الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في زمن الكورونا (٤)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2020 / 4 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-١-
منذ سنوات والحرب الإعلامية تشن على المواد الأدبية وعلى العلوم الإنسانية. مازلت أذكر أنه خلال أيام الثانوي، كنا نخفي انتماءنا إلى العلوم الإنسانية والآداب حتى لا يقال أننا أدبيون، لأن الانتماء إلى الشعبة الأدبية بمثابة معرة ومسبة، أو تخلف. وكلما دار نقاش بيننا وبين العلميين. كان أحد التلاميذ العلميين يقول لزميله وهو يمزح معه: (لا تناقش الأدبيين المتخلفين الذين لا يعرفون الرياضيات والفيزياء)، والحق يقال: لقد كنا نشعر بالدونية لكوننا أخذنا هذا المنحى والمسار. والسبب لا يعزى إلى هؤلاء التلاميذ العلميين الذين كانوا يزاملوننا في الثانوية، وإنما يعزى إلى التوجه السياسي الطبقي الهادف إلى بتر الشعب الأدبية والإنسانيات. لأنها شعب تخاطب الذاكرة والروح والوجدان والوعي والعقل.. بينما الشعب العلمية شعب تخاطب جسدا/ آلة بدون وعي وروح، ألم يقل عالم الانتروبولوجيا الجزائري محمد أركون: أن أزمة شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط أزمة روحية وفكرية وثقافية ؟ مازلت أذكر زميلة لي في أحد الأقسام الثانوية طرحت سؤالا على أستاذ التاريخ: (فيما يفيدنا تعلم أحداثا تاريخية ولت ولا صلة لنا بهؤلاء الناس الذين كانوا يعيشون في الماضي؟) أجابها أستاذ التاريخ بحكمة عميقة: (إن الأمة التي ليس لها ماضي لها لا حاضر لها)، و في درس الفلسفة استنتجت حكمة هذا الأستاذ من خلال قولة ترجع إلى الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون: (إن الذاكرة وعي)، ولقد ترسخت هذه القولة في ذهني أكثر لما طلب منا أحد أساتذة الإسلاميات أن ننجز بحثا حول مراجع تتعلق بالتاريخ المغربي المعاصر، وهنا عرفت قيمة الإنسانيات والشعب الأدبية. وحتى أكون منصفا. لقد كنا نحن الأدبيون نعاني من فقر كبير في العلوم، لا نعرف شيئا عن الفتوحات الفيزيائية والفتوحات الرياضية (الجاذبية، النسبية، أزمة اليقين، نظرية التطور)، وهو المشكل نفسه الذي كان يعاني منه زملاؤنا العلميون. إذ لا يدرسون الابستمولوجيا، ناهيك عن غياب المختبرات والأبحاث التجريبية، وجل ما يدرسونه يبقى نظريا. وهذا ما جعلهم منهم علميين بالاسم. فالكثير منهم كان يعاني من عوائق ابستمولوجية بالمعنى الباشلاري ويستحوذ عليهم التفكير الغيبي - الميتافزيقي. ولذلك فمن أجل نهضة ثقافية لا بديل إلا من خلال تكامل الشعب فيما بينها، وذلك بإعادة النظر في وضعية المدرسة العمومية. ألسنا الآن وفي عز أزمة الكورونا في حاجة إلى متخصصين في العلوم الإنسانية؟ ألسنا بحاجة إليهم في ظل الأزمة الروحية والنفسية التي يجتازها العالم؟
-٢-
حينما يتم التطاول على رجل السلطة وتعنيفه لسبب بسيط هو أنه يريد إقناع الناس بالمكوث في البيت خشية الجائحة، فأقول أنه ينبغي الحذر من الليفياتان/ الوحش ثم الحذر منه. الليفياتان يا أحبتي لم يأت من السماء، بل ينغرس في عمق المجتمع، إنه يكبر ويتعملق ويصير بهيميا متغطرسا ضاريا كلما كبر الجهل المقدس في أوساط الناس بحكم الكثافة التتفيهية المسلطة عبر قنوات التنشئة الاجتماعية . البارحة كان يتم تعنيف رمز من رموز الأمة المغربية، ويتعلق الأمر بالأستاذ، والذي لا يمكن للأمة أن تنهض بدونه، وبدون تحسين شروطه المادية والمعنوية، إذ كان يتم تسخير إعلام الدهماء للهجوم عليه وتبخيسه رمزيا، واليوم هذه الحملة الشعواء تطال رجال السلطة الأشاوس الذين يوجدون في المقدمة للتصدي لهذا الوباء الكاسح. والحق يقال: إننا نزرع ما حصدناه، لقد كنا نعتقد أن التفاهة قد تروض الناس، والحال أن الوعي والعقل والتربية العلمية والأخلاقية السليمة تشكل لبنات أساسية لا غنى عنها لنهضة الأمة المغربية. إن التفاهة لا تخاطب إلا ما هو غريزي وما عزيز على الناس، ومن الصعب أن يقتنعوا بخطاب العقل في هذه الفترة الحساسة، لأننا لم نجعل من المنجرة/ العروي/ بوجيبار/ وغيرهم نماذج يقتدى بها داخل قنوات التنشئة الاجتماعية، ولن يحترموا لا الطبيب ولا الأستاذ ولا رجل السلطة، ولا حتى النظام والانتظام حينما يدخلون إلى المستشفى وملعب كرة القدم، ولا حتى نظافة الفضاء العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية