الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإله يروى سيرة

جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)

2020 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يمكن أن نكتب سيرة الله ؟ وهل يحق لنا النظر إليه كشخصية أدبية مفعمة بالدرما المليئة بالأحداث ؟
تساؤلات قد تبدو للوهلة الأولى صدمة على أذهان البعض ، ولكن جاك مايلز فى رائعتة (( سيرة الله )) يضعنا أمام هذه الشخصية العميقة جدا والمتناقضة جدا ليبدو لنا وكأننا نراه للمرة الإولى .
لقد إعتدنا على قراءة الكتب المقدسة عموما والتوراة خصوصا قراءة تنظر للنص بشكل كلى حيث نرى كل جملة فيه على أنها شرح لأى جملة أخرى ، وكل قول يصح على الله فى موضع يصح عليه فى كل المواضع ، ولكن بعيدا عن هذه القراءة يأتى لنا مايلز ليفند النص التوراتى بحرفية أديب فنان واسع الإطلاع والمعرفة فبقلمه المتجاوز اللامحدود يأخذنا فى رحلة ممتعة إلى الأعماق السرية للعقل الإلهى متنقلا بنا من سفر إلى أخر لنكتشف أننا أمام دراما حقيقية تتصاعد أحداثها فترة وتخفو فترة ثم تعاود لتتصاعد وتتأزم لنجد أنفسنا أخيرا أمام شخصية الله بكل ما فيها من غنى وخصوبة وقسوة وتعقد بل وتردد فالإله المتردد الحائر يحاول أن يجد نفسه فينا ربما كان ذلك سبب خلقه لنا !
يقول مايلز : فى المعتقد الدينى خلق الله الإنسان على صورته سواء ذكر أو أنثى ولقد جهد أجدادنا قرون طويلة كى يبلغوا الكمال على صورة إلههم ، فمحاكاة الله مقولة أساسية فى الإيمان اليهودى مثل محاكاة المسيح أوالإله الذى تجسد بهيئة البشر المقولة الأساسية فى الإيمان المسيحى . لقد تناقلت المسيحية واليهودية معرفتهما بالله من جيل إلى جيل بطرق شتى سواء بالزهد والتصوف والاهوت للخاصة أما الأكثرية فهناك كتاب للمؤمنيين وغير المؤمنيين ممكن فتحه وقرأته .
من أين جاءت فكرة الله الرصينة فى أذهان الجميع ؟
تساؤل يطرحه مايلز ليأتيه الجواب لابد أنها جاءت من الكتب المقدسة وبعبارة أدق من أولئك الذين كتبوا الكتاب المقدس فالمؤمنون لا يرون الكتاب المقدس مجرد كلمات عن الله بل أيضا يمثل لهم كلمة الله فالإله هو مؤلفه فضلا عن كونه شخصيتة الرئيسية وسواء كان الأقدمون الذين كتبوا الكتاب المقدس قد أبدعوا الله أو إكتفوا بتدوين وحيه فإن عملهم هذا حقق نجاحا باهرا فمنذ آلاف السنيين وهو يتلى جهارا كل إسبوع على جمهور يتلقاه بكل جدية فمن الصعب أن نجد للكتاب المقدس نظيرا فى الأدب الغربى أوفى الآداب الأخرى .
تساؤل قد يطرحه البعض أين القرآن من طرح مايلز ؟
هنا يجيب مايلز : لم نشير للقرآن لأن المسلمين لا يعتبرون القرآن أدبا بل يحتل لديهم منزلة ميتافيزيقية خاصة تماما ،أما اليهود والمسيحيين ففى الوقت الذى يجلون فيه الكتاب المقدس فإنهم لا ينكرون أنه عمل أدبى أيضا لذلك من الممكن تناوله من هذه الناحية دون الوقوع فى المعصية .
الله كما يحاول مايلز أن يظهره هو مزيج من شخصيات عديدة فى خلق واحد والتوتر القائم بين هذه الشخصيات جميعا يجعل من الله أمر عسيرا يصعب التوصل إليه .
ينظر مايلز للكتاب المقدس على أنه أحد كلاسيكيات الأدب العالمى وبما أن الله أو الرب الإله هو الشخصية الرئيسية فى هذا الكتاب يقول مايلز ((لايعنينى الكتابة مع أو ضد الرب الإله بوصفه واقعا لايطاله الأدب )) فهو يتحدث عن الله بإعتباره شخصية أدبية .
يشير مايلز قائلا : السرد الذى يمثله الكتاب المقدس العبرانى ليس سردا واحدا مستقلا فقبل منتصف النص مباسرة ينقطع السرد ، والتالى يكون كلمات أو خطب ألقاها الله وثانيا كلمات أوخطب ألقيت له أو عنه بصورة من الصور وثالثا صمت مديد ثم أخيرا ذلك الإستئناف المقتضب للسرد قبل القفلة الختامية ، وهكذا فالتشويق السردى من سفر التكوين إلى سفر الملوك الثانى يعقبه بعد ذلك نوع أخر من التشويق أشبه بالتشويق الذى يشعر به المحلفون فى المحكمة .
فبعد أن يخلى الفعل مكانه للقول فى الكتاب المقدس فإن القول يخلى مكانه للصمت فكلمات الرب الأخيرة هى تلك التى قالها لأيوب الكائن البشرى الذى تجاسر على تحدي قوته الأخلاقية لا قوته المادية وعلى الرغم من أن رد الله الساحق والحاسم يبدو وكانه يسكت أيوب فإننا نجد بعد هذا السفرأن أيوب هو الذى يسكت الله بصورة من الصور فالله لن يتكلم مرة أخرى بعد ذلك وإنما سيزداد الكلام عليه ، وحتى فى سفر إستير حيث يواجه شعبه عدوا يحاول إبادته فإننا نكاد لا نجد له أى ذكر ونرى اليهود يتغلبون على هذا الحطر من دونه
تنقلنا هذه النقلة من الفعل إلى القول ثم إلى الصمت ما يمكن ان نسميه سيرة لاهوتية ، فقراءة الكتاب المقدس بطريقة متسلسلة دقيقة تكشف لنا التعاقب والتطور فى شخصيته الرئيسية ألا وهى الرب الإله .
توجد فكرة لا يكف كتاب الكتاب المقدس عن ترددها (( أننا لا نستطيع أن نكون مفهوما عن الله بتعابير بشرية )) ، لكن مايلز يرى أن إزاحة التركيز عن الفاعلين البشر وتسليطه على الفاعل الإلهى هى النقلة المنهجية الأساسية فى إعادة قراءتنا هذه، وهى السبب الذى يدعونا إلى إعتباره نوعا من السيرة ، فلابد أن تظهر شخصية الفاعل الإله عبر مجموعة من الأسئلة النقدية الأكثر إلتصاقا بذاته والمختلفة عن أسئلة البحث التاريخى ، فلماذا خلق الله العالم ؟ لماذا سارع إلى تدميرة إبان خلقه ؟ لماذا تحول فجأه إلى محارب على الرغم أنه لم يبدى أى إهتمام بالحرب لفترة طويلة ؟ ما العوامل التى لاحت له حين بدا عهده مع بنى إسرائيل على وشك الإنتهاء ؟ كيف عاش حياته ككائن من غير أب أو أم أوزوجة أو بنيين ؟ لا يطرح البحث التاريخى مثل هذه الأسئلة ولا حتى يحاول الإجابة عنها أم النقد فيفعل .
وللحديث بقية مع سفر التكوين وماذا سيروى لنا الإله عن ذاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما