الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس الفلسي عن بعد حضور فضائي باهت لواقع منتظر.

الحسين المحجوبي

2020 / 4 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في إطار تتبع الدروس الفلسفية التي تعرض في القنوات التلفزية استوقفتني الكثير من الملاحظات، ودارت في خلدي أسئلة متعددة، هذه الملاحظات منبعها القناعة التي لا يختلف عنها جل المهتمين بالدرس الفلسفي، والمتمثلة في كون الدرس الفلسفي هو درس في النقاش والحوار والتفاعل والتساؤل حول مختلف القضايا التي ترتبط بالإنسان، كالحق، السلطة، العدالة، الحرية، الشغل، الدولة، الحقيقة، المساواة، الديمقراطية...إلخ.
صحيح أننا كلنا نتفق على أن التدريس عن بعد هو استجابة لحاجة تعليمية فرضتها ظروف خاصة، هذه قضية لا يتناطح عليها كبشان، ولا تقبل الجدال، لكن ما يقبل النقاش هو التناقضات التي أفرزتها هذه الظروف، والتي كشفت عن فراغ الخطابات الرسمية، والهوة التي لا تردم بين التنظير والممارسة، وحسبنا هنا أن ندعو القارئ الكريم إلى العودة للدعامة العاشرة في الرؤية الاستراتيجية المعنونة ب" استعمال التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل" وأن يتوقف عند المواد، 119 120 121، ليتأكد من صحة ما ندعيه. على أية حال، أنا لست مع أو ضد التدريس عن بعد، فكما يقول " سارتر": " الحياد نوع من أنواع الالتزام"، لكن ما أثار انتباهي هي الطريقة التي يقدم بها الدرس الفلسفي عن بعد، والتي تساءل القيمين عليه في بلادنا عما إذا كانوا مقتنعين بذلك أم لا، وأنا أتساءل، كيف يمكنهم أن يفسروا لنا جميعا كأساتذة ومهتمين ومتعلمين(ت)، تأطيرا إشكاليا لمجزوءة ومفهوم في أقل من خمسة عشرة دقيقة؟ وعيا منا أن الدرس الفلسفي كما سبقت الإشارة إلى ذلك هو درس في الحوار والنقاش والتفاعل، والذي يلتفت إلى تاريخ الفلسفة سيتضح له هذا الأمر جيدا، فالفلسفة عندما ولدت أول الأمر، ولدت في الشارع، عندما كان "سقراط" يقوم بإلقاء الدروس ومناقشتها في الفضاءات والساحات العمومية. لماذا "سقراط"؟ لأنه يبقى رمزا متجددا وتعبيرا خالدا عن روح التفلسف، وهذا الأمر ليس غريبا على المهتمين بالفكر الفلسفي. وعليه، إذا سلمنا أن الدرس الفلسفي، هو درس في الحوار والنقاش، فهذا معناه أنه لا يمكن فصله عن لحظتين هامتين، لحظة النص الفلسفي، ثم لحظة استخدامه والتفكير فيه، وهذه خطوة أساسية ممهدة لكل تفلسف. وهو ما يغيب جملة وتفصيلا في الدرس الفلسفي عن بعد.
فمثلا، عندما أضع بين يدي المتعلمين نصا فلسفيا لـــ"سارتر" يتحدث فيه عن الحرية الإنسانية، باعتبارها حرية مطلقة يتمتع بها الإنسان، تفرض عليه أن يختار ماهيته بمحض إرادته...إلخ، فهذه لحظة مهمة للمتعلم، لممارسة التفلسف، أي التفكير الذاتي، والتساؤل عما إذا كان الإنسان بالفعل كائن حر، أم، أن وضعه الاجتماعي والاقتصادي ينبأ بالكثير من الإكراهات والمعيقات التي تحول دون تملكه لتلك الحرية؟
إذن، لحظة النص في اعتقادنا والتفكير فيه، لحظة مهمة في مسار الدرس الفلسفي، لأنه كما تؤكد على ذلك التوجيهات التربوية، "يضع أمام التلميذ(ة) إمكانية تعلم وممارسة التفكير المستقل عبر السؤال والمساءلة والتحليل والنقد قبل القبول والإقرار(...)، وتعلم التحرر من السذاجة الفكرية والانعتاق من سلبية التلقي الذي تضعه فيها وسائل الإعلام خاصة منها البصرية التي تعتمد على الصورة". وهنا أتساءل، هل الدرس الفلسفي عن بعد يعطي فرصة للمتعلمين (ت) للتفكير والتأمل في القضايا التي تعرض عليهم؟ هل يساعدهم فعلا على إبداع الأسئلة وتوليد المفارقات؟ وهل الطريقة التي يعرض بها تنمي لديهم الحس النقدي والإشكالي؟
أعتقد في رأيي الشخصي أن الدرس الفلسفي يجب تحريره من العشوائية والتلقائية، فإذا كانت الممارسة الفلسفية الفصلية تواجه العديد من المعيقات والاكراهات التي تحول كما يقول الأستاذ "ع السلام بنعبد العالي"، دون ممارسة الفلسفة تفكيرا وتدريسا، فما الذي نقوله على ما يعرض من دروس فلسفية على الشاشات الفضائية التلفزية؟ شاشات ألفها المتعلم للتنفيس والترويح على النفس، من خلال ما يعرض عليها من أفلام ومسلسلات وبرامج وسهرات ليلية، أو بعبارة أدق، ألف الاهتمام بما هو سطحي وتافه، ونحن نعرف أن المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع يتميز باحتقاره للمعارف العميقة وتسطيحها، سلاحه الوحيد هو الشاشات الفضائية وتوجيه ما يعرض عليها. وهنا تكمن المفارقة، كيف يمكن أن نقنع متعلما ألف الشاشة لتتبع ما هو سطحي وتافه، أن يتتبع ما هو فكري وعميق عليها؟
إن غايتنا من فتح هذا النقاش ليست هي الدفاع عن الفلسفة كي تحيى وتستمر، أبدا، لأننا مقتنعون أن شروط حياتها تخلقها بنفسها، وأن مقاومتها للواقع تنبع من طبيعتها. فهي تصر على أن أفكار الناس وأفعالهم وغاياتهم لا يصح أن تكون وليدة الضرورة العمياء، وهنا لست في حاجة لأن أذكر القارئ الكريم بالقمع السياسي الذي تعرضت له والتضييق الممنهج الذي طالها في حقبة حالكة الظلمة من تاريخ المغرب الحديث، تحت ذريعة كونها أصبحت معملا لتفريخ الماركسيين والمشاغبين. بل غايتنا هي أن نثير الاهتمام إلى قضية أساسية تتمثل في، الخوف والقلق الذي ينتابنا من الطريقة التي تقدم بها الدروس عن بعد والتي أخشى أن تصبح واقعا مفروضا ينتظرنا، فاليوم تقدم تحت مبررات شتى، ظروف جائحة كرونا، مصلحة المتعلمين، الاستمرارية البيداغوجية...إلخ، هذا أمر لا نختلف فيه وانخرطنا فيها بكل تلقائية وعفوية، وكل واحد منا ساهم من موقعه وبوسائله الخاصة المتاحة له، لكن ما نخشاه هو أن يصبح ما هو افتراضي اليوم أمرا واقعيا غدا.
إننا إذن، أمام واقع يتطلب منا الشجاعة الفكرية للتعبير عن مواقفنا، فالإنسان كما يقول "نيتشه": " ليس قدره هو أن يتحول إلى عود ثقاب يلزم حكها كي تولد شرارات وأفكارا"، والتعبير عن المواقف لا يعني الصراخ أو الضجيج أو الاندفاع وراء الرغبة في الهدم والتهكم، أو البحث عن الزعامة الكاذبة، بل يعني الشك وإعادة النظر في كل ما يعرض علينا والتفكير فيه وممارسة النقد عليه. يقول "الإمام الغزالي": " من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال".
خلاصة القول، المرحلة التي نحياها الآن هي مرحلة تعج بالمتناقضات، وتدعونا إلى أن نستفيد ونستوعب الدرس جيدا، كما تفرض علينا ضرورة التوافق حو عقد اجتماعي جديد حول التعليم، عقد يضمن المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع، فالتعليم ليس مجالا للتجارب وتحديثه يتطلب منا أن نبني ثقافتنا على ما هو جديد لمواكبة ما هو جديد، فالتعليم إذا صلح، صلحت سائر الحقول من حوله، من صحة واقتصاد وسياسة واجتماع...إلخ، إنه قاطرة للخروج من شرنقة الجهل والتخلف وأساس تقدم كل مجتمع يريد أن ينهض من مكبوته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة