة للمادة حسب أعماله. أما الموت عند البابليين والسومريين فهو أيضا ينفي فكرة العدم والفناء حسب ما ذكرته النصوص القديمة، وينتقل الميت إلى ما يسمى عند السومريين بالعالم السفلي، وكانوا يعتقدون بأن روح الميت لا تفنى، بل تتمثل في شبح يدعى "أدمو" يرافق الميت في رحلته إلى العالم السفلي ويظلُّ ملازماً له، لذلك يشترط أن يُدفن الميت حسب المراسيم والطقوس الدينية المنصوص عليها، وإذا لم تتوفر هذه الشروط تحول هذا الحارس الشبحي روحاً شريرة تخرج من عالم الأموات وترعب الأحياء وتثير الهلع في قلوبهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم