الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة أو وهم

هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث

(Hashem Abdallah Alzben)

2020 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفعل مُقابل الكلمة. الكلمة تعجز وتفتقد للحركة، وتكون بديلةً للفعل أحياناً، عندما يعجز الفعل ويتعطل لأسباب كثيرة، منها الوقوع تحت القهر والتسلّط... لكن حتى الكلمة قد تُصبح سجينة أو سبب وجيه للإدانة، أقصد بأن صاحب الكلمة الواقع تحت سُلطة قاهرة/قامعة، ربما يُدان بالكلمة ويُحكم بحُكم ما.

وقد تفقد الكلمة جوهرها/قيمتها كبديل للفعل، تُصبح شيء فارغ وباهت وبلا معنى، وهذا قمة العجز الإنساني عن المواجهة والإنطلاق، عن الحركة والتأثير، عندها يكون الإنسان مقهور فعلًا، أشبه بأداة أو شيء بالطبع يكون بلا إرادة، تُحرّكه قوى إعتباطية، ومن بقايا إنسانيته ينفعل بشكل حيواني فوضوي إزاء الأحداث اليومية...

تلك الحالة ليست حِكرًا على العرب مثلًا، هي حالة عالمية تختلف كميًا لا نوعيًا، الحالة واحدة، حالة قهر الإنسان وإفراغه من إنسانيته وإستخدامه حتى يتعطل وعندها يموت/يستغني المالك عنه.
لم أكن أريد أن أكتب عن "حالة القهر" بالتحديد، كُنت أريد الكتابة عن شعور داخلي ينفعل ويضطرب ويهدأ... الشعور بالوجود الذاتي، بأنني رغم محدوديتي البشرية، أملك قوة تغيير لا حدّ لها، ومع ذلك أنا جزء من مُجتمع "مقهور" و"مهدورة" طاقاته، الكتابة عن هذا الموضوع لا تروقني، لأنني أولًا كتبت عنها وثانيًا لأنها مواضيع تفوق بساطة الواقع، لا أقصد بالبساطة معناها الحرفيّ، إنما أقصد بأن الواقع ينطوي على شيء أقلّ تعقيدًا، واضح، ومألوف جدًا،

الواقع ليس "شمّاعة أخطاء" ولا هو سبب مشاكلنا، الواقع هو مجال مُستقل عنّا، كل شيء، كلّ الذي نشعر به ونُعانيه، يحدث في داخلنا، حتى قهرنا، هو شيء تشكّل في وجداننا وفي منطقة "اللاوعي" تتخزن الأفكار والإنطباعات بشأن كل شيء، والوعي، فعلنا الحقيقي، تُحرّكه تلك الأشياء في داخلنا، التي لا نَعيها،
نحن، ذواتنا، بشكل أو بآخر، تتطور وتتغير، بتأثير الخارج غالبًا، نُصبح ذواتًا مصنوعة إما بقصد أو بدون قصد، وكلّما تعرضنا لتأثير الخارج إزدادت غربتنا عن أنفسنا، وإنفصلنا عنّا... لا أدري كيف أكتب المزيد دون أن أبتعد عن الوضوح؟ سأحاول؛ ما هي الهوية الذاتية؟ وهل نحن أفكارنا؟ ماذا لو أن هذه الأفكار مُشوهة؟
أفترض بأننا أفكارنا التي نحيا من خلالها،
والأفكار دينامية، تتغير وتتبدل، ويشوبها الوهم أو التشويه أو...
بالطبع يُفكر القارئ بهذه الكلمات، وربما سيُفكر بأنني-كاتب هذه الكلمات، وقع في شِرك التعقيد؟ أو أصابهُ التفكير المَرضي اللامحدود والذي يُفضي للوثة جنون؟
لماذا يُفكر هكذا؟ لماذا التعقيد؟ .. الخ
أنا هُنا، فكّرت عن القارئ، وأتخذت جانب إنطباعي عنه، وهذا جانب يقع في دائرة التفكير الذاتي المحصور، وسؤالي الذي أدهشني رغم بساطته: كيف نستوعب العالم دون أن نشوّهه بإنطباعتنا الذاتية، الضيّقة والمحدودة؟

كيف نعيش الحياة بواقعيتها، بعيدًا عن التحجيم والتهويل، نرى الأشياء دون أن نحوّرها ونُفقدها حقيقتها بوهمنا الهشّ؟
كيف نواجه عملية إستلابنا وتشويه/تسطيح وعينا، دون أن نسقط في فخ الإرتياب والشكّ الذي يُفقدنا الأمن النفسي ويُؤدي بنا لحياة فارغة من الحياة؟

ونحن مُحاصرين بأدوات التشويه، بأدوات تصنع وعينا وتوجهه بشكل مقصود!
وقد نكون أكسل من أن ننشط في البحث عن الحقيقي، بلا معايير للحقيقة.
ربما يعود الأمر للذات، للوعي بها، للإنسلاخ عنها، ورؤيتها عن بُعد، وللإنتباه للواقع دون تلوينه بألوان شخصية...

لا أكتب معلومات وأفكار من علم تجريبي، لكنني أدركت بشكل شخصي ربما مألوف لأشخاص تأملوا واقعهم الحياتي وذواتهم.. أدركت بأننا كأحياء في إحتمال الفناء القريب والمجهول، علينا قدر الإمكان مواجهة ذواتنا وإصلاحها من التشوهات، قبل أن نستغرق في الأحكام على الخارج،
علينا أن ننظر لداخلنا قبل النظر للحياة ومُجرياتها، وإذا كان هذا مُمكنًا، ولا يندرج في الوهم، عندها سنتحرر من عبوديتنا وسجننا ومأساتنا الحياتية، ستتغير الحياة ليس لأنها تغيرت فعلاً بل لأن فكرتنا عنها تغيّرت، أو قد يضيع الناظر لداخله في داخله ولا يعود صالحًا للعيش في حياة تتمحور في المألوف والهرب من الداخل وظلامه للخارج بكامل غرابته الضرورية،
ضرورة السواء والإنطباع وإطلاق الأحكام، والتخفف من الأعباء الذاتية، وأمان الأسباب الخارجية، والتماهي مع المُستجدات وتشرّبها، وأخيرًا عدم الشعور بالقَلق الوجودي،

أريد أن أكتب بوضوح أكثر عن حياتنا هذه، والوضوح ليس سوى فكرة تفترض النقيض، لا بأس، ذكرت في البداية أن الكلمات تَعجز، وهي بديل ممتاز عن الفعل، أفتقد للفعل، رغم أنني أدركت أهمية "الوعي الذاتي"، والرعب الكامن وراء الجهل والتشويه والوهم،
الفعل يتطلب القُدرة والقوة، وأنا كأنني فارغ من قوة حقيقية تجعلني أفعل، كأنني مسجون في داخلي لا أدري متى وكيف سيُفرج عنّي؟ ومَن السجّان؟ متى تمّ الحكم عليّ؟ وهل يُمكن أن أكون واهمًا بهذا الشأن؟!
حسنًا، عند هذا الحدّ أتوقف عن الكتابة، لا أشعر بأنني كتبت شيء حقيقي، وأخشى من أن حياتنا وهم نحن فيه ونرى العالم من خلاله، وهم لا يعلم أحد كيف حدث وما هي حدوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا أجّلت الجزائر اجتماعا هاما مع مفوضية الاتحاد الأوروبي؟


.. عودة العلاقات التجارية بين الجزائر وإسبانيا بعد قطيعة تجاوزت




.. ليبيا: جدل وانقسامات حول انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس الأع


.. موريتانيا: إعادة محاكمة الرئيس السابق ولد عبد العزيز أمام مح




.. -حفل العار-...شعار تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومناهضة لحفل داع