الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبثية الوجود لاتؤدي الى الله ولا ترفضه

وليد عيسى شدود

2020 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تجتاحني في بعض اللحظات ومضات من التفكير في غير أوقات التأمل حول أزليه ومعنى هذه الحياة وغايتها, فبالتمعُّن في حركة الأشياء حولنا وحضور الزمن الذي يَسيْر بها في اتجاهٍ واحدٍ الى الأمام, يحاصرني هنا سؤال يقطع شرودي صارخأ الى أين ؟.
فأنا الأربعيني اليوم أتربع على عرش الأيام وأقود حركتها نيابة عن أبي السبعيني الذي أتذكر جيداً عندما كان في عمري, كان يقود هذه الحركة وهو مفعم بنشاطي وحيويتي هذه, وهو الآن متقاعد يَسير مع ركب الزمن ومتأخراً عن حركتها, وهكذا سيأتي يوم يتربع فيه ولدي مكاني وأنا مكان أبي الآن, وربما يكون قد غادر والدي حينها بعد عمرٍ طويل.
هنا أعود في خيالي الى ما أبعد من زمننا هذا وأغوص في قلب التاريخ لأستحضر أناساً عاشوا قبلنا وتزاوجوا وأنجبوا وعملوا بجدٍ وأكلوا وشربوا وفكروا وعبدوا و.. وأمماً تصارعوا وتقاتلوا واندثروا, وكائنات عاشت وانقرضت, فأدقق أكثر في كل أثر تركوه, فلا أجد أيّ معنىً مفيداً لهدف هذا الوجود الذي لاهدف له, فعلينا إذاً أن نبحث دوماً عن هدف لهذه الحياة.
بقي الإنسان منذ الأزل يبحث عن معنى لهذه الحياة، فوصل إلى نتيجتين هما: إما أن الحياة دون معنى، أو أنها تحتوي على هدف وضعته قوة عليا، وذلك عبر الإيمان بالله أو اتباع ديانة أو مفهوم مجرد آخر.
وبرأيي أن ما دفع الانسان للتفكير في معنى وهدف الحياة كان محركه الاصلي هو فكرة الفناء والموت, فلطالما سيطر شعور الرعب والهلع من فكرة الموت وتهديد اللاوجود على الإنسان على مر العصور, فابتكر فكرة الخلود التي خفّفت عنه وطأة هذا الخوف والهلع.
وقد سطّرت ملحمة جلجامش فكرة الخلود هذه بأبهى صورة عندما حزن جلجامش لموت صديقه الحميم انكيدو والذي لم يُرِد أن يصدق أنه مات ابداً, فبدأ رحلةً طويلةً كثيرة الأحداث بحثاً عن الخلود, متمثلاً في عشبة سحرية في أعماق البحر, تعيد له شبابه, وبعد حصوله عليها يقرر أن يجربها على شيخ طاعن في السن في مدينته قبل أن يجربها على نفسه, ولكن تقوم أفعى بالتهامها بينما هو يغتسل في ماء النهر, وفي طريق عودته يشاهد السور العظيم الذي بناه هو حول مدينته, فيفكر ويقول: " إنّ عملاً ضخماً كهذا السّور هو أفضل طريقة لخلود اسمي ".
ويتوافق سبب تفكير جلجامش في الخلود مع ماقاله ديستويفسكي: " الإنسان يخاف الموت لأنه يحب الحياة".
ويقول أيضاً في روايته الشياطين على لسان كريلوف: " أؤمن بحياةٍ أبديةٍ في هذا العالم".
وفي رأيي الشخصي, قام الإنسان بابتكار فكرة الخلود تماهياً مع خلود الوجود واستمراريته وتمدده, فرفض فناءه ولاوجوديتهِ بعد أن ادرك أنَّ كلّ شيءٍ سيستمرُّ وسوف يسير من بعده.
يقول لنا العلماء: " إنّ الكون نشأ من الإنفجار الكوني (Big Bang) الذي حدث منذ 13 مليار سنة مضت, وهذا الكون محكوم عليه بالموت على أيّة حال, وفي النهاية, لن يكون هناك أيُّ معنى من وجود أو عدم وجود هذا الكون, وهذا ينطبق بالضرورة على الجنس البشري, وقطعان الخراف داخل حظيرة أو حتى على أسراب الجراد أو غيرهم, فنهايتهم واحدة, و الآلية الكونية التي أنتجتهم هي نفسها سترسم نهايتهم.
إذ أنّ كل جهود الانسان وتضحياته والاسهامات كلها هذه ستذهب أدراج الرياح, وهذا مايسبب الرعب لهذا الإنسان الذي يحتاج للخلود فقط لكي يجد معنىً لحياته ووجوده.
وسواء كان الله فكرةً أم حقيقةً فهو ليس إلا إحدى تجليات الخلود, التي يمكنها أن تثير شيئاً من السكينة والطمأنينة لدى هذا الإنسان الهَلِع ِ المرعوبِ من الفناء.
ويبقى هناك فريق آخر لايستهان بعدده يقول أنّ وجود هذا الكون والبشرية معه مجرد صدفة أوجدتهما بانفجار, ولولاها لن يكون هناك سبب آخر لوجودهما, ووجود الإنسان كما بقية الكائنات حادثٌ طبيعي وعرضي, هو نتاج أعمى للمادة والزمن والصدفة.
لقد قال أحد الفلاسفة: " حياة الإنسان تأسست على قاعدةٍ غير إنسانية وأنّ عليه أن يتدبّر أمره بنفسه وسط كَوْنٍ صامت لا عقل له, وإنّ مايسري على الكون يسري علينا كأفراد أيضاً ".
لكنني هنا أتفق معه جزئياً فيما يقول وأختلف معه في فكرة أن الكون صامت لا عقل له, فيمكنني القول أنه يمكن أن يكون قد تشكل لهذا الكون وعياً ميتافيزيقياً يتناغم معه هذا الوجود.
لقد قال البير كامو: " علينا أن نكون صادقين في إدراكنا لعبثية الحياة, وبعد ذلك علينا أن نحيا لنحب بعضنا بعضاً ".
ويقول جان بول سارتر: " إنّه يمكن للإنسان أن يخلق معنىً لحياته, وذلك من خلال الإختيار الحر للنهج الذي يعيش به حياته ".
ويقول سارتر أيضاً: " دعنا نتظاهر بأنّ للكون معنىً ".
في كلا الحالتين سواء اعتقدنا بفكرةِ وجود الله أم عدم وجوده, علينا أن نحيا حياةً سعيدةً متوازنةً, لذلك وإن تساوت حظوظ الفكرتين, فإني أقول بأنّ خيار الموت ليس هو الخيار المنطقي, وسيبقى بلا جدوى لا بل مدمّر للحياة ولمعنى السعادة.
فلا يجب أن تتصوّر الحياة رخيصة, ولا أن تكون ضعيفاً, بل عليك أن تعيد نفس الأعمال الروتينية اليومية وتتعلّم كيف تكون سعيداً في هذا, فأنت من تصنع قدرك وأنت من تصنع مصيرك, إذ يجب عليك التحلّي بالقدرة على تحمّل الأعباء, وليس الحلّ بالموت وإنهاء الحياة.
فليس المهمّ أن يكون لهذا الإنسان هدفٌ ويجب أن يحصل عليه وإذا لم يحصل عليه يكون كأنما انتهى العالم, لا بالعكس, إنّ الأهمّ دوماً أن يقوم الإنسان بإنجاز عمله والمسير باتجاه الهدف وتعلّم الاستمتاع بهذا العمل ولو لم يصل إلى هدفه, فهذا بحدّ ذاته إنجاز.

(شدّود في ابريل 2020)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لغز الاختفاء كريستينا المحير.. الحل بعد 4 سنوات ???? مع ليمو


.. مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها




.. إيران تلوح بـ”النووي” رسميا لأول مرة | #ملف_اليوم


.. البرهان يتفقد الخطوط الأمامية ويؤكد استمرار القتال




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: لا يمكن إخضاع دولة إسرائيل | #رادار