الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في النوروبيداغوجيا

أشملال حدو

2020 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ألفيي هودي *

بفضل علوم الأعصاب ، وخاصة ما يرتبط بتقنيات تصوير الدماغ ، نقف، في المرحلة الراهنة، على مشروع علمي كبير يختص بمقاربة أنماط التعلم ويتعلق الأمر: "بالنوروبيداغوجيا" ، وهو مصطلح أدخلته في فرنسا عام 2006. يساعدنا هذا المصطلح العلمي، على تفسير بعض أوجه الإختلاف في وضعيات التعلم المتباينة المواقف. في مقابل ذلك ، يكشف عالم التربية والمستوحى،طبعا، من عمق الممارسة اليومية – خاصة ما يهم المستجدات البيداغوجية – عن أفكار ذات طابع أصيل، والتي يمكن اعتمادها كورش للتجريب العلمي الدقيق. والدليل على ذلك، هو ما نلحظه اليوم من تطور على مستوى المختبرات العلمية، والتي تعنى، بالأساس، بما تفرزه مدرسة اليوم من قضايا ومواقف. الشيء الذي يبرر كون أن المعاهد العليا، تخصص مسالك ووحدات علمية غايتها في ذلك، الوقوف بالدراسة والتحليل، على مجموع المكتشفات العلمية في مجال علوم الانسان والتربية.


I.استراتيجيات التعلم : مكنت تقنيات تصوير الدماغ، من إثبات،وبدقة علمية، وجود شكلين من التعلم النورومعرفي، لدى الأطفال كما عند البالغين : سيرورة التعلم الآلي عن طريق الممارسة المباشرة، و نظام التحكم القائم على نوع من الكف أو التثبيط. ففي الحالة الأولى، يخضع الجزء الأمامي من الدماغ لتنشيط وحافزية مستمرين. ذلك لأن تفعيل المهارات وتنفيذها يستدعي شرطين اثنين : التحكم والجهد المعرفي (حفظ قائمة كلمات عن ظهر قلب ، على سبيل المثال). حيث إن هاته المهارات تتداخل مع نظام التعلم الآلي،و في هذا المستوى بالذات، وبوجهة نظر نورولوجية، تظهر أهمية الجزء الخلفي من الدماغ ، وكذلك المناطق تحت القشرية. أما في الحالة الثانية، فإن تغيير استراتيجيات التعلم المعرفية، يقوم على تعطيل نظام التعلم الآلي. سمحت ،إذن، التقنيات الدقيقة لتصوير الدماغ من إمكانية الوقوف، وبشكل ملموس، على ما يحدث من تغيير في البنية الوظيفية الخاصة بدماغ المتعلم. وتحت تأثير فعل التعلم، ينعطف المتعلم،أثناء سيرورة التفكير، من وضعية إدراكية سهلة، في مجملها مغلوطة، إلى وضعية دقيقة ومنطقية في نفس الآن. تبعا لذلك، تشير بعض النتائج العلمية، إلى التغير المتواتر الذي تعرفه مناطق الدماغ؛ بدءا بالجزء الخلفي إلى قشرة الفص الجبهي الدينامية، وهذا عكس ما يمكن معاينته في سيرورة التعلم الآلي.
النمط الأول من التعلم – التعلم الآلي المباشر- مستخلص من المعارف العامة الراسخة عن طريق التكرار أو الحفظ، مثل المعارف المثبتة في البرامج الدراسية على سبيل الذكر لا الحصر. عكس ذلك، فالنمط الثاني من التعلم – القائم على نظام التحكم المعرفي – يتطلب متسعا من التفكير الخيالي، بشكل يتيح للمتعلم تغيير المنطق الاستراتيجي لما يتلقاه أو يستوعبه من معارف تجاوزا لأي تعلم آلي ونمطي. إنه ،باختصار، تعلم يفيد تعميق فكرة "المقاومة" كممارسة لدى المتعلم(1).

II.بيداغوجيا الفص الجبهي من الدماغ : إن مختلف أنماط التعلم في المدرسة ، كانت دائمًا ،و قبل كل شيء، تتم من خلال التكرار والممارسة أوعن طريق التعلم الآلي. هذا أمر جدير بالاهتمام ، ولكن ، كما رأينا سابقا ، يجب أن يتعلم دماغ المتعلم أيضًا التفكير في مخطط معرفي معاكس:الدقة في آليات التعلم . لذلك ، سيكون من المفيد جدًا، على مستوى حقل المدرسة، تطوير بيداغوجيا الفص الجبهي، ولا سيما الرفع من إمكانية القدرة على تثبيط الدماغ والتحكم في ميكانيزمات اشتغاله المعرفي.و في الواقع ، إن الكف هو شكل من أشكال التحكم السلوكي، ذي الطبيعة القصدية، و الذي يسمح للأطفال بمقاومة العادات أو كبح أوتوماتيكية التعلمات، إلى جانب القدرة على التكيف مع المواقف المعقدة بدرجة كبيرة من المرونة النورومعرفية. وهو مؤشر لا مواربة فيه على ذكاء المتعلم. فانعدام القدرة على الكف تنتج عنه صعوبات في التعلم (بما في ذلك الأغلوطات الملاحظة، وما إلى ذلك) كما صعوبات في التكيف المعرفي والاجتماعي. وكثيرا ما نجد هاته الصعوبات عند أطفال المدرسة الابتدائية، فيما يهم المسائل الرياضية بكيفية خاصة (علاقات الإضافة أو الطرح).
وهناك أمثلة أخرى متعلقة بصعوبات القراءة؛ منها الخلط بين تركيبة الحروف الذي نجده لدى المتعلم أو القارىء المبتدىء. فمن الناحية النورولوجية، فأثناء تعلم القراءة يقوم الدماغ الانساني ببرمجة الخلايا العصبية المسؤولة والمستخدمة في تعيين الأشياء وتحديدها على مستوى العالم الإيكولوجي : الحيوانات، على سبيل المثال (2). فالتمييز بين الحروف أو في وضعيات أخرى مغايرة، يستدعي تدريب وترييض الدماغ على مقاومة النمطية والتعميم، عند الأطفال كما عند البالغين (3). وبالتالي، فإن بيداغوجيا الفص الجبهي من الدماغ، هي بيداغوجيا تستهدف غائية الحياة ! لا يكفي، إذن ، معرفة القواعد التي تنتظم بها الوضعيات، بله القدرة على تصريف آلية الكف الموجهة لمداركنا و أفكارنا ذات السيرورة النورومعرفية. ففي كل من فرنسا وكندا (فريق أديل دايموند في فانكوفر على وجه الخصوص) ، يتم الآن إجراء تجارب التدخل البيداغوجي التجريبية من هذا النوع في المدارس، و تستهدف استراتيجيات التعلم، المتعلقة بميكانيزم "التحكم المعرفي": الكف، المرونة، إلخ.(4).

III.علم قيد التطور : بفضل الأبحاث العلمية النورولوجية، حتى النظرية الشهيرة لعالم النفس السويسري جان بياجيه (1896-1980) تمت إعادة النظر فيها مؤخرًا عن طريق تقنيات تصوير الدماغ في مختبرنا الحالي بفرنسا. فقد طبعت نظرية بياجيه حول مراحل النمو المعرفي (الذكاء) القرن العشرين ،بل شكلت أساسا نظريا قائم الذات في مجال الدراسات النفسية والتربوية. الأمر الذي جعلها، كنظرية، متداولة حتى لدى عامة الناس. نحن نعلم أن مهمة بياجيه العلمية تركزت في اختبار ذكاء الطفل من الناحية الرياضية، غاية تتبع التطور الذي يعرفه الذكاء، من مرحلته الأولى، كذكاء حسي-حركي إلى مرحلة التفكير الرياضي-المنطقي. وقد أثبتت بعض الأبحاث الميدانية المعتمدة على تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي، مع أطفال الحضانة والمدارس الابتدائية على مدى أهمية وفاعلية مناطق الفص الجبهي من الدماغ في تفعيلها أو تنفيذها لاستراتيجيات التعلم. وهو الاعتبار العلمي الذي يسمح بإعادة النظر في الأسس النظرية المتبناة من قبل بياجيه. وهناك الكثير من الأمثلة التي توضح كيف أن النوروبيداغوجيا، هو علم جديد و في تطور على مدار العشر سنوات المقبلة. تأسيسا على ما سبق، يبدو واضحا أن المختبرات العلمية بالعالم اليوم تنحو في اتجاه تعميق الاهتمام بما تطرحه علوم التربية وعلوم الأعصاب من تمفصل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ألفيي هودي أستاذ بجامعة السوربون / باريس (فرنسا).

إحالات ومراجـع:
(1) .Olivier Houdé, Apprendre à résister, Le Pommier, 2014
(2) .Voir Stanislas Dehaene, Les Neurones de la lecture, Odile Jacob, 2007
(3) .Grégoire Borst et al., « The cost of blocking the mirror-generalization process in reading « , Psychonomic Bulletin & Review, vol.XXII, n 1 , février 2015
(4) .Adel Diamond et Kathleen Lee, " Interventions shown to aid executive -function- development in children 4 to 12 years old " , Science, vol.CCCXXXIII, n 6045, 19 aout 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!