الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة التاريخ على ضوء فايروس كورونا

ياسين اغلالو

2020 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ظلت فكرة الإنسان الصانع تلازم التفكير الفلسفي منذ بداية الفلسفة، حيث انتقل الإنسان من التفكير في كونه صانع لأدوات إلى التفكير في اعتباره كائن صانع التاريخ ، كائن قادر عل رسم مسار مصيره بإرادته في غياب أي ضرورة خارجية، متعالية عن الفعل الإنساني المحض، فالإنسان من هذا المنطلق أضحى يلعب الدور الرئيسي منذ إدراكه ذلك وتمثل وجوده في حركة الأحداث والوقائع التاريخية. وتبدو لنا مساهمة الإنسان في هذه الحركة من خلال النشاط الفعلي المتعدد والمختلف، حيث يمكن النظر إلى هذا النشاط العيني من ناحيتين : فمن الناحية الأولى، يتجسد كفعالية من خلال صراع الإنسان مع الطبيعة ومحاولة السيطرة عليها. أما من الناحية الثانية، فيتمثل من خلال صراع الإنسان مع أخيه الإنسان نظرا لاعتباره كائن يمتلك دوافع فطرية عدوانية تنتعش في ظل وجود واقع مادي يحكمه منطق الصراع الطبقي.
لقد أبان هذا الفهم عن محدودية فكرة "مكر التاريخ" التي وضعت الإنسان بجانب باقي الأدوات التي من خلالها يصنع التاريخ مساره الخاص بعيدا عن الفعل الإنساني، الذي ينظر إليه من هذه الزاوية كفعل ثانوي في مجمل حركة التاريخ وليس له غايات محددة سوى غاية الروح المطلق التي تنجز من خلال قوانينها، قوانين الجدل الصارمة، المفصولة عن الوجود المادي للبشر. ومن تمة، أضحى الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق غاية العقل أو الروح وليس فاعلا أساسيا في التاريخ وخاصة مع مشارف القرن الثامن عشر مع هيجل خاصة.
وإذا كان الأمر كذلك، ألا يمكن اعتبار جائحة وباء كرورونا مكرا تاريخيا جديدا لا مفر منه؟ ألا يمكن النظر إليه كيد خفية تحرك مفاصيل التاريخ العالمي وتوجهه وفقا لغايات غير محددة المعالم؟ ألا يمكن القول بأن فايروس كورونا درس فلسفي جديد للإنسان الصانع الذي يعجر إلى حدود الساعة عن فهم ميكانزيمات الفايروس؟ ألم يعد العلم اليوم يعتمد على التأويل ومنطق الاحتمال بدل الدقة والموضوعية ؟ أليس الفيروس بمثابة شاهد تاريخي يسخر من الحضارة الإنسانية النتشوية ؟ ألسنا في حاجة إلى الإنسان السوبرمان لكي ينقذ أرواحنا أم أننا في نهاية التاريخ بنكهة كورونا...؟
لقد أعاد الفايروس الاعتبار لجملة من المفاهيم الفلسفية التي ربما كانت في طي النسيان، من قبيل : النوس محرك التاريخ والشيطان الماكر ومكر التاريخ وكذا اليد الخفية ونهاية التاريخ ، أي إعادة الاعتبار لكل المفاهيم التي أبدعت من أجل بيان قصور الإرادة الإنسانية وتدخلها الجزئي في التاريخ العالمي بالمقابل ذلك إبراز زعماء هذا التصور- ميكيافيلي – أهمية قوى الطبيعة المادية الملموسة أو الغير ملموسة كالفيروسات التي تخرج عن نطاق الإدراك الحسي والتي تنفلت من أي تحديد، لها قوانينها الطبيعية الذاتية التي لا زال العقل العلمي يسعى جاهدا بما لديه من تقنيات لفهما فهما مكتملا و ليس جزئيا.
وعليه، فالإنسان من هذه الزاوية، فقد عرشه وأضحى يجارى قوى الطبيعة سعيا منه لإنقاذ ذاته والحفاظ على نوعه البيولوجي. ومن زاوية أخرى ، دفع هذا الفيروس الإنسان إلى الخروج عن نرجسيته وإعادة النظر في نظرية نهاية التاريخ، حيث كتب للإنسانية جمعاء تاريخا معاصرا جديد لا نعرف معالمه بعد، فهل سيكون بنكهة رأسمالية ناعمة أم باشتراكية رومانسية أم سيكون مصير الإنسان مرهون بإعمال عقله في بحث نظام اجتماعي جديد مضاد للفيروسات تحتل فيه التقنية والذكاء الصناعي مكانة متميزة، التي من خلالها يمكن للإنسان أن يحقق سعاته "الانطولوجية الذكية "عن بعد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل