الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غبار التضليل بشأن هوية بلاد النهرين

عبد الجبار خضير عباس

2020 / 4 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثمة بعض الأشخاص في الوسط الثقافي يساهم بشكل وآخر بتضليل الجمهور عن طريق إطلاق التصريحات المغلوطة عن الهوية العراقية والتي تعبر عن فقر فكري ومعرفي وتاريخي أو خبث بشأن الهوية العراقية، والانتماء للعمق الحضاري لبلاد النهرين.
الأمر الذي دفعني لكتابة هذه المقالة هو نشر أحدهم هذه الأيام فقال: "لست مختصا بالتاريخ لكني أقول الغريب إن أهل البلاد الأصليين يتحولون إلى أقلية ونحن الذين نشكل الأكثرية معظمنا نزح أجدادهم من الجزيرة العربية وإيران وتركيا والهند و... تحياتي ومحبتي الشعب الآشوري..."، وعلى الرغم من قراءتنا العديد من المرات تعليقات لبعض البسطاء التي تشير إلى أن الهجرة من الجزيرة، كانت قد أزاحت سكان العراق الأصليين، لكن هذه التعليقات لم تستفزني، لأني أغفر لهم جهلهم بسبب تأثرهم بخطاب الأحزاب الإسلامية التي لا تولي الاهتمام بالمواطنة بقدر اهتمامها تطبيق الشريعة بحسب ما تدعي أو التأثر بالأحزاب القومية العروبية التي حولت العراق إلى (قُطر) حاله حال جيبوتي وازاحت أكثر من ستة آلاف سنة حضارية! ومنذ 1400 عام اجترحوا لنا ذاكرة يثربية حلت بدلاً عن العراقية، وغُيبت حضارة بلاد النهرين بوصفها وثنية كافرة، المصيبة أن العراقيين في الغالب لا يفقهون شيئاً عن تاريخهم القديم الذي يشكل أقدم حضارة في العالم. حالة فُرضت أيام (الفتح) أو الغزو الداعشي الأول، إذ إنهم قتلوا من العراقيين مئات الآلاف وسبوا نساءهم، واستحوذوا على أموالهم وأراضيهم، وقسموا موارد العراق وممتلكاته بينهم، فوزعوا الأراضي وما عليها من دواب وبشر ووسموا 600 ألف فلاح عراقي في غالبيتهم من المسيحيين...وفرضوا على الذمي ألا يركب على حصان ولا ترتدي امرأته رداءً سوى المخصص لها وهو من النوع الرديء، وأن يجلس المسيحي خارج مجالسهم ولا يدفن بالقرب من مقابر المسلمين، ولا يستطيع المسيحي أن يزوج ابنته إلا بعد إخبار المولى، وفُرضت ضريبة قاسية عليه إن بقى على دينه، دون ذلك في وثيقة مذلة سميت بالوثيقة العمرية، الأمر الذي جعل قسماً منهم يتحول إلى الإسلام للتخلص من هذا الذل، والقسم الآخر هرب إلى أعالي الجبال في شمال العراق، ومن تبقى وأبى أن يتخلى عن دينه، ظل يعيش حياة صعبة في ظل هذه الشروط القاسية واللاإنسانية، فهو مثقل بالضرائب ...وتحول الموالي الذين أسلموا بالتدريج إلى قبيلة المولى بعد أن تخلوا عن ديانتهم وقوميتهم في آن، فمثلاً إذا كان المولى تميمي صاروا من قبيلة تميم ...ويلاحظ الباحثون والكبار من أهالي ميسان (العمارة) أنه كانت عشائر لما يقارب من المئة عام من الصابئة تحولوا إلى الإسلام فضلاً عن فقرات الوثيقة كان الناس يطلقون عليهم لفظة (...) حتى يبعدوا الناس عنهم وعزلهم. وكان انتشار الصابئة المندائيون يمتد من العمارة الى المحمرة.
نرجع لموضوع غاية في التدليس والتجهيل والتغييب...إذ حاول الأمويون والعباسيون طمس تاريخ العراق القديم وفرض ذاكرة رملية.... اقتطع تنصيص من كتابنا (تحريم الغناء ..إباحة النص والهيمنة الفقهية) "فخضعنا لتفسيرات وقناعات ومهيمنات فقهية... حلّت بدلاً عن القراءة الطينية، وألواح سومر، ورقم بابل، ومكتبة آشور، ومدونات ميشان، وإشنونا، ومملكة الحيرة... وعلى مدى مئات السنين، زعزعت ارتكاز الفرد في بناه الاجتماعية، حتى تحول إلى طرف أو هامش بعد أن اجترحوا له ذاكرة رملية، بدلاً عن ذاكرته التي ظلت تنزاح عن نقطة ارتكازها حتى الآن.
فما يُسمّى (الفتح) لوادي النهرين، أحدث زلزالاً في نسيجه الاثني، والعرقي، والديني، واللغوي، والثقافي.... حتى إن دهاقنة الظلام باتوا يحددون لنا مسار وعينا، وفرضوا علينا ثقافتهم وقناعاتهم قسراً، فحبسوا وعينا الحضاري في تجاويف عتمة أفكارهم، فالرضا عن سلوكنا خاضع لمعايير فقهاء يستمدون ثقافتهم من يثرب في اللحظة الراهنة على الرغم من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وتمظهرات العصر.
أليس من العار أن نخضع لمقاسات مخلوقات تعيش على الحافات السائبة من تاريخ التحضر"؟
حتى رسخوا ثقافة أن العراقيين من سومريين وبابليين وآشوريين ومندائيين وإزيديين وغيرهم قد اختفوا من العراق وحل محلهم عرب الجزيرة. هذه المغالطة الكافرة لا تحتاج لذكاء شديد لمعرفة زيفها ومع ذلك نقول من دخل العراق من الغزاة ما يسمى (الفتح) 50 ألف وذهب منهم إلى بلاد فارس ودول آسيا الوسطى والصين... وكان يقدر سكان الجزيرة كلها بقضها وقضيضها مليون ونصف نسمة في حين أقل التقديرات تقدر سكان العراق بأكثر من ثمانية ملايين! السؤال هل الـ (50) ألف كانوا ينجبون وبقية العراقيين من الخصيان! عموماً من كان يأتي يذوب في مصهر الأمة العراقية بجميع مكوناتها...ومن جاء من قبائل جزرية قليلة ومعروفة عشائرياً...والقبائل العربية في العراق قبل الإسلام منتشرة في العراق وخاصة في غرب الفرات، وهناك مملكة الحيرة وريثة الحضارة البابلية، وملكها النعمان بن المنذر كان يلقب بسيد العرب ويذهب ممثل مكة إلى الحيرة ليدفع الجزية حتى قال عمر بن الخطاب العراق جمجمة العرب...لكن تاريخ النعمان دفن في دهاليز المسكوت عنه. وحتى الآن النعمان بن المنذر محبوس بزوايا العتمة في الذاكرة الجماعية، ما نريد قوله إن سكان العراق الحاليين هم سكانه الأصليون في غالبيتهم الساحقة، ولتأكيد ذلك علمياً نورد ما قاله البروفيسور الروسي في كتابه "يقول البروفيسور الروسي انتاولي كلوسوف : إن 81% من سكان جنوب العراق يحملون رمز المجموعة الفردانية j1 الذي يرمز إلى تطور السلالة البشرية وهي ذاتها عند العبرانيين بوصف الجنوب وتحديداً مدينة أور شهدت ولادة النبي إبراهيم أو ابرام ... ومن يعدّ الأمر ميثولوجياً فهذا لا يسقط الحقيقة العلمية، بأن العبرانيين نسختهم الأولي جاءت من أور، أو جنوب العراق وهذا دليل علمي غير خاضع للاجتهاد والتنظير أن أهل الجنوب هم من أصل سومري ورثوا الحضارة العراقية سواءً سومرية أو بابلية أو آشورية... في حين هذه النسبة تشكل 30 - 40 % في المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات وفلسطين.(1) أما قولك بأنك غير مختص بالتاريخ فهذا لا يغفر لك اطلاق قنبلتك الدخانية المضلة التي توضح بشكل فاضح أنك لا تعرف الحد الأدنى من تاريخ العراق في حين العالم المتحضر لا يمر يوم إلا وثمة دراسات عن تاريخ العراق! إذ إن حضارة العراق تدرس في مراحل الدراسة الابتدائية، وأية محاولة بحث عن ملحمة كلكامش باللغة الإنكليزية، ستجد مئات البحوث المستمرة ومن دون توقف عنها. بعد هذا أقول علينا تضمين دراسة تاريخ العراق في المناهج الدراسية من الابتدائية وحتى الجامعة؟! وإلا سنبقى نعاني من خلل بالمواطنة، واستمرار تغول الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، فلو كانت المؤسسات التعليمية في العراق، قد أقرت تاريخ العراق في مناهجها لما عانينا من التوحش الطائفي.
(1)الرابط https://www.youtube.com/watch?v=mMkrOUedNGchgvا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا