الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة

عطا درغام

2020 / 4 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في عام 1986 تلتقي عبقرية يوسف شاهين مع أم كلثوم باريس الفنانة داليدا ؛ لتنصهر في بوتقة اليوم السادس الذي يعبر عن أحداث الكوليرا التي تعرضت لها مصر المحروسة في عام 1947 ، ولم أكن أعلم بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا أنني سأبحث عن هذا الفيلم وأشاهده أكثر من مرة ، وذلك عندما تعرضت لموضوع الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 .. وأعايش هذه التجربة من خلال فيلم ( اليوم السادس) .....لقد رأيت من قبل رائعة توفيق صالح ( صراع الأبطال) الذي جسده شكري سرحان مع سميرة أحمد وصور فيه معاناة قرية مصرية عانت من الوباء الذي كاد أن يقضي علي القرية بأجمعها بسبب اعتمادهم في غذائهم علي مخلفات المعسكر الإنجليزي، لكن لم يشبع هذا الفيلم رغبتي ...حتي مسلسل الأيام للدكتور طه حسين الذي أشار فيه لدقائق عن وباء الكوليرا الذي أصاب مصر عام 1903 ....لكن كان فيلم اليوم السادس الذي اعتمد علي قصة الروائية الفرنسية المصرية الأصل ( أندريه شديد) أشبع رغبتي في معايشة هذه التجربة من خلال أحداث الفيلم.
وإن كان الفيلم لا يُعد مصدرًا تاريخيًا، لكنه عبر عن حالة خاصة أصابت المجتمع في تلك الفترة، ورمزت داليدا إلي مصر التي مات أقاربها بوباء الكوليرا حتي أصيب به حفيدها ، وأخفته عن السلطات وظلت تتابع حالته ، وإذا مر عليه اليوم السادس تعافي من الكوليرا ، لكنه مات في اليوم السادس.
وعلي الرغم من توافر الكثير من المراجع ، وكذا سجلات الوفيات التي من خلالها أستطيع رصد حالات الكوليرا التي تعرضت لها البلاد خلال الفترة من 22 سبتمبر 1947 وحتي نهاية ديسمبر من نفس العام ، إلا أنني أردت أن أُعطي للموضوع مصداقية أكثر من خلال شهادات حية لشهود عيان علي الكوليرا من أمثال شهادات ل : ( الشيخ إبراهيم الشناوي- الحاج معروف عبده حسن طويلة- الحاج محمد علي الأمير( الشهرة نسيم)- الحاج محمد الصاوي الحواوشي) وروايات منقولة لشخصيات تالية من شخصات عاشت هذا الحدث كروايات الحاج محمد إسماعيل درغام ببورسعيد والتي أفادتني كثيرًا ، وكذا بعض الروايات المنقولة عن شخصيات حديثة كمعلومات منقولة عن ضياء بدوي المشد عن أجداده. ...
لم يكن الحصول علي هذه الروايات والوصول إلي هذه الشخصيات بالأمر السهل،بل عانيت كثيرًا واتصلت بشخصيات عديدة من القرية سهلت علي الوصول ،وأخص بالذكر الأستاذ محمد الخضر والأستاذ محمد السادات الأمير والأستاذة هانم توفيق ..
واستطاع الأستاذ/ سعد الصاوي أن يحصل لي علي تسجيل خاص من والده أفادني كثيرًا في رصد الكوليرا في القرية في تلك الفترة ، وكذا الأستاذ محمد عبده المتولي الأمير أن يقترب من الحاج نسيم الأمير ويحصل لي منه علي بعض المعلومات...
وعلي الرغم من أن الحاج معروف طويلة كثير الصمت قليل الكلام ، إلا أنني بتحريض من ابنه محمد استطعت أن أكسر هذا الحاجز وحصلت علي بعض المعلومات.
وكان في نيتي أن أن ألتقي بعدد أكبر من الشخصيات التي عاصرت هذه المأساة التي لحقت بالقرية ، ومنهم الحاج رزق عبد الله والحاج نعمان الشبراوي سلامة والأستاذ محمود عبد المجيد الأمير – أدام الله عليهم بالصحة والعافية-..لكنني أرجات هذه اللقاءات والعمل علي حصر لمن عاصر هذه المأساة وإفراد موضوع خاص بهم في كتابات تالية.
وأوقعتني كثرة توافر المادة والبيانات الخاصة بالكوليرا في حيرة كبيرة، وسألت نفسي ...هل أدخل في الموضوع مباشرة من خلال القرية ؟ أم من بداية دخولها وتتبع خط سيرها ، وهذا بالطبع سيجعل القاريء يشعر بالملل من طول الموضوع.. وأخيرا ،اهتديت إلي تتبع الموضوع من بدايته انتهاءً بجديدة المنزلة، حتي لا أحرم القاريء من هذه المعلومات،
وسأتناول الموضوع من خلال النقاط التالية:
- إجراءات الحجر الصحي
- بداية المرض
- تعامل الدولة مع المرض
- انتشار المرض
- سير المرض
- إحصائيات محافظة الدقهلية
- بداية الكوليرا في جديدة المنزلة
- إجراءات الوقاية من المرض
- حجز المرضي في مستشفي الحميات
- دفن المصابين أحياء
- هروب أحد المصابين بالكوليرا
- يارب سلم ومظاهرة الكوليرا
- البصل في رقبة الاطفال
- وفيات الكوليرا بجديدة المنزلة
...............................................................
بداية المرض
................
في 31 مارس عام 1947 ، طالبت مصلحة الحجر الصحي المصرية بخضوع المطارات البريطانية في منطقة القناة لرقابة الحجر الصحي ، وللوصول إلي ذلك طلبت مصلحة الحجر الصحي في 11 مارس قبل أن يتم الجلاء من وزارة الخارجية إبلاغ السفارة البريطانية بأن أول هبوط للطائرات البريطانية القادمة من الخارج يجب ان يكن في مطار ألماظة للخضوع للتفتيش وتحت الرقابة الصحية تحت إشراف أطباء مصريين أمام مصلحة الحجر الصحي، ويراقبون الوافدين علي البلاد من المناطق الموبوءة بالهند، لكن لم يصادف هذا الطلب قبولًا واعترضت السفارة البريطانية.
وبدأ جلاء القوات البريطانية في 15 أغسطس1947 عن الهند، في الوقت الذي كانت فيه وباء الكوليرا متفشية في الهند، وكانت القوات البريطانية تتخذ من قناة السويس محطة في طريقها إلي إنجلترا يمكثون فيها المدة الكافية، ثم ينقلون بعد ذلك إلي إنجلترا...علاوة علي عدم خضوع المطارات البريطانية للحجر الصحي..كانت كافية لأن تكون نذيرا لرجال الصحة في مصر،
بدأ المرض في 22 سبتمبر عام 1947 ببلدة القرين التابعة لمركز أبو حماد في محافظة الشرقية الواقعة علي بعد 1 كيلو من طريق المعاهدة الموصل بين القاهرة والسويس والتي تتاخم معسكرات الإنجليز. وقد اثبت التحليل البكترولوجي الأول إصابة بلدة القرين .مركز أبو حماد شرقية .
...........................
تعامل الدولة مع المرض
............................
وبعد التأكد من أن تلك الحالات هى "مرض الكوليرا" فقامت قوات الجيش والشرطة بمحاصرة القرية ومنعت الدخول أو الخروج منها وتم عزل الحالات المصابة فى عنابر معزولة عن باقى المستشفى وأقامت معسكرات خاصة لهم وتم تعقيم منازل المصابين بعد عزلهم و التحفظ على المتعلقات الشخصية لحماية باقى الأسرة مع زيادة نسبة الكلور فى المياه العمومية و توصيل عربات مياه معقمة للمناطق الموبوءة التى لا تتمتع بخطوط مياه صحية ومنع الإستحمام أو غسل الملابس فى الترع نهائيا ومنع أى فتحة تصب مياه أو أى مخلفات فى الترع وتم إزالة القلل والزير وأى وسيلة عامة للشرب من الطرقات فى القرى الموبوءة ومنعت الحمامات العامة ومنع بيع أى طعام أو شراب محضر بالأسواق وأغلقت المطاعم ومنع انتقال الخضروات والفواكه بين المناطق إلا بعد غسلها بالكلور المائى وتم نقل القمامة فورا باستمرار مع رش القرى باستمرار بالمبيدات الحشرية للقضاء على الذباب الناقل للمرض ،وفى إجراءات صارمة تم عزل الوجه القبلى عن البحرى ومن أراد الانتقال عليه أن يمكث 6 أيام تحت الملاحظة وتم تطبيق الحظر على كل وسائل المواصلات بما فيها القطارات مع عدم الانتقال بين مدينة واخرى خصوصا من اراد ان يدخل المدن الكبرى مثل القاهرة الا بتصريح من وزارة الصحة عليه صور الاشخاص المصرح لهم
.................
انتشار المرض
..................
ساعد علي انتشار وباء الكوليرا من القرين إلي القري والمراكز المجاور هم نزلاء القرين، ففريق منهم عمال من مختلف أنحاء القر المصري توطنوا هناك ويعملون في معسكرات الجيش البريطاني، واستطاع كثير منهم أن يتخطي الحصار الذي ضرب علي القرية، وفريق وهو الأغلب .أفراد وأسر يفدون علي القرين وما حولها في موسم البلح بالآلاف لشراء البلح.
وكان أغلب هؤلاء يفدون من منطقة البحر الصغير بالدقهلية( المنزلة )، وقد لعبوا دورًا بارزًا في نشر الوباء وخصوصًا في مديرية الدقهلية التي ظهر فيها الوباء مبكرًا.
ومن العوامل التي ساعدت علي انتشار الكوليرا هو اجتماع الكثير من الناس في موسم البلح الحياني الذي يوجد اكبر أسواقه في الشرقية والدقهلية والقليوبية...ساعد علي سرعة الانتشار ضعف الحصار وكثرة حوادث التهريب وتعدد الطرق البرية بين الشرقية وجاراتها ووجود طريق ملاحي بين الشرقية والدقهلية وهو مصرف بحر البقر الذي يربط بين القرية وبحيرة المنزلة ، وبالتالي بمراكز الدقهلية ودكرنس...
فمثلًا، أول إصابتين بالكوليرا حدثتا في بني عبيد في رجل وامرأته، وذثكر في السجلات انهما قما من الزقازيق ثم توالت الإصابات، وأيضًا ساعد علي سرعة انتشار المرض ارتفاع معدل الرطوبة في الدقهلية المديربات الأخري مما يؤدي إلي إنعاش ميكروب الكوليرا وانتشاره.
.....................
سير المرض
...................
بدأ بالشرقية في القرين ،ثم 54 جهة قريبة من القرين ثم محافظة القليوبية، وبها 21 جهة موبوءة ثم جاءت مديرية الدقهلية في المرتبة الثالثة ، وتركزت في مناطق: بني عبيد—مركز أجا- منطقة البحر الصغير( المنزلة )- دكرنس وبعض القري التابعة لميت غمر ثم الإسماعيلية والقاهرة.
وفي الأسبوع الثاني ، ارتفع عد الجهات الموبوءة إلي 204 جهة وزادت حالات الإصابة إلي 892 وعدد الوفيات 380 حالة..وسجلت الشرقية أعلي نسبة...وفي الأسبوع الثالث، زاد عدد الجهات الموبوءة إلي 445 جهة وزادت حالات الإصابة إلي 1601 إصابة وعدد الوفيات إلي 638....وسجلت مديرية الدقهلية زيادة كبيرة في عدد الجهات الموبوءة التي بلغت 159 جهة، وبلغ عدد المديريات المصابة في الأسبوع الثالث إلي 11 مديرية، بينما خلا الصعيد في هذا الأسبوع من الإصابات.
وفي الأسبوع الرابع، فقد زادت فيه الجهات الموبوءة زيادة ملحوظة إذ بلغت 1232 جهة، وبلغت الإصابة 4997 وعدد الوفيات 2274 حالة، وفي هذا الأسبوع سجلت الدقهلية أعلي الارتفاعات في عدد الجهات الموبوءة إذ بلغت 312 جهة وزادت حالات الإصابة بها إلي 1619 وزارد عدد الوفيات إلي 866 حالة.
وسجل يوم 21 أكتوبر أعلي ارتفاع يومي طوال فترة الوباء في عدد الإصابات والوفيات، إذ بلغ 1022 إصابة وعدد الوفيات 561 حالة .
وهناك إحصائية ثانية تشمل الأربعة الأسابيع الثانية في الفترة من 22/10 حتي 18/11/1947..ويعتبر الأسبوع الخامس هو الذي يُمثل ذروة الوباء، فهو الأعلي طوال فترة الوباء حيث بلغ عدد الجهات الموبوءة1402 وعدد الإصابات 6033 إصابة والوفيات 3034 حالة..وسجلت الدقهلية أعلي ارتفاع أسبوعي طوال فترة الوباء ، فقد بلغ عدد الوفيات 1126 حالة.
وفي الأسبوع السادس، فقد بدات حدة الوباء تنخفض، وتوالي خلال هذا الأسبوع الهبوط العام من حيث عدد الجهات الموبوءة وعدد الإصابات والوفيات، فبلغ عدد الجهات الموبوءة 1396 والإصابات 4218 والوفيات 2283.
وفي الأسبوع السابع، توالي الهبوط بشكل ملحوظ وخصوصًا في الإسكندرية والتي انقطعت في نهاية هذا الأسبوع الإصابات والوفيات بها ، وتقلص ظل الكوليرا في الوجه البحري بسبب انخفاض درجة الرطوبة إلي أقل من 10 درجات.
وفي الأسبوع الثامن، تقلصت الكوليرا تمامًا في الوجه البحري بصورة واضحة، وفي نفس الوقت تسرب بصورة مستشرية في أعالي الصعيد.
وفي الإحصائية الثالثة التي تمثلت في الأربعة الأسابيع الأخيرة: ( التاسع- العاشر- الحادي عشر- الثاني عشر) تقلصت الكوليرا في الدقهلية تماما ، وكشفت الإحصائيات عن 4 أماكن موبوءة بها 4 إصابات وثلاث وفيات في الأسبوع التاسع..وفي الأسبوع العاشر، هناك(2)منطقة موبوءة ولم تكن هناك إصابات وهناك حالة وفاة...وتنتهي إحصائية الأسبوع العاشر عند2/12/1947 والأسبوعين الآخرين من 3/12حتي 9/12 ومن 24/12 حتي 31/12/1947 لم تكن هناك إصابات وحالات وفاة.
........................
إحصائيات محافظة الدقهلية
............................
الإحصائية الأولي الأسبوع الأول: ( من 23/9/1947 -30/9/1947 )
......
الجهات المصابة : 13 جهة الإصابات : 25 إصابة الوفيات : 2 حالة
....................
الأسبوع الثاني (من 1/10/1947- 7/10/1947 )
الجهات الموبوءة:18 جهة الإصابات : 56 إصابة الوفيات : 24 حالة
..................................
الأسبوع الثالث: ( من 8/10/1947-14/10-1947 )
الجهات: 159 جهة الإصابات : 611 إصابة الوفيات : 243 حالة
................
الأسبوع الرابع: ( من 15/10/1947- 21/10/1947 )
الجهات : 312 جهة الإصابات : 1619 إصابة الوفيات : 866 حالة
..............................................................
الإحصائية الثانية
الأسبوع الخامس: ( من 22/10/1947-28/10/1947 )
الجهات : 319 جهة الإصابات : 1650 إصابة الوفيات : 1126 حالة
..........
الأسبوع السادس: (من 29/10/1947-4/11/1947 )
الجهات :266 جهة الإصابات : 681 إصابة الوفيات : 518 حالة
........................
الأسبوع السابع: ( من 5/11/1947-11/11/1947 )
الجهات: 127 الإصابات : 204 الوفيات : 136
.......................
الأسبوع الثامن : (من 12/11/1947-18-11/1947 )
الجهات: 38 جهة الإصابات إصابة39 الوفيات : 30 حالة
.........................................................
الإحصائية الثالثة
الأسبوع التاسع :( من 19/11/1947-25/11/1947 )
الجهات : 4 جهات الإصابات : 4 إصابات الوفيات : 3 حالات
...............
الأسبوع العاشر : ( من 26/11/1947-2/12/1947 )
الجهات : 2 جهة الإصابات : - الوفيات : 2 حالة
................
الأسبوع الحادي عشر : ( 3/12/1947-9/12/1947): اختفاء
الأسبوع الثاني عشر : ( 24/12/1947-31/12/1947): اختفاء
......................................................................................................
- بداية الكوليرا في جديدة المنزلة
- ....................................
استطاعت الدولة بفضل الإجراءات الصارمة والكردونات التي تفرضها علي القري، حتي لا تنتقل العدوي بين القري..فقد استطاع الأهالي كسر هذا الحصار ويخرجون إلي محافظاتهم.
ويذكر الشيخ/ إبراهيم الشناوي أن العناية الإلهية رفقت به عندما غادر الشرقية قبل ظهور المرض بيوم، وكان موجودا مع عائلته التي سافرت لجلب البلح، وكان عليه أن يغادرها يوم 21 سبتمبر 1947 ،وذلك استعدادًا لدخول المدارس.
وفي اليوم التالي من نفس العام، أُعلن عن ظهور أول حالة كوليرا في قرية ( القرين ) بالشرقية..وتم عمل كردون علي (القرين) لمنع دخول وخروج أي شخص؛ وكذا سد جميع منافذ الشرقية للمحافظات الأخري.
وفي كل عام، وفي موسم البلح تحرص بعض العائلات في جديدة المنزلة علي السفر إلي الشرقية لشراء البلح والفول، والبقاء هناك لفترة ثم يرجعون محملين ببعض أنواع البلح والعجوة والفول.
وفي هذا العام، استطاعت بعض العائلات أن تكسر الحصار الذي فرضته الحكومة علي الشرقية..وأكاد أُجزم أن ان هذا هو السبب المباشر في انتشار الكوليرا بالقرية عن طريق الوافدين من الشرقية وانتقل عن طريق البلح.ذلك وعلي الرغم من أن الحكومة قد أعدمت جميع البلح والفول الذي جلبه الناس من الشرقية، إلا أن الكوليرا دخلت وأصابت الناس وحدثت الكثيرمن الوفيات.
وبعد اكتشاف الإصابة بالكوليرا في مركز المنزلة، وتحديدًا في الأسبوع الأول لظهورها في الفترة ما بين ( 23/9/1947 حتي 30/9/1947 ) تمن منع التنقل بين القري ، وأعلنت الحكومة المصرية حالة الطواريء في البلاد؛ لمنع انتشار العدوي وتحجيم المرض.
.......................................
- إجراءات الوقاية من المرض
...........................................
اتخذت الحكومة المصرية إجراءات وقائية في المرور علي البيوت وتفتيشها؛ رغم أن الأهالي كانوا يحاولون بشتي الطرق إخفاء حالات الإصابة....لكن علامات الإصابة بالكوليرا لا يمكن إخفاؤها إذ تظهر سريعاً علي الأشخاص المصابين بها.
وتأخذ الحكومة الشخص المصاب وشحنه في سيارة لوري من سيارات الجيش مع غيره من المصابين.
أما حالات الوفاة، فعلي الفور كان يتم التخلص منها بإلقاء جميع الجثث في مقبرة جماعية علي أطراف القرية عند السد القديم وتحديدًا مكان المجيرة ( مضرب هدهد الآن ).
وعملت الحكومة علي التخلص من ملابس المتوفين وحرقها، ولم تكن هناك جنازات ولا مراسم للعزاء؛ إذ كان الناس يخافون من الإصابة بهذا الوباء الذي أصاب القرية بحالة من الذعر والفوضي طوال شهريسبتمبر وأكتوبر وأيام قليلة من ديسمبر .
...........................................................................
- حجز المرضي في مستشفي الحميات علي طريق البصراط
...........................................................................
اكتظت مستشفي حميات المنزلة في مكانها القديم علي طريق البصراط ( بالقرب من غيط المنايسة )بالمصابين بالكوليرا من كل حدب وصوب، ولم تستطع المتشفي بأسرتها أن تسع كل هذه الحالات...من كثرتها كان يتم وضع المرضي علي الأرض.
وحرص الدكتور إبراهيم الجمال مديرمستشفي الحميات ومدير مكتب الصحة بالمنزلة آنذاك علي اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية التي تساعد علي تحجيم المرض ومنع انتشاره ، وكذا تقديم الرعاية الطبية للحالات التي تستجيب للعلاج، واستبعاد الحالات الميئوس منه.
قسمت المستشفي المرضي إلي نوعين: النوع الأول: وهو الذي يتماثل للشفاء ويقترب تمامًا من التعافي؛ إذ كانت ستة أيام كافية تمر علي المصاب بالكوليرا ويتعافي بعدها..وهذا النوع يستجيب للعلاج والطعام وكان طعامه بغذاء أشبه بالزبادي.
والنوع الثاني: الحالات الميئوس منها تماما، وتمكن منها المرض ولا تستجيب للعلاج والطعام..وهذا النوع سيقودهم سوء حظهم إلي مصير أسود محتوم لا يستطيعون الفكاك منه.
....................................
- مقبرة جماعية ودفن الناس أحياء
....................................
لم أكن أصدق روايات دفن حالات الكوليرا الميئوس منها وهم أحياء، وكنت أري أن هناك مبالغات في هذه الروايات...لكن شهود العيان أكدوا هذه الروايات..وتؤكد رواية الحاج نسيم الأمير أن شقيقه( كمال علي الأمير) من الذين كانوا يعاونون الحكومة في شحن الجثث في اللوري، وكانت هذه الجثث تقع من اللوري من كثرتها...ومن سخرية القدر أن له شقيقًا متزوجًا حديثًا( علي علي الأمير) وعلي الرغم من حرصه علي الوقاية والابتعاد عن الكوليرا ، إلا أنه توفي بها ، وشقيقه الذي كان يعاون في مواجهة الكوليرا لم يلحق أي أذي.
ولم يكن أمام الحكومة مفر من التخلص ، الحالات الميئوس منها؛ حتي لا تتشر العدوي وتزيد الوفيات ...تخيلوا معنا كم كان مؤلمًا علي الناس في تلك السنة أن يجدوا أعز الناس يُدفنون أمامهم أحياء....إما هو يعيش ويترك حبيبه يموت أو يموتان معًا....معادلة صعبة جدا كلها مصاعب وآلام وظروف قاسية أُجبر عليها أجدادنا..
وسط صراخات نفوس معذبة وعويل الأهالي يتم شحن هؤلاء الأحياء، ولا يملكون لهم شيئًا غير الدعاء لهم أن يرحمهم الله حتي وهم أحياء.
من الذي يتحكم في مصائر هذه الأجساد التي أنهكها الفقر والمرض....إنه صراع البقاء والبقاء للأقوي الذي يتمسك بالحياة ويخشي أن تصيبه العدوي ويلقي نفس المصيرويدُفن حيًا.
هذا القوي أمر بحفر حفرة كبيرة عند السد القديم؛ لتكون مقبرة جماعية تتسع لهؤلاء الموتي الأحياء، وتركهم لمصيرهم المحتوم والمجهول الذي ينتظرهم....إنه الموت الذي لا فكاك منه ...كُتب عليهم أن يموتوا أحياء....نعم..إنه الموت...........!!!!
................................................
- يتحدي الموت ويهرب من المقبرة
................................................
أمر عمدة القرية في هذا الوقت جميع الخفراء بمراقبة جميع البيوت ومنع التجمعات والاختلاط، وعمل كردون حول مقبرة الاحياء الجماعية حتي لا يهرب منها أحد ، لكن إرادة الله أن يستطيع أحد هؤلاء الأحياء الذين ينتظرون الموت أن يتشبث بالحياة ، ورغم جسده المنهك ظل يحاول حتي صعد إلي أعلي.
إرادة الحياة لديه أقوي من الموت، استطاع ان يخرج من الحفرة ويتسلل خفية بعيدًا عن أعين الخفراء..لكن عين أحد الخفراء تحديدًا المرحوم( إبراهيم طويلة) أن يلحق به ومسكه..أخذ هذا الرجل يتوسل للمرحوم ( إبراهيم طويلة):
أبوس إيدك
سيبني أعيش
انا عندي عيال
عاوز أربيهم
موش عايز أموت
وتغافل المرحوم (إبراهيم طويلة) عن هذا الرجل..وتؤكد رواية الحاج محمد الصاوي الحواوشي أن هذا الرجل عاش في ( أبو الأخضر) وكُتبت له النجاة ،وعاش بعدها طويلًا إلي أن توفاه الله وفاة طبيعية
................................................
- يالطيف الطف بينا وأنت عالم بينا
................................................
الكوليرا تمكنت من القرية.....تنهش أجسادهم..لا ترحم فقرهم....لا ترحم ضعفهم....من لهم..؟..من يخلصهم من هذا العذاب...؟.....من يخفف عنهم هذه الآلام...؟ليس لهذه النفوس المعذبة إلا رب العزة يلتمسون منه العفو والمغفرة، وأن يرفع بلاء الكوليرا.
وظهر من بين هذه الأجساد الضعيفة المرحوم ( بسام عبد الغني) وهو تقريبًا في العشرين من عمره أو ما يزيد ، وكسر حاجز الصمت والخوف اللذين سيطرا علي القرية خلال أيام الكوليرا..انطلق يجري في القرية مرددًا:
يارب الطف بينا
وأنت عالم بينا
يارب إحنا غلابة
وسمع أهالي القرية هذا النداء، وتجاسر شخص وخرج معه، ثم شخصان، ثم تبعهما ثالث ورابع وهكذا حتي تزايدت الأعداد ،و أصبحت مظاهرة كبيرة تطلب المدد والعون من رب العزة أن يرفع البلاء مرددين:
يارب الطف بينا
وأنت عالم بينا
يارب إحنا غلابة
قويت إرادة التمسك بالحياة عند الناس متحديين الكوليرا التي أخذت تتلاشي بعد ذلك شيئًا فشيئًا أمام الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة، حتي قضت علي المرضي تمامًا وأخذ في التلاشي في نهاية نوفمبر واختفي تمامًا خلال شهر ديسمبر من عام1947.
........................................
- البصل في رقبة الأطفال
.........................................
لم تقنع الاحتياطات والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة الأهالي في القرية..فكانت حالات الإصابة في تزايد مستمر، وكل يوم يموت شخص أو اثنان.....لم تفلح أي وسيلة في تحجيم هذا الوباء، وهربت الأمهات بأبنائهن الرضع إلي المزارع علي أطراف القرية لإرضاع أبنائهن بعيدًا عن أي اختلاط، وغالبًا كانوا يختبئون بهم في حقول الذرة بعيدًا عن الأعين.
ولجأت الأمهات إلي البصل وقمن بتعليقه علي رقبة الأطفال كما تؤكد رواية ( الحاج معروف طويلة)..وعلي الرغم من فوائد البصل وأنه مضاد حيوي طبيعي، فهل فعلًا يمنع اقتراب ميكروب الكوليرا من الأطفال الذين يعلقون البصل...!!!!
.............................................................................................
أسماء المتوفين بالكوليرا بداية من 23 سبتمبر 1947 حتي 18 ديسمبر 1947
.............................................................................................
وقد قمنا برصد حالات الوفيات خلال الفترة التي حددت فيها الحكومة المصرية الإحصاءات الثلاث للكوليرا ، وقمنا برصدها بداية من 23 سبتمبر 1947 ، بعد الإعلان عن ظهورها بيوم وحتي يوم 12 ديسمبر من نفس العام.
وفي الفترة من 23 سبتمبر وحتي 15 أكتوبر كانت الوفيات تقريبا بشكل طبيعي..حالة وفاة كل أسبوع..فكانت هناك حالة واحدة بعد 23 سبتمبر ؛ أي في يوم 30سبتمبر مما يعني بأن الكوليرا لم تدخل القرية في شهر سبتمبر.
وتؤكد أرقام الوفيات أن بداية ظهور الكوليرا محصور بين تاريخين 10 أكتوبر و15 اكتوبر..ونؤكد ان الإصابة بالكوليرا قد تكون سابقة علي هذا التاريخ ...وشفيت بعضها ، لكن الوفاة بها محصور بين يومي 10 و15 اكتوبر 1947 ، وأول وفاة تنحصر بين هانم محمد بدران عجوة يوم 10 أكتوبر ومسعد علي شهدة يوم 15 أكتوبر، ثم السيد سليمان الكفافي في يوم 18 أكتوبر،ثم تزايد العدد بعد ذلك إلي حالتين في اليوم بدأت في يوم 19 أكتوبر بوفاة محمد إبراهيم عمروسمير يوسف علي عريف وفي 20 أكتوبر أم محمد محمد إمبابي وقدرية مسعد أبو العطا، ثم تزايد العدد إلي ثلاث وفيات بعد ذلك حتي 10 نوفمبر...وتقلصت الوفيات إلي حالة في اليوم ثم كل ثلاث أيم وكل أسبوع في الأيام الأخيرة من نوفمبر حتي اختفت تمامًا في الأسوع الأول من شهر ديسمبر 1947..وتتخلص القرية من مصير أسود وكابوس كاد أن يقضي عليها.
شهر سبتمبر 1947
............................
23 سبتمبر 1947
رئيسة محمد محمد عريف
……………………………………………
30 سبتمبر
وداد محمد أحمد منطر
......................................................
أكتوبر 1947
10 أكتوبر 1947
هانم محمد بدران عجوة
................................
15 أكتوبر 1947
مسعد علي شهدة
...............
18 أكتوبر
سليمان السيد الكفافي
....................................
19 اكتوبر 1947
محمد إبراهيم عمر
سمير يوسف علي عريف
........................................
20 أكتوبر 1947
أم محمد محمد إمبابي
قدرية مسعد أبو العطا
......................
22 أكتوبر 1947
مرعي محمد الشربيني
.................................
23 أكتوبر
المتولي محمد عزال
يونس عبد الحليم متولي
...................................
24 أكتوبر
محمد أحمد مشة
أحمد محمد مبروك
.............................
25 أكتوبر
جازية عبده إبراهيم حسن
.................................
26 أكتوبر
سعدة أحمد محمد عمر
فريدة محمد خليل عبد الكريم
.....................................
27 اكتوبر
نعمان هلال مصطفي
بركات أحمد زهيري
هانم محمدحسن عبد الكريم
هانم.................
..................................
28 اكتوبر
علي علي الأمير
هانم محمد عبد الله
..............................
29 أكتوبر
محمد القطب حسن عجوة
أحمد عبده منصور
................................................
شهر نوفمبر 1947
............................
1 نوفمبر
أحمد السيد زهيري
.............................
2 نوفمبر
عوض عبده حسن
........................
3 نوفمبر
محمد الشربيني أحمد إبراهيم
................................
7 نوفمبر
وهيبة محمد إبراهيم غرابة
............................
8 نوفمبر
أم حسن حسن يوسف
.........................
10 نوفمبر
إبراهيم السيد عوض
عطيات ياقوت إبراهيم طويلة
............................
18 نوفمبر السيد أحمد المشد
30 نوفمبر
أمينة إسماعيل محمد إمبابي
.........................................
ديسمبر 1947
..........................
7 ديسمبر
عبده محمد عبد الجليل عجوة
سعدة إبراهيم شهدة
...........................
8 ديسمبر
السيد أحمد المشد
12 ديسمبر
..............................
أمينة حسن المتولي عزال
....................................................................................
مراجع الموضوع
........................
1- برن، جوزيف
الموت الأسود؛ ترجمة عمر سعيد الأيوبي،أبو ظبي: هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة،، كلمة،2013
2- سجلات وفيات جديدة المنزلة
3- صلاح السيد عبد العال علام
وباء الكوليرا في مصر عام 1947 والجهود المحلية والدولية في مكافحته،
4- عصمت إبراهيم حمود
دور الشرق الأوسط في التعاون الصحي الدولي منذ أوائل القرن التاسع عشر إلي قيام منظمة الصحة العالمية، المجلة الصحية لشرق المتوسط، منظمة الصحة العالميةن المجلد الأول، العدد 1 ، 1995
5- ليلي السيد عبد العزيز
الأمراض والأوبئة وآثارها علي المجتمع المصري(1789-1813 )،دورية كان التاريخية، العدد 39، مارس 2018، مؤسسة كان التاريخية
6- محمد عبد الحميد الحناوي
الأمراض و الأوبئة في مصر وجهود الفرنسيين لمقاومتها 179 - 1801 م،المجلة العلمية لكلية الآداب جامعة أسيوط، العدد 21 ،يوليو 2006
7- منظمة الصحة العالمية- المكتب الإقليمي لشرق المتوسط
دلائل إرشادية حول مكافحة الكوليرا؛ ترجمة المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط
...........................
ثانيا : الإخباريون
.........................
1- الشيخ / إبراهيم أحمد الشناوي
2- الحاج محمد إسماعيل درغام- (بورسعيد)
3- الحاج محمد علي الأمير( الشهرة نسيم الأمير)
4- الحاج / محمد الصاوي مسعد الحواوشي
5- الحاج/ معروف عبده حسن طويلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل