الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في التاريخ (2)

رواء محمود حسين

2020 / 4 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وبدأت أغوص تدريجياً في أعماق التاريخ، وأطلع على القصص والحكايات التي سطرتها ميثولوجيا الزمن الماضي. وكان من ذلك قصة سنفرو والحكماء.
كان سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة التي حكمت مصر القديمة من أهم الشخصيات التي كثرت حولها القصص، ومن ذلك أنه استدعى كبير الكهنة المرتلين في عهده، وكان يدعى جاجا معنخ، وسأله عن طريقة يرفه بها عن نفسه. فأشار عليه أن يلتمس ذلك في المزارع والماء والوجه الحسن، وبأن يأخذ قاربًا ويصطحب معه عددًا من العذراوات، ويطلق العنان لبصره في النيل، وما يحويه على جانبيه من خضرة وخير كبير. وعمل سنفرو بنصيحته واصطحب معه في قاربه الكبير عشرين عذراء، وطلب منهن التجذيف والغناء، فجلسن على جانبي القارب وجذفت كل منهن بمجذاف من الأبنوس المرصع بالذهب، وانطلقن في التغريد والتجذيف، وكان كل منهن تحلي جبهتها بإكليل تزينه حلية على هيئة سمكة، وفيما كانت رئيستهن ترسل شعرها على وجهها فأزاحته بيدها سقطت حليتها في الماء فسكتت عن الغناء وسكتت بعدها الباقيات، ولما سألها الملك عن سبب سكوتها، قصت عليه أمرها فوعدها بأن يعوضها عن حليتها بما هو خير منها ولكنها أبت إلا حليتها، فأسقط في يد سنفرو، واستدعى كبير الكهنة المرتلين، وقال له جاجا معنخ يا أخي، حدث كذا وكذا، فاستجاب الكاهن لطلب مولاه، واستعان بسحره فحصر ماء النهر على جانب واستخرج الحلية وأرجعها إلى صاحبتها (عبد العزيز صالح: "الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق"، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 2012م، ص 503- 504).
وهناك قصة ثانية ترمز إلى ما رمزت إليه القصة الأولى من تواضع سنفرو وحبه مجالسة العلماء، وورد في هذه القصة أن سنفرو "الملك الفاضل" أمر حامل أختامه أن يستدعي إليه أعضاء بلاطه ذات صباح وطلب إليهم أن يشيروا عليه بولد حكيم أو أخ ماهر أو صديق أدى أعمالًا باهرة حتى يحدثه بمواعظ قصيرة أو حديث لطيف يفرح بسماعه. فانحنى الرجال في حضرته وأشاروا عليه بكاهن مرتل من تل بسطة يدعى "نفررحو" أي زين الرجال، وصفوه له بأنه مواطن كبير الباع، وقوي الإرادة، ويكتب كثيراً بالأصابع، وهو صاحب مقام يزيد ثراؤه عن ثراء أقرانه. فأمرهم بأن يستدعوه إليه، وعندما وفد الحكيم على سنفرو سجد أمامه، فقاله له الفرعون: "إلى نفررحو يا صديقي وحدثني بمواعظ مختصرة سديدة أو أحاديث طريفة أستمتع بسماعها". وسأله نفررحو "أونفرتي" "هل مما حدث أو مما سيحدث، مولاي؟ " فقال له سنفرو "بل ما سوف يحدث فإن ما حدث تم وانقضى" وعندما تهيأ نفررحو للرواية مد الملك يده إلى صندوق أدوات الكتابة وسحب منه لفافة من البردي ولوحة وتهيأ للكتابة، في جلال الحكام وتواضع العلماء، وسجل ما استغله أنصار أمنمحات مؤسس الأسرة الثانية عشرة فيها بعد للدعاية لعهده (عبد العزيز صالح: "الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق"، ص 504 – 505).
ومن قصص المغامرات قصة من القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد روت أهوال البحر، وهي قصة "نجاة الملاح". روت هذه القصة أن أحد رجالات البلاد كان في طريق عودته بطريق النيل من مهمة كلفه بها الفرعون فيما وراء أرض واوات، بأقاصي النوبة، ولكن لم يكتب له النجاح فيها، ولما اقتربت سفينته من العاصمة جاءه أحد خاصته من الملاحين يهنئه بسلامة العودة دون خسائر في أرواح ملاحيه، ويصف له فرح رجاله ومعانقة بعضهم لبعض، ولكن الرجل كان في وادٍ آخر، وظل مهمومًا يتخوف من عواقب الفشل، فانبرى الملاح يحاول أن يفرج عنه ويبعث الأمل في نفسه، ويهون عليه، وقص عليه قصة فيها شدائد كبيرة يظن من يستمع إليها أنه لا نجاة لأحد من الشدائد فيها، ولكنه نجا وسلم ثم وعاد إلى وطنه واستمتع باجتماع شمله بأهل بيته (عبد العزيز صالح: "الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق"، ص 505).
وروى له في قصته أنه خرج بسفينة كبيرة بلغ طولها مائة وعشرين ذراعًا وبلغ عرضها أربعون ذراعًا، واستلقها معه مائة وعشرون بحارًا وصفهم له بأنهم كانوا من خيرة ملاحي مصر، وأنهم خبروا السماء والأرض، وكانوا يتنبئون بالريح قبل أن تحدث العاصفة، ولكن حدث لهم ما لم يتوقعوه فقد باغتتهم العاصفة وهاجت أمواج البحر وارتفعت نحو ثمانين أذرع، فغرقت السفينة بمن فيها، ولم ينج منها غير راوي القصة الذي ألقت به الأمواج على جزيرة في أقصى الأخضر الكبير "أي في أقصى البحر الأحمر"، فقضى فيها ثلاثة أيام في غابة لا أنيس له فيه ولا معين. ثم اتخذ طريقه في أرضها فوجد فيها خيرات لا تحصى من الفواكه والأسماك والطيور، فأكل وشرب، ولم ينس أربابه فأشعل نارًا وقدم عليها قربانًا. وإذ هو كذلك سمع دبيبًا قاصفًا يقبل عليه، فغشيه من الخوف ما غشيه، وخاف أشد ما يكون عليه الخائف، ولما تمالك نفسه وجد ثعباناً ضخمًا طوله ثلاثون ذراعًا ويزيد أثر دبيبه على الأرض عن المترين عرضًا، وكان جسده مغطى بالذهب وحاجباه بلون الزبرجد، فانبطح البحار على بطنه خوفاً وإجلالًا، وتوجه الثعبان إليه وسأله عن حاله وعما أتى به إلى جزيرته التي يحيط الموج بها، فاستبد الخوف بالرجل وفقد السمع والقدرة على الكلام. وحمله الثعبان في فمه إلى جحره وترفق به حتى انتهى روعه ثم أعاد عليه سؤاله فقص الرجل عليه قصته بتمامها، وهنا هون الثعبان عليه القضية، وذكره بنعمة ربه الذي قدر له الحياة وأرساه على "جزيرة الروح" ثم بشره بأنه سيعود إلى وطنه، وأن سفينة مصرية سوف تأتي إليه بملاحين يعرفهم، ولكن بعد أربعة أشهر، فيرجع معهم إلى بلده ويموت فيها (عبد العزيز صالح: "الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق"، ص 510).
واستأنس الثعبان بالرجل، وأراد أن يهون عليه الأمر، فقال له: "ما ألذ أن يروي الإنسان ما ذاقه بعد انقضاء محنته"، ثم قص عليه قصته فإذا بمحنته لا تقل عن بلواه، وذكر له أنه عاش مع إخوته وأولاده في الجزيرة، وكانت عدتهم سبعة وثلاثين، عدا طفلة صغيرة رزقها بعد أن ارتجاها ودعا بها، ولكن نجمًا سقط من السماء فاحترقوا بناره، ولم ينج سواه، فكاد يموت حزنًا عليهم بعد أن وجدهم كومة محترقة. ورفض الثعبان أن يعكس حزنه على ضيفه فشجعه وقال له: "إذا تشجعت وشددت قلبك فلسوف تملأ حضنك بأولادك، ولسوف تقبل زوجتك وترى دارك، وأجمل من ذلك كله أنك سوف تبلغ العاصمة التي كانت تعيش فيها بين إخوانك". واشتد احترام الملاح للثعبان، فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه، ونذر على نفسه ليذكرن أمره إلى الفرعون حين يعود إلى وطنه ويعمل على تقديم القرابين والبخور باسمه وإرسال السفن إليه بخيرات بلده. فتبسم الثعبان ضاحكًا من قوله، وأفهمه أنه هو نفسه سيد بلاد بوينة وأن بخورها ملكه. ثم انقضت الأربعة الأشهر، وتحقق وعد الثعبان فأقلبت السفينة وتعرف الملاح على من فيها ونزل إليهم مزودًا بكميات هائلة من البر والتوابل وأنياب العاج والفهود والنسانيس وذيول الزراف والصموغ والبخور، ثم فارق الجزيرة بعد أن علم من سيدها أنها سوف تزول من الوجود ويبتلعها الموج، وعاد الرجل إلى بلده بعد شهرين يملؤوه الأمل بما وعده الثعبان به من سعادته في داره ولقائه لأطفاله ثم وفاته في وطنه (عبد العزيز صالح: "الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق"، ص 511 – 512).
واطلعت أيضاً على ما كتب حول بحر الظلمات انطلاقاً من أشبونة.
فقد ذكر الحميري وهو يتحدث عن أشبونة أنها مدينة من مدن الأندلس من كور باجة المختلطة بها، والمدينة في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر لها سور وقصبة منيعة، والأشبونة على نحر البحر المظلم، وعلى ضفة البحر من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك، فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض. والأشبونة بغربي باجة، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تتكسر أمواجه في سورها واسمها قودية، وسورها رائق البنيان بديع الشأن، وهي مدينة على طريق العساكر، فإن الطريق من باجة إلى الأشبونة يعترض مدينة الأشبونة، وباب أشبونة الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمد من رخام مثبتة على حجارة من رخام، وهو أكبر أبوابها، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة، والحمة على مقربة منه ومن البحر بمائين: ماء حار وماء بارد، فإذا مد البحر واراهما، ولها باب غربي أيضاً يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، وباب شرقي أيضاً يعرف بباب المقبرة (أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري (المتوفى: 900هـ): "الروض المعطار في خبر الأقطار"، المحقق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج، الطبعة: الثانية، 1980 م، ص 61).
ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين ينتهي، ولهم باشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين، وذلك أن ثمانية رجال كلهم أبناء عم اجتمعوا فابتنوا مركباً وادخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول هبوب الريح الشرقية فجروا بها نحواً من أحد عشر يوماً، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج غير طيب الروائح كثير التروش قليل الضوء، فأيقنوا أنهم قد هلكوا، فردوا قلعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية الجنوب اثني عشر يوماً، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل، وهي سارحة لا ناظر لها ولا راعي، فقصدوا الجزيرة ونزلوها، فوجدوا عين ماء جارية عليها شجرة تين بري، فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها، فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب اثني عشر يوماً إلى أن بدت لهم جزيرة فنظروا فيها إلى عمارة وحرث وزرع، فقصدوا إليها ليروا ما فيها فما كان إلا غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق، فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر فأنزلوا بها في دار فرأوا بها رجالاً شقراً زعراً شعورهم سبطة وهم طوال القدود، وكان لنسائهم جمال عجيب، فاعتقلوا في بيت ثلاثة أيام ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم ولم جاءوا وأين تقع بلادهم، فأخبروه بكل خبرهم، فوعدهم خيراً، وأخبرهم أنه ترجمان (الحميري: "الروض المعطار في خبر الأقطار"، ص 61).

فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم احضروا بين يدي الملك فسألهم عما سألهم عنه الترجمان، فأخبروه بما أخبر به الترجمان بالأمس، وأنهم اقتحموا البحر ليروا ما فيه من العجائب وليقفوا على نهايته، فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان: أخبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده يركبون هذا البحر وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا من غير فائدة ترتجى، ثم وعدهم خيراً وصرفوا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية، فعمر بهم زورقاً وعصبت أعينهم وجرى بهم في البحر برهة من الدهر، فقال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جاء بنا إلى البر فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن اشتد النهار وطلعت الشمس، ونحن في ضنك وسوء حال من شدة الكتاف حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بجملتنا، فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة، فحلوا وثاقنا وسألونا فأخبرناهم بخبرنا وكانوا برابر، فقال لنا أحدهم: أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم؟ فقلنا: لا، فقال: مسيرة شهرين، فقال زعيم القوم: وا أسفي، فسمي المكان إلى اليوم اسفي، وهو المرسى الذي في أقصى المغرب (الحِميري: "الروض المعطار في خبر الأقطار"، ص 61).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من