الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الدين والعلم 1/ 2

داود السلمان

2020 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يؤكد محمد حسين هيكل، في كتابه (الايمان والمعرفة الفلسفية- فصل الدين والعلم) أن ثمة خصومة بين رجال الدين ورجال العلم، ومتلاصقة منذ زمن، وفي الوقت نفسه هي ليست معيارها الدين، وهذه الخصومة كانت "قديمة؛ لأنها خصومة على الاستئثار بالسلطة وبنظام الحكم، وأما الدين والعلم فلم تكن بينهما خصومة؛ لأن الدين يقرر المثل الأعلى لقواعد الإيمان التي يجب أن يأخذ الناس بها في حياتهم، والعلم يقرر الواقع في حياة الوجود ويترسم تطور الحياة في سبيل سيرها نحو ما يظنه الكمال، والواجب شيء والواقع شيء آخر، والكمال الذي يدعو الدين إليه كمال مقرر القواعد والأركان لا يمكن أن يتغير أو أن يتبدل، والكمال الذي يظن العلم أن الإنسانية تسير نحوه كمال ظني لا يستطيع العلم رسم قواعده؛ لأن العلم يعترف بأن الإنسانية، وهي بعض قليل من الوجود، خاضعة في تطورها لعوامل معروفة وأخرى ثابتة ولكنها ما تزال غير معروفة".
ويبرر هيكل أن هذه الخصومة هي من اجل السلطة، والسعي والوصول الى سدة الحكم، ولا توجد خصومة حقيقة، واضحة المعالم، بشأن الدين والعلم، والسبب هو لطلب المنفعة وبهدف تسنم مناصب عليا في الدولة، فالتشبث بالدين يأتي من باب الذريعة "فإذا سمعت يومًا أن بين الدين والعلم خلافًا أو خصومة فاقطع بادئ الرأي بأن الخلاف والخصومة ليستا بين الدين والعلم، ولكنهما بين رجال الدين ورجال العلم، وأن أساسهما ليس في شيء من الدين لذاته ولا من العلم لذاته، ولكنه في سعي كل من هاتين الطائفتين سعيًا أنانيًّا صرفًا ليكون بيدها الحكم والسلطان دون الأخرى".
وهذا الكلام ليس بدقيق، فالعلماء لم يكونوا في يوم من الايام انانيين، لأنهم افنوا اعمارهم من أجل العلم وخدمة الناس، وما هذا الذي نعيشه اليوم، من تطور في العلوم الانسانية والتكنولوجيا والعمران والحضارة، والتقدم الهائل الذي يشهده العالم الآن، ما هو إلاّ بفضل الجهود التي يبذلها العلماء العاملين، فلولا العلماء لبقيت المجتمعات الى الآن تعيش التخلف، والهمجية والبهيمية التي عاشتها تلك المجتمعات في العصور المظلمة. وأما الرجال الدين فهم من يحول بين العلم والعلماء، لأن الكتب المقدسة لا تنسجم بطبيعتها مع جُل ما جاء به العلم، من تقدم وتجارب وتغيير جذري في الحياة المعاشة اليوم، وهذا التغيير معظمه مناوئ لتعاليم تلك الكتب، فيثار حنق رجال الدين، وهم، بدورهم لم يقدوا أي شيء يذكر للبشرية.
رجال الدين تائهين في افلاك نصوصهم اللاهوتية. من تخلص منها نجا، ومن تمسك بها ضاح في لجة الطريق.
وهيكل يعتبر الخلاف الناشب بين رجال الدين ورجال العلم هو خلاف ليس بذات الخلاف، أنما هو خلاف لمنفعة فحسب، وهذا ليس بصحيح:" وكيف يكون خلاف بين الدين لذاته والعلم لذاته ومن بين رجال الدين علماء في العلم آخذون بأساليبه من غير أن يطعن ذلك في دينهم أو يغير من عقيدتهم، ومن بين رجال العلم من عمرت بالإيمان نفوسهم، وأخذوا في حياتهم بما يدعو الدين إليه من قواعد الكمال. وكيف يكون خلاف بين الدين لذاته والعلم لذاته ومن رجال الدين من إذا خلوت إليه أو خلا إلى نفسه رأيت الشك يملأ جوانب فؤاده فيعذبه أو يدفعه إلى السخر والاستهزاء من غير أن يخرجه ذلك من زمرة رجال الدين، ومن رجال العلم من يشك في طرائق العلم وأساليبه أكبر الشك، ويدعو لذلك إلى الأخذ بأساليب أخرى قد تكون إلى أساليب الدين أقرب".
وهنا، نذكّر هيكل بكوبرنيكوس، صاحب اعظم نظرية في تاريخ المعرفة العلمية والانسانية، إلاّ وهي نظريته التي خالف بها بطليموس ومن قبله ارسطو، ومن لف لفهما، وحتى النصوص الدينية، فالنظرية القديمة كانت ترى أن الارض هي مركز الكون، وأن الشمس تدور حول الارض، وكوبرنيكوس اثبت العكس، وهذه النظرية مخالفة واضحة لما جاءت به الكتب المقدسة، حتى كان هذا العالم الكبير لم يجرؤ على نشرها إلاّ وهو على فراش الموت، خوفا على حياته، وعلى منزلته بين العلماء فضلا عن عامة الناس، ونظريته هذه، هي الآن قائمة ولم يفندها أحد. كذلك ما جاء به من بعده مثل كبلر وجاليلو ونيوتن، وعشرات غيرهم، وكلهم جاؤوا بنظريات تخالف مخالفة واضحة لتعاليم الدين، وقد يكون آخرهم دارون صاحب اكبر نظرية قالت بتطور الانسان، واليوم هذه النظرية تُدرّس في العديد من الجامعات العالمية.
ثم يأت لنا هيكل بنماذج من الفلاسفة والمفكرين الذين خالفوا الدين بنظرياتهم حتى رموا بالزندقة، ويتهم رجال الكنيسة بذلك الاتهام، ويرى أن الدين كان بمنأى عن ذلك: "ألم يكن رينان الكاتب الفرنسي الكبير من رجال الدين، ثم بلغ من خروجه على متعارف قواعد الدين أن رُمي بالإلحاد وأن أضافه أهل طائفته إلى رجال العلم ليحاربوه بالوسائل التي يحاربون بها رجال العلم، وبرجسون الفيلسوف الفرنسي الكبير يدعو إلى عدم التقيد بأساليب العلم الواقعي المقررة أن كان يراها أضيق من أن تتسع لكل الحقائق، وإلى الأخذ بوحي الإلهام فيما لم يصل العلم إلى الكشف عن حقيقته. ووحي الإلهام أقرب إلى الأساليب الدينية، بل هو قاعدة المذاهب الميتافيزيقية التي أنكرها العلم أشد الإنكار".
نقول: ثمة كثير من الفلاسفة والعلماء كانوا يتحاشون الخوض في قضايا عويصة، من نظريات وحقائق علمية، يعلمون أن الخوض فيها يعرضهم للمخاطر والمهالك، وما كانت تهمة الالحاد ببعيدة عنهم وهي تهمة جاهزة، فكثير من النظريات العلمية هي قطعا تخالف تعاليم الدين، فالدين مبني على نصوص جاهزة كتُبت قبل مئات السنين، حيث أكل عليها الدهر وشرب، بينما العلم يسير على الحس والتجربة والبحث الدقيق المستمر في سبيل الوصول الى نتائج علمية ناهضة.العلماء جاؤوا بنظريات باهرة، الم يأت ديفيد هيوم ولوك ولابنتز وسبينوزا وغيرهم بما يخالف الدين حتى لاقوا ما لاقوه، من سجن ونفي واقصاء؟، ما لا يخفى عن الجاهل قبل العالم.
ويستمر هيكل ببحثه هذا، حول موقف رجال الدين من العلماء ليقول: "ويزيدك دلالة على ما تقدم وعلى أن الخلاف ليس بين الدين والعلم، بل هو بين رجال الدين ورجال العلم وأنه خلاف على السلطة ونظام الحكم قبل أن يكون خلافًا على شيء آخر، ما كان من الخلاف بين طوائف رجال الدين أنفسهم حين انقسامهم إلى مذاهب مختلفة. فقد بدأ الخلاف بين أهل هذه المذاهب على أنه خلاف في المبادئ لذاتها، ثم سرعان ما انقلب خلافًا غايته السلطة والحكم، وكلمة هنري الرابع: «باريس تساوي قداسًا»- يقصد أن امتلاك باريس يستحق انتقاله من البروتستاتنية إلى الكثلكة - تدل على معنى كبير. وكل الفرق بين هنري الرابع وغيره أن هنري الرابع كان صريحًا وأن كثيرين يذهبون مذهبه لو أنهم وجدوا ما يساوي ذهابهم هذا المذهب. فإذا لم يجدوه ورأوا في التعصب لرأيهم ما يساوي باريس تعصبوا لهذا الرأي أيما تعصب".
وهيكل، هنا، كأنه لا يفرق بين السياسة من المستأثرين بالسلطة، الرامين الى التسلط والحكم فتزيوا بزي الدين، وما اكثرهم، وكلنا نعلم أن معظم الساسة - مسيحيون واسلاميون- لا يهمهم الدين بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية ووصولهم الى مركز القرار، وهذا هو هدفهم، وصحيح أن رجال الدين كانوا من يحمي الحكم والسلاطين والملوك، ويعتذر عنهم اذا ما اساءوا أو اخطأوا، لأن ثمة مصالح مشتركة تجمعهم، فرجل السياسة يتغاضى احيانا إن حصلت ثمة إساءة للدين، بشرط أنْ لا تتعرض لمصلحته السياسية، أو تهز عرشه السلطوي، لكن رجل الدين لا يداهن ويكون متشددا في احيان كثيرة، وهذا ليس مدحًا لهم.
ثم يعود هيكل ويكرر ما قاله آنفا، كأنه لم يقتنع بالذي قاله سابقا حتى يكرر مرة أخرى، فيقول إنّ:" الخصومة بين رجال الدين ورجال العلم إذن هي خصومة أساسها بعيد عن الدين والعلم جميعًا، وقاعدتها حرص كل طائفة على الاستئثار بالسلطة ونظام الحكم. وكلما تغلبت طائفة من الطائفتين على الأخرى قام منها رجال السياسة وأولياء الأمر في الدولة. ألم يكن ريشليو كبير وزراء فرنسا كاردينالا من أكابر الكرادلة. لكن مجده على التاريخ ليس مجدًا دينيًّا بل هو مجد سياسي؛ لأن رجال الدين كانت لهم الغلبة على رجال العلم في عصره، فآلت إليهم شئون الدولة وقام أذكياؤهم وذوو الدراية والدربة في الشئون العامة منهم بالتقدم إلى مصاف الحكم. لكن هؤلاء كانوا يتبادلون المعاونة مع أهل طائفتهم من رجال الدين. فكانوا يعينونهم على الحياة ومرافقها وييسرون لهم أسباب العيش فيها بما في يدهم من سلطان يسمح لهم بالتحكم في خزانة الدولة. وكانوا يستعينون بما لأهل طائفتهم من رجال الدين من سلطان على المجموع وحكم على عقائده وعلى أعماله".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشمس لا تشرق ولا تغيب
عباس علي ( 2020 / 4 / 16 - 17:54 )
العلاقة هي جدلية بين العلم التجريبي والجزمية الدينية المقدسة منذ أن تمكن العقل ان يصرح بالحقيقة.
فالعلماء الاجلاء الخالدون: كوبرنيكوس وغاليلو غاليلي وشهيد العلم جيوردانو برونو اسسوا للمنهج العلمي الذي يناقض جزمية النص الديني المقدس، فقد اكمل غاليلو ما أسس له كوبرنيكوس وجاهر بأن الشمس ثابتة، والأرض هي التي تدور. فكيف تدور والاية تقول: الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. إشعياء 40: 22
تنويه: مفردة كرة، مضافة لاحقا، دونت أولا دائرة الأرض ثم حورت الى مفردة دائرة الى كرة.
. كما أن هذا الانجاز العلمي أصاب رجال الدين بدوار الأرض التي كانوا يؤمنون انها مثبتة باوتاد لكي لا تميد بهم.
فكيف تكون الشمس ثابتة والاية تنص: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. سورة يس آية 38.
::
وفي تحدي الدين: أن الله يأتي بالشمس من الشرق، فاتِ بها من الغرب.
أن تأتي الشمس من الشرق فهو دليل قطعي على معنى حركة الشمس وثبوت ألأرض ففعل الحركة : الطلوع والغروب هنا يوعز الى الشمس.
ولازلنا نردد دون وعي اشرقت الشمس، وغربت. فالشمس ثابتة، لا تشرق ولا تغيب .


2 - سفسطة محمد حسين هيكل
عباس علي ( 2020 / 4 / 16 - 18:34 )

تحية طيبة أستاذ داود السلمان.
أنا أرى أن ما تناوله محمد حسين هيكل في كتابه هو مجرد سفسطة الغاية منها الخداع والتضليل. لأن الخلاف كان بين ثوابت النهج العلمي الرصين ونصوص ألأيات القدسية الجزمية، اما محاولة الكاتب السفسطائي تأويلها الى خلاف أو أختلاف بين رجال العلم ورجال الدين، لغايات نفعية .. فهذا محض كذب وتشويه لجدلية العلاقة القائمة حتى هذا اليوم بين العلم والدين.
السفسطة هي ديدن الاعلام والصحافة في مصر، وللأسف وبسبب هولاء السفسطائين أصبح يضرب المثل فيقال : هذا كلام مصري .. أي لا يعتد به. أسوة بما يقال هذا فلم هندي (أي فلم هابط).
أليست سفسطة ان يقال:
گــمهورية إيگــپـت ألعععربية Arab Republic of Egypt
كيف تكون إيگــپـت Egypt(قبط) عربية !!
مع ألأعتزاز بالشعب المصري.


3 - الاديان هي من عمل الانسان ولكسب الشهرة والسلطة
مروان سعيد ( 2020 / 4 / 17 - 14:47 )
تحية للاستاذ داود السلمان وتحيتي للجميع
ورحمة الله على اللذين كانوا ضحايا لتخلف الديني وقتلوا وحرقوا بسبب الجهل
الكاتب هيكل هو في دولة دينية ولا يستطيع قول الحقيقة كاملة لاان الازهر الغير شريف له باع طويل في قتل الذين يسميهم مرتدين وهم كثر مثل محمد طه وفرج فودة وشرد كثيرين واخرجهم من ديارهم وطلقهم من نسائهم
الاديان يا استاذ صناعة شيطانية وهي لاتعلم الاخلاق بل تشرع قلة الاخلاق
مثلا تعدد الزوجات ونكاح ملكات اليمين وواهبات انفسهم ونكاح البهائم والسبايا وقتل المخالف واخذ الجزية من المخالف وقطع ايدي الفقراء الذين يسرقون بيضة اما سارق الجمال فهو من اهل السلطة والغزوا
ربنا لم يذكر بعمره للبشر انه يريد دين بل حتى قالها صراحة في اشعيا 1 بانه كره ادياننا وصلاتنا وصيامنا كره تقدماتنا ورؤس اسابيعنا وشهورنا انه يريد رحمة ومغفرة ويريد انصاف اليتيم والارملة ويريد اطعام الجياع والمشردين
وهذا ما تصنعه الدول الاوربية هذا ما يريده الرب
والرهبان في العصور الوسطى صنعوا عكس ارادة الرب نهبوا وجوعوا الشعوب باسم الدين
وحتى قتلوا العلماء باطلا لاانه لايوجد اية واحدة تقول ان الشمس تدور حول الارض
ومودتي

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال