الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 1

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 4 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


دخل المغرب إلى المرحلة الثانية من انتشار فيروس كوفيد وذلك بعد مرور ثمانية عشر يوما على بداية الحجري الصحي الإجباري. ارتفع عدد المرضى من أول مهاجر مغربي جاء من إيطاليا ، والذي تعافى، إلى الآن، ليصل إلى العدد الحالي الذي هو أربعة وثمانون ومئة مصاب، وصلت الوفيات إلى تسعين شخصا، أما عدد المتعافين فهو ثلاثة وتسعون. مند بداية الإعلان عن هذا الوباء وانتشاره عبر العالم تدرج استيعاب المغاربة للوباء عبر فترات عدة، ذلك بالتفاعل مع كل الأحداث التي يعيشونها في محيطهم، كان استيعاب المغاربة لخطر الوباء تصاعدي ومر بعدة محطات، يمكن وصفها كالتالي؛ الأولى نوع من الاستخفاف بالمرض بعروض بلاغية حول قوة المغاربة الجسدية وقدرتهم على مقاومته، شاعت نكت كثيرة للسخرية من الفيروس وروجت على صفحات التواصل الاجتماعي . خلال هاته الفترة أيضا ساد القول على استعداد المغرب لمواجهته، لم يكن هذا الخطاب خاصا بعامة الشعب أو مجموعة من الأفراد، بل كان خطابا رسميا وموضوعا لتصريحات الكثير من المسؤولين، وعلى رأسهم سياسيون في مراكز القرار في الحكومة المغربية. إن التصريحات الأولية لرئيس الحكومة ومدير الأوبئة ووزير الصحة، وكلهم ينتمون لقطاع الصحة، ولهم تكوين في مجال الطب، كان فيهم نوعا من الاستخفاف وغياب المهنية، شبهوا هذا الوباء بمرض الزكام الموسمي، مؤكدين أنه لا يمثل ولا يحمل خطرا قاتلا في حد ذاته. هذه التصريحات خلقت نوعا من الأريحية عند الكثيرين من المغاربة وخصوصا الطبقات الشعبية. لقد ساهم هذا الأمر في تأخر المغاربة في استيعاب الخطاب الذي تغير من بعد والذي يندر بالخطر، ويطالب المغاربة بالاحتماء من المرض والقبوع في منازلهم و عدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى .دعم هذا الخطاب مجموعة من التصريحات والخطابات لدعاة دينيين خرجوا للقول "بنبوءات" تفيد بأن هذا الوباء لعنة وانتقام من الله من البشر بسبب كفر وجحود الكثير منهم لأوامره وتعاليمه وعلى رأسهم الغرب الكافر. أكدوا هؤلاء أيضا أن الله سيحمي المسلمين معتمدين على تأويلات دينية وغيبية، بالدعاء والابتهال. إن هاته الفترة التي اتسمت بتصرفات غير عقلانية تعلن في العمق عن نوع من رفض الخبر حتى لا يصبح واقعا معاشا، إن تكذيب الخبر أو التشكيك فيه يعبر عن صدمة فكرية وعاطفية للإنسان ويدفعه إلى رغبة الاحتماء من الخطر ولو بالرد اللاعقلاني . هكذا دخل المجتمع المغربي في مبارزة كلامية مع الفيروس لتجاوز أو التقليل من مخاوفه، إن التنكيت الذي عم وسائل التواصل الاجتماعي كان تعبيرا عن عصبية تجتاح دواخل الأفراد، كما أن مشاركة الآخرين في الضحك، هو كذلك تعبير عن خوف أو إحساس بالقلق، لذلك يبحث الفرد عن التماهي مع الآخرين في نفس الإحساس . يعبر هذا التفاعل الأولي بعدم قدرة الكثير من المغاربة عن التعبير عن خوفهم، في هاته المرحلة تم نكران الخوف الذي شعر به مجمل المجتمع المغربي.
بدأ المغاربة يستشعرون خطورة الأمر بعد تدخل ملك البلاد للإخبار عن تكوين صندوق للدعم يخص فيروس الكوفيد19 يقدر بعشرة مليارات من الدرهم، وبدأ التصريح مباشرة بالمشاركة لكثير من أغنياء المغرب في دعم هذا الصندوق بمبالغ مهمة. نعتبر أن الاجتماعات التي قام بها الملك والقرارات التي اتخذها هي بداية الفترة الثانية من المرحلة الأولى لظهور الفيروس في تدبير المغاربة لجائحة الكورونا. أول ملاحظة بالنسبة لهذه المرحلة هو تواري معظم أعضاء الحكومة والأحزاب والفاعلين السياسيين ، أرجئوا إلى خلف الستار ليصبح في المركز الأول الأطباء ورجال السلطة وعناصر من الجيش لتدبير هاته الجائحة على المستوى الصحي والاجتماعي والأمني، عمل رجال السلطة على إلزام الناس داخل بيوتهم حرصا على صحة المجتمع، في حين ظلت عناصر الجيش في الخلف ولكنها قامت بجولات في كثير من المناطق في مدينة الدار البيضاء وخصوصا في بعض الأحياء التي يصعب التحكم فيها والتي تعيش كثافة سكانية عالية. في هذه الفترة ظهرت كذلك عدة مبادرات تضامنية، منها ما يأخذ طابعا تضامنيا، وهناك حديث عن بعض مشاركات المجتمع المدني، وإن كانت جد ضئيلة ومبادرات تقليدية للتضامن مثل شراء مواد غذائية لبعض العائلات كما فعلت مجموعة من المنقبات في بعض الأحياء الهشة والتي حسب بعض الرواة كن يقدن سيارات فخمة. إن كان هذا التضامن عند البعض يصب في مفهوم التضامن التقليدي الذي يعتمد السرية أو مفهوم"الستر" فكانت هناك مبادرات تعلن عن أغراض أو اديولوجيات تنوي استعمال الفعل من أجل تحسين الصورة وخلق نوع من الزبونية التي تكون في أغلب الأحيان سياسية أو دينية سياسية، مثل الأفراد الذين أخذوا الصور مع عائلات جد معوزة ونشروها على صفحات التواصل الاجتماعي، عندما نتفحص هذه الصور نلاحظ التمايز في اللباس والوقوف وطريقة تواجد الفرد في تلك اللحظة، إن "المتضامن" يبدو في حالة من الثقة بالنفس والاعتداد بالذات ، يلبس ملابس مغربية تقليدية التي تشكل لباس الوقار في تمثلات المغاربة وتحيل على الرجل الصالح. إلا أن خلفية الصورة تعلن عن رغبة في الإعلان عن شخصه من خلال فعل التضامن. في مقابل هذا الإعلان عن وضعية المتضامن ، نجد وضعية المتضامن معه تعبر عن الذل والهوان، أول ملاحظة وهي عملية التشهير بشخصه وإعلان دونيته بدءا من ملابسه التي تظهر فقره إلى وقوفه المفروض عليه والتي تعلن من خلال قوامه الرفض للفعل، إلا أنه في هذا الإطار، وهو يعي أنه في علاقة مقايضة، يعلن عن عوزه ونيته مقابل المواد الأولية للتغذية والتي هي بخسة الثمن. بيد أن التضامن الذي من الممكن اعتباره فعلا جديدا في إطار الفعل التضامني في المغرب ، هو تكوين مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حديث لمساعدة الأشخاص المعنيين بالأمر، هاته الفئة تتكون من عناصر شابة " تبدو أنها" تنتمي إلى الطبقات المتوسطة ، يغلب عليها رغبة الاندماج في الفعل الآني لمواجهة الجائحة، أهم الوسائل التي اعتمدتها هذه الفئات هي تنظيم العمل والمساعدة الاجتماعية، خاصية هاته المجموعات الجديدة وإن كانت تحتفظ في فعلها التضامني بمفهوم الأجر فهو ينزاح إلى المحتوى الثقافي التقليدي للمجتمع أكثر من المفهوم الإسلاموي الذي يجعل من كل مساعدة، فعلا خيريا أكثر من نيل أجر إلهي. من هنا يمكن الحديث عن بوادر ظهور فعل تضامني إنساني أكثر من فعل تضامني خيري.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه