الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الأوَّل

مصطفى حجي
(Mustafa Hajee)

2020 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعريف الإله، ماهيّته وطبيعته... هي أمور نادرًا ما يخوض فيها المؤمنون لأنَّ أيّ محاولة لشرح طبيعة ذلك الإله ستصطدم بجبل من التناقضات لا قدرة لهم على تحمّل تبعاتها، ناهيك عن الخوض فيها فهي أشبه بحقل ألغام ما يكادون يضعون أقدامهم فيه حتى ينفجر ناثرًا أفكارهم عن إلههم الوهمي أدراج الرياح.

من المهم جدًّا وقبل أن يُغرِقنا المؤمن بأدلّة كالهَباء المنثور عن وجود الإله أن نلزمه بوضع تعريف واضح ومفهوم لفكرة هذا الإله... كيف يمكن أن يُقنعني بوجود كيان ما قبل أن يشرح ماهيّة هذا الكيان الّذي يتحدّث عنه؟ فما معنى القول أنَّ وجود الكون والأرض والحياة دليل على وجود "الله" ما لم تشرح لي ماذا تقصد بفكرة "الله" هذه؟!.

تختلف أفكار المؤمنين عن إلههم باختلاف ثقافاتهم وأديانهم، لكن يمكننا القول أنّ أبسط وأشد المصطلحات اختصارًا لوصف ذلك "الكيان" الّذي يدعوه المؤمن هو: كائن فوق الطبيعة - لا تحدّه الطبيعة - خارق للطبيعة. مصطلح بسيط ويتَّفق معه كل من يؤمن بإله سواء كان إبراهيمي الديانة (مسلم -مسيحي-يهودي) أو كان على غيرها من الأديان.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المقصود بمصطلحات "فوق - وراء - خارق للطبيعة" ليس أن الله يجلس في مكان ما خارج الكون أو الوجود، بل هو تعبير عن عدم تقيُّد الإله بالقوانين الطبيعية، فهو واضعها ومصدرها ويملك قدرة التدخُّل فيها وتغييرها أنّى شاء وكيف شاء.

استثناء الإله مِنَ الطبيعة وأحكامها ذو تبعات مهمّة فهو يجعل الله فكرة فوق الإدراك أو عصيّة عليه، إذْ لا يمكن فهم أو إدراك فكرة ما فوق الطبيعة أو خارقة للطبيعة، وكل معرفة عن الإله لا بُد أن تكون غير مكتملة ولن تحيط بطبيعة الله بصورة تامَّة، وهو أمر يتّفق مع فكرة المؤمن عن هذا الإله الّذي يختبئ أبدًا خلف الستار وراء كواليس العالَم.

الوجود "الخارق للطبيعة" أو "فوق الطبيعي" هو خارج مدى الإدراك البشري... فلو كان الله كائنًا "طبيعيًّا" لأمكننا تفسير أفعاله وجوهره على أساس القوانين الطبيعية، ولأمكننا فهمه وإدراكه. لكن ما أن نفعل هذا -أي ما أن نفهم طبيعة الله- فلن يعود الله "فوق الطبيعة" و عصيًّا على الفهم...

بعبارة أُخرى: الله عصيٌّ على فهم وإدراك الإنسان حسب تعريف فكرة الإله نفسها.

أوّل تحدٍّ يواجه المؤمن مع هذا التَّعريف هو أنّه تعريفٌ لا يُخبرنا شيئًا البتّة عن الله، جُلَّ ما يُخبرنا به هو أنّ الله فوق الطبيعة وقوانينها، لكنه لا يُخبرنا أيّ شيء عن الله نفسه. ولم يُقَّربنا قيد أُنملة إلى فهم هذه الفكرة...

المشكلة الثانية هي عبارة "فوق الطبيعة"... فما المقصود بكائن لا تحدّه الطبيعة ولا تسري عليه قوانين الوجود؟ وكيف يمكن إدراكُ موجودٍ لا تنطبق عليه صفات الوجود؟

أنْ يوجد "الشيء" أو "الكيان" فهذا يعني أنْ يكون شيئًا محدّدًا. كلُّ شيءٍ في الوجود يمتلك صفات وخواص محدّدة، صفات الشيء تحدّد كينونته نفسها وتُعرِّف هويّته.
وإن شِئنا أنْ نشرح هذه البديهية بطريقة فلسفيّة فسنقول: أن يكون "الشيء" هو أن يكون هو نفسه لا غيره (أي أن /س/ هي /س/ وليست /ص/ ولا يجوز أن تكون كذلك).

خواص "الشيء" أو "الكيان" تُحدِّد ما يَقدر وما لا يقدر على فعله ففكرة "الشّجرة" تحمل معها صفات تحدِّد طبيعة وهويّة الشّجرة، ودون هذا التّحديد لا يعود لكلمة "شجرة" أي معنى وتصبح مجرّد تجميع عشوائي للحروف تمامًا مثل كلمة "نيحثظ".
صفات "الكيان" أو "الشيء" تخبرنا ميزاته وعيوبه ونواقصه، وما يَقدر على فعله وما يَعجز عنه، هذا أمر أساسي في بناء الوجود.

الصِّفات، وبقدر ما تَحدّد ماهيّة الشيء فهي تحدِّد ما هو ليس عليه أيضًا... فعندما نقول أن "لون اللوح أبيض" فنحن حدّدنا أنه أبيض اللون وفي نفس الوقت ليس أسودًا أو أحمرًا أو أي لون آخر، وفكرة "الإنسان" تحمل معها تحديداتٍ عدّة: (لا يقدر أن يطير، لا يملك ذيلًا، لا يقدر أنْ يتنفّس تحت الماء، وهكذا دواليك)... الصفات والخواص ترسم هويّة "الشيء" وتضع له حدودًا واضحة.

هذا هو جوهر الوجود الطبيعي، الوجود الّذي يريد المؤمن أنْ يجعل إلهه "فوقه" أو "خارجه"، الوجود الوحيد الّذي نعرفه والذي يمكن أن نعرفه؛ لأن إدراكنا لوجود الشيء يستلزم امتلاك الشيء لصفات وخواص محدّدة.

لا مفرّ مِنْ أنْ يكون الإله مستثنًى من شرط الصِّفات الّتي تحدّد هويته، فأي إسباغ لصفة ما على الإله يعني "الهبوط به" إلى الوجود الطبيعي، وجودنا الّذي نعرفه وندركه، وهذا التحديد يكفي لنزع صفة الألوهية من ذلك الكيان، الخيار الوحيد المتبقّي هو تَصوُّر "كيان" دون هويّة محدّدة، كيان دون خواص أو صفات، كيان أَطلَق عليه المؤمن وصف "إله".

لكن "كيان" مثل هذا يُخالف مبدأ الوُجود الّذي يَستلزم امتلاك "الكيان" لصفات وخواص وهويّة واضحة ومحدّدة.

المصطلح البسيط الّذي بدأنا معه إذًا يقود إلى تناقض أساسي وجوهري في فكرة الإله المزعوم ذاتها... فِلكي يكون "الكيان" موجودًا لا بُدَّ أنْ يكون محدّدًا، ذو صفات وميزات وخواص تُشكِّل هويّته وكينونته... وبنزع كل هذه عن الإله لا يعود موجودًا، أمّا إسباغها عليه فيعني تحديده بصفات وخواص وهو غير محدود أساسًا حسب فكرة الإله نفسها!.

كيف يردّ المؤمن على هذا؟ سيقول: "أَلَم أقُل لكَ أنَّ الله عصيٌّ على الفهم؟ كل السَّفسَطة الآنفة لَمْ تُثبِتْ سِوى هذه الحقيقة البسيطة"... أي أنَّ المؤمن وعلى فرض اقتناعه بشكلٍ أعمى بما أسلَف فإنَّه سيُدرِكُ دليلًا جديدًا على غموضَ ذلك الإله، بل إنَّه سيَجِد تناقضًا داخليًّا في فكرة الإله نفسها، "تَنَاقُضٌ في وجود كيانٍ فوق الطبيعة كالله".

تحيّاتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت