الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية -الله- بين الاعتقاد والاقتناع

رشيد عوبدة

2020 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعلي لا أطرق موضوعا جديدا فيفتح لي بابه، ولا أبتغي هدم موروث فتزول عنه قداسته، فقد سبقني الى هذا الامر كثيرون نالوا من العتاب مانالوا، وكابدوا من المحن ما كابدوا، فلا العتاب أثناهم عن تأمل الذات الالهية، ولا المحن حالت دون محبته بالطريقة التي لا تحتاج إلى وسائط بشرية، ولا مزايدات أصحاب "التدين الشكلي" قوضت عزيمتهم... لسبب يراه غيرنا غريبا ونراه مألوفا..
إن الذات الإلهية التي نميل إليها حبا وتقديرا وإعجابا، جديرة بأن تحب، فهي ليست مجرد ذات نصت العقيدة على الخضوع لها، وإنما ذات حظي معها العقل والعقلاء بنصيب من التقدير والسمو، ولننتبه اننا نتحدث هنا عن الإله ك"ذات" متعالية عن كونها موضوعا، كيف لا وهو الإله غير القابل للتجسيد والتمثيل، إنه الفكرة المجردة التي يتجاوز مداها الكون وما كبر ، ويمتد علمها إلى الذرة وما صغر...
إن مفهوم "الله" لا أحد يمتلك حق ادعاء الإحاطة اليقينية بمعناه، ولئن كان المسلمون اعتبروه خالقا للوجود والموجودات، ومالكا لعدة صفات: بلغ تعدادها المئة، فالمسيحيون لهم اعتقاد مشابه، مفاده أن الطبيعة الانسانية تجعل منه كائنا متدينا بالفطرة لان مصدره الله ومآله إليه، ولانها ديانة تتخذ من الحب أساسا لها فقد سيطر عليها هاجس التبشير، اعتقادا بأن بهذه الطريقة ينتشر حب الله في هذا العالم وهو امر يشبه الهاجس الدعوي لدى المسلمين، بخلاف أقدم ديانات التوحيد التي هي اليهودية التي جعلت قرار الانتماء إليها قرار للسلطات الدينية إيمانا منها بصفاء عرق شعب الله المختار، الذي اختاره ليعقد معه عهدا قديما سمي ب"التوراة"، وطبعا اذا كانت هذه المعتقدات مرتبطة بديانات التوحيد فنحن نجزم ان مفهوم "الله" لا تكفي فيه مقاربة المعتقد، حتى ولو انها هي المقاربة التي يستحوذ عليها الخطاب الايديولوجي الموجه للعامة، بل نرى أن للمقاربة التأملية نصيب في إدراك بعض من خصائص "الله"، فعلى الأقل يشبع هذا الأمر فضول الخاصة، فأهل التوحيد مدينون أيضا لمن شغل نفسه ب"الله" متأملا، فحين اعتبر ارسطو الله وجودا اكتشفنا معه أنه أيضا محرك للوجود، فالكون بما هو متحرك محتاج لمحرك أزلي يحرك ولا يتحرك، أي "الله"، ونفس الطريق سلكه الفارابي حين اعتبر "الله" واجبا للوجود عنه انبثق الوجود وفاض (نظرية الفيض)، اذ لا يمكن للوجود أن يوجد من عدم بدون واجب للوجود، أما ديكارت فالذات المفكرة موجودة لأن هناك ذات هي أعظم منها هي التي أوجدتها، فالله فكر لا مجرد امتداد (مادة)، وبذلك يشكل التصور الديكارتي تجاوزا صريحا للنزعة الميتافيزيقية الأرسطية، حيث أن إدراك الأنا لنقصها، يجعلها تشك في وجودها، وما كان لوجودها الناقص أن يكتمل بدون وجود ذات مكتملة ومكتفية بذاتها منحت للكائنات الناقصة وجودا، حيث يستحيل على هذه الذات الناقصة أن توجد نفسها بنفسها، فهذا التأمل أعمق من المعتقد في أن إدراك "الله" بما هو وجود..، فمعرفته مدخل لمعرفة العالم الطبيعي، والمتميز لدى ديكارت أنه لم يتخذ من الوجود وعظمته دليلا على وجود "الله" كما فعل ابن رشد، هذا الاخير الذي جعل من القياس العقلي طريقا نحو الذات الالهية، معتبرأ أن النظر للمصنوع يدل على وجود الصانع، مثلما أن تأمل الوجود واعتباره، غايته اثبات وجود الواجد، الذي لا تظهر الحاجة إليه فقط لحظة الخضوع لتشريعاته وتعاليمه الأخلاقية، فأولوهيته تظهر في الفكر أكثر من ظهورها في الإيمان، وهذا ما أكد عليه مارتن هايدغر حين اعتبر أن وجود الله لم تكن الغاية منه تشريع القيم واصدار الأوامر الأخلاقية، ﻻن هذا الأمر يقلل من قيمته، لهذا فحياة فكرة "الإله" تنتعش بالتأمل، عكس الفيلسوف فريدريك نيتشه الذي أعلن فكرة "موت الإله" لارتباط الله بماهو ميتافيزيقي فقط، هذه الميتافيزيقا بفقدانها للحياة، أعدمت حياة الإله أيضا، ولفهم التصور النيتشوي هنا لابد من ربطه بسياقه، إذ أن نيتشه سيطرت عليه فكرة أن الكون تحكمه القوانين الفيزيقية الواقعية لا اليوتوبيات الميتافيزيقية...
مسعانا هنا للإيجاز أن مفهوم "الله" استيعاب دلالته لا تكفي فيه مقاربة المعتقد المرتكز على الإيمان بل تمتد للمقاربة التأملية المكرسة للاقتناع، فالله يعبد اقتناعا قبل أن يعبد اعتقادا، ولو أن الفصل بين الاعتقاد والإيمان هنا أمر غير وارد، ما دام التكامل يربط بينهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -