الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البشرية والمنعطف التاريخي

اسعد عبد الرزاق
كاتب وباحث

(Asaad Abdulrazzak)

2020 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعيش البشرية لحظات تاريخية حاسمة, وتمر بمناطق من وجودها تمثل حالة من المنعطف يعبر عن منحني تاريخي ينتج عن ذروة الأحداث المتراكمة والعوامل المؤثرة في نهاية مرحلة وبداية أخرى, وليس العقل العلمي بمنأى عن ذلك التحول فهو إما فاعل أو منفعل أو الاثنين معا, بالتالي يتضح المبرر الموضوعي للتساؤل حول ما إذا كنا أمام منعطف تاريخي جديد, كتلك المنعطفات التي تمر بها البشرية من قبيل نشأة الأديان, أو الحروب الكبرى الفاصلة, وحتى نحدد مساحة البحث يمكن الابتداء مما آلت إليه الحضارة الغربية من نتائج ونشوء العالم الجديد بنظامه المعقد الذي بات العقل العربي فيه محاطا بصدمات ثقافية متعددة, ومن هذه النقطة بالذات لا بد أن نسجل عدة ملاحظات حول طبيعة أولويات العقل الغربي, عبر فلسفاته ونتاجاته العلمية المختلفة ونتساءل عن مدى ضمان القيم الإنسانية ضمن المسلسل الغربي الفكري منه والثقافي وحتى العلمي, وكيف هي الفجوة والفراغ في ظل الأزمة الحالية (وباء كورونا) بين واقع الحياة العامة والتقييم الفكري للنظرية الغربية في رؤيتها الفلسفية, ومن خلال النظر في مجموع النتاج الانساني اليوم هل كان هناك ضمانا حقيقيا للإنسان؟ وهل كانت هناك قيم مصانة تحفظ وجود الإنسان؟ وبعد اشارات متعددة من فلاسفة الغرب أنفسهم حول فشل التنوير الغربي وموت أهدافه, وبعد تطرف الفكر الغربي في ابتعاده عن القيم الدينية, مع أن التنوير ضمن جزءا من مكتسبات الانسان وحقوقه لكنه لم يكن بإمكانه ضمان مستقبل الإنسانية, وحتى لا تكون تساؤلاتنا طوباوية إذ بالإمكان طرحها على المنظومات الدينية كذلك, لكن رصد الفارق بين الخطاب الحضاري الغربي وما عليه الواقع الغربي, يشكل نقطة محفزة لطرح الإشكال, فلم يغب عن ذهن مفكري الغرب أزمة الأخلاق والفجوة الجامحة بين فلسفة الحداثة التي أسست محورية الانسان وأهمية القيم الإنسانية وبين فلسفة ما بعد الحداثة التي بدأت لدى نيتشه عندما راح يفكك فلسفة التنوير من جديد, حتى ظهر انقضاض الفلسفة الغربية على ذاتها عبر تفكيك التنوير ووأد تطلعاته, وانبثاق النظام العالمي الجديد بتعقيداته وتناقضاته.. فقد بات الحديث عن أزمة القيم والأخلاق مألوفاً ومنذرا بحدوث كوارث متعددة كان من أبرزها الوباء الحالي..
العقل البشري اليوم – شاء أم أبى- ما زال يعيش حالة الترقب, التي تتخللها عدة تساؤلات مع اختلاف منطلقاتها, فاليوم الجميع يسأل, الفيلسوف والبسيط, العالم والجاهل, المؤمن والملحد, أسئلة نابعة من ثنائيات متعددة مختلفة, لكنها تنجمع ضمن عقل بشري بات يدرك مدى عجزه عن تفسير ظواهر الكون والطبيعة, وبات يدرك مدى ضعفه أمام ما يحدث, وملخص تلك التساؤلات: (نحن إلى أين؟).
هل يمكن التنبؤ أو الاستشراف؟ أم نحن أمام انسداد فكري.. انسداد ذهني وأبواب مغلقة, لا أقصد كيفية التخلص من الوباء.., بل كيفية تفسير الظروف التي آلت إليها البشرية, وهل نحن أمام ضرورة إعادة انتاج تصوراتنا وتفكيرنا بالأولويات؟
هل هناك ولادة جديدة للعقل؟
العقل البشري أمام احتمالين:
الأول: بزوغ عقل قيمي جديد, يعيد انتاج أولوياته, ويحدد مكتسباته الحقيقية, عبر رؤية جديدة, تفكر بنحو متكامل لا فردي, فلقد راح زمن العبقريات المنفردة, ولم يكن النظام العالمي الحالي وليدا لمفكر واحد أو فيلسوف واحد, كذلك القادم سيكون ناتجا عن جهود وأفكار متظافرة.
الثاني: العودة الناجحة إلى الدين, وهل يختلف هذا الاحتمال عن الأول؟ ربما نعم.. لكن تلك العودة إلى أين؟ وإلى أي منطقة؟ وهل ثمة دين موحد؟ وما هي معطيات ذلك؟
وهل كان للدين دور في بناء النظام العالمي الحالي؟ حتى يكون له الدور نفسه في إعادة بناءه؟ تلك التساؤلات مفصلية وتحتاج إلى وقفة موسعة, لكن ما يهمنا أن ثمة عودة, قد تختلف صورتها من دين إلى آخر, ومن مذهب إلى آخر, لكن ليس يستحيل الاتفاق, عندما تحيط الظروف العصيبة حول آليات انتاج الفكر الديني, لأنه سوف لن تكون هناك حلول جاهزة لدى الأديان من دون إعمال العقل والنظر وتوسط الفكر في استقاء القيم والقواعد العامة لصناعة الحضارة الإنسانية.
في هذا المقال الموجز, حاولت أن احدد بعض مكامن الاخفاق البشري في بناء حضارة انسانية غير قابلة للانهيار, لأن الآمال كانت كبيرة لدى فطاحل الفكر الغربي, وما نمر به اليوم يمثل صعقة ذهنية ونفسية في الوقت ذاته لكل نوع إنساني, وعلى اختلاف مناطق واتجاهات التفكير, ولم يكن الفكر الديني أيضا بمعزل عن تلك التساؤلات, فهو الآخر يعيش حالة الترقب, وربما يستسيغ مثل تلك الظروف مع اعتبار ما يملكه من خزين في الذاكرة الدينية من عذابات البشر, والاعتياد على جلد الذات, وعقدة الذنب الإنساني, في مختلف الثقافات الدينية, إذ تشترك في هاجس الخوف من الذنب وتداعياته, وكيف يسيطر على مصير الانسان في كل لحظات حياته, فما أن تزل قدم أو تتعثر حتى ينتاب النفس شيء من الشعور بالذنب ومحاولة استذكار لائحة الأفعال وما اقترفته الذات من خطايا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -