الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدةُ المَحْفَل، لذّة الحضور و استمناء الكتابة

عادل عبدالله

2020 / 4 / 7
الادب والفن


" قصيدةُ المَحْفل "
لذّةُ الحضور و استمناء الكتابة

¬¬أعني بقصيدة المحفل، المشهد الاجتماعي الكامل الذي يضمّ الشاعر و الجمهور و المكان و الزمان المتمثّل بالمناسبة المخصصة لوقوفِ شاعرٍ خلفَ منصة من أجل إلقاء قصيدة على الجماهير الحاضرة لهذه الغاية .
قصيدة المحفل إذاً، و كما افهمها من خلال واقع الحال السائد، نوعٌ شعري خاص، له مقوماته النفسية و الاجتماعية و الثقافية و الإبداعية، مثلما له أسلوبه الخاص في إعلان الشاعر عن نفسه.
و لئن بدا لوهلة أولى أنّ هذا النمط من الشعر لا يختلف عن سواه من الأنماط
الشعرية، فإنّ غاية المقال هذا، هي بيان هذه الخصوصية و كشف أبعادها المتعددة و على النحو التالي:
أولاً: يمثّل المشهد الشعري هذا بكلّ عناصره الحاضرة، استعادةً للمشهد العربي القديم لعلاقة الشعر بالجمهور، المشهد الذي سبق لتاريخ الأدب العربي أن حدّثنا عن نسخهِ الأولى، تلك التي وردتْ تحت عنوان "سوق عكاظ" تارة، و معلقات الشعراء العرب و المربد تارة خرى. و معنى هذا، مع فارق الزمان الحضاري، أنه ذات المشهد الذي يجمع اليوم، الشاعر العربي المعاصر الى الجمهور في جميع مهرجاناتنا الشعرية الحاضرة.
بعبارة أخرى، إنّ الشاعر العربي المعاصر يستعيد الآن من خلال هذا الموقف نوع علاقةٍ بدائية بدوية كانت تجمع الجمهور الى الشاعر، مشهداً و أطرافاً حاضرة و حماساً و علاقة نفسية و اجتماعية.
ثانياً: في مثل هذا الموقف وحده، أي في الطريقة التي تجمع الشاعر الى الجمهور، ثمة مزيّة نفسية خفيّة – يفرضها اختلاف مكان الشاعر النسبي عن جمهوره – تَعقدُ لصالح الشاعر نوعا من التفوق و التميّز، مفاده التفرّد المكاني لمنصة الشاعر، مقابل السواد من الناس الذي يجمعهم مكانٌ آخر، مثلما هو اختلافه عنهم لحظة القراءة. و مثل هذه اللحظة الفريدة يعمل على تغذيتها و مدّها بالحضور و التماسك، تفاعلُ الجمهور و هتافهم تعبيرا عن مشاعر الاعجاب بهذا البيت أو ذاك من القصيدة، كلّما استدعتهم عبارة شعرية الى مثل هذا التفاعل، و هي اللحظة الأكثر سعادة في ذات الشاعر، مثلما هي العنصر المحرّض المسقبلي لكتابة المزيد من القصائد من أجل الحصول على المزيد من هذه اللحظات السعيدة .
ثالثاً: يستعير المشهدُ هذا من مشاهد أخرى، و في ميادين اجتماعية مختلفة الكثير من نوع حضورها، قدر تعلّق الأمر بعلاقة الجمهور بمن يقف أمامهم معادلاً بنفسه وحدها كفّتهم الجمعية كلّها، أعني إنه يستعير من فن الغناء، مشهد وقوف النجم أمام جمع غفير من الناس و هم يتفاعلون طرباً و انسجاماًمع اغنيته، مثلما يستعير من المشهد السياسي وقوف القائد أو المسؤول السياسي في لحظة مخاطبته لجمهوره من خلال منصة تذكّره على الدوام بسلطته الخاصة مقابل من لا حظّ لهم من السلطة مثله.
بل إنّها تستعير من منبر رجل الدين حضوره الوعظي الصائت أمام جمع الصامتين، مع فارق مضمون تلك الخطابات بطبيعة الحال
رابعاً: قدر تعلّق الأمر بخصوصية هذا النوع من القصائد، لا بدّ لنا من القول بأنها نوع قصائد مختلفة جدا عن سواها من قصائد الشعراء غير المحفليين، من حيث أنها تفترضُ الجماهير سلفاً، ابتداءً من لحظة شروع الشاعر بكتابته للقصيدة، حيث يتخيّل الشاعر عقب كلّ بيتِ شعر ينجزه نوع تفاعل الجماهير المفترض مع هذا البيت بطريقة يمكن تسميتها " الاستمناء الإبداعي " ذلك الذي يسبق زمنيا لحظة حضوره الواقعي أمام الجمهور.
و معنى هذا بعباراتٍ أُخر، أنّ الجمهور هنا يشارك الشاعر في تأملاته الشعرية، و معناه أيضاً، أن قصائد المحافل هذه، تكتب على وفق ذائقة الجماهير و عند حدود فهمها للابداع، مثلما معناه أخيراً، أنّ القصائد التأملية العميقة، قصائد الكشف الوجودي و المعرفي، القصائد التي تخاطب الإنسان في الأزمان كلّها لا وجود لها و لا جمهور في هذا المشهد المحافظ. باختصار شديد، إنّ حضور هذا المشهد القديم في حياتنا الإبداعية الحالية، يمكن عدّه دليلا على تراجعها، بسبب من اشتباك هذه الحياة المعاصرة مع فتوحات جبّارة لكل من العلم و الفلسفة، و هو أمر لا يستطيع هذا النوع من القصائد التعبير عنه، بسبب رغبة الشاعر في الحفاظ على عنصري الهتاف و التصفيق، الرغبة التي قد يخسرها، في مغامرته كتابة قصيدة كلّية، تخالف أعراف المشهد و قوانيه العاملة .
خامساً: قدر تعلّق الأمر بي، لا أخفي عليكم حرجي الكبير من الظهور في مشاهد كهذه، بل أنني أفضلّ رجم الجماهير للشاعر بالحجارة لكونهم لا يفهمون قصيدته، على التصفيق له تعبيرا عن الاعجاب بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس ولقاءات من مهرجان الموسيقى العربية في يومه الثاني


.. رسالة اليوم الثاني من مهرجان الموسيقى العربية




.. أبطال وفنانين وفنانات الحرانية.. في #معكم_منى_الشاذلي ?? #مع


.. بعض الأعمال الفنية للراحل رمسيس ويصا واصف #معكم_منى_الشاذلي




.. كلها من الطبيعة.. يا ترى فناني الحرانية بيجيبوا الألوان منين