الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تتعرى الحضارة قراءة في لوحة

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2020 / 4 / 19
الادب والفن


شجرة الحياة في زمن كورونا بريشة الفنان سرور علواني

كانت الشجرة ولا زالت هي أجمل تعبيرٍ رمزيٍّ للحياة المخُضرة باستمرار. لهذا قيل شجرة الحياة بمعنى الإخصاب والإنبات والحمل والنمو والولادة والبرعمة والإزهار والإثمار. وكلما كانت الشجرة وارفة الظلال،سخية الإثمار يتم تشبيهها بالحياة الطيبة. والربيع يعد أخصب المواسم في معظم الثقافات إذ فيه تستعيد الطبيعة عنفوانها وتجدُّدَها في أبهى. حللها اخضرار الأرض، وتفتح الأزهار. وهكذا سميت مرحلة الشباب بربيع العمر. بينما يرمز للعجز بخريف العمر حيث تتيبس الأوراق على أغصانها، وتتساقط على أديم التراب في مهب الريح. وكما يعني موسم الخريف اكتمال الدورة الفلكية الزمنية لأيام السنة كذلك ترمز الشيخوخة إلى اكتمال مسار حياة الكائن الحي ودنو الأجل. وتلك سنة الله في خلقه؛ ولولا الموت لكانت الحياة أبدًا جحيما لا يطاق . تصوروا لو أن كل كائنٍ يولد لا يموت، كيف سيكون شكل الحياة على الأرض. نعم الموت محزن ولا أحد يحب أن يموت رغبة بالموت ذاته. وهذا يذكرني بطرفة فلسفية حصلت في أكاديمية أفلاطون إذ كان أفلاطون يشرح لطلابه معنى الحياة والموت وقال لهم: الحياة والموت سواء ولا فرق بينهما، وكل منهما مرتبط بالآخر ارتباط الروح بالجسد. فإذا بأحد تلاميذ يصرخ من بعيد؛ مادام الأمر كذلك لماذا لا تموت أيها المعلم؟ رد عليه أفلاطون قائلا: أنا قلت الحياة والموت سواء، ولم أقل الموت أفضل من الحياة، وطالما سيأتي بغير إرادتنا فلم نستعجل مجيئه؟ وقد شبه الأديب الألماني جوته التاريخ بشجرة الحياة إذ قال في رده على أحد أصدقائه المحتفي بالكتاب المقدس : شجرة الحياة وحدها هي المخضرة ياصديقي أما النظريات فهي رمادية. ماذا ستكون الحياة إذًا؟ انها الصخب والحركة والفعل، والانفعال والنشاط والجهد، والعمل والعرق والصراخ، وهي الفرح والحزن. الحياة تتجلى في ألف وجه ووجه من الجمال الفتان. في زخم روضات الأطفال وضجيج ساحات المدارس وزحمة الشوارع وانسياب حركة الجموع البشرية في المؤسسات والمرافق العامة والألعاب الأولمبية الجماعية وصالات الأفراح وأفواج الحجاج في الأماكن المقدسة. وجموع المصلين في الجوامع والكنائس والمعابد والزوايا والصوامع الصوفية. ومراسم التشييع للموتى.وأصوات الفلاحين وهم يحرثون الأرض أو يحصدونها.ومطارق العمال، وأصواتهم في المعامل والمصانع، وصخب الأطفال في الأحياء والحارات والشوارع وزغردة النساء في الأفراح، وأشواق المسافرين في الحافلات والقطارات والطائرات. ولقاء الأذحبة والعشاق وتلاقي الوجوه والأجساد والعناق والقبل والأحضان وزحمة النوادي والمقاهي والملاهي والرقص والغناء والبيع والشراء والتحرش والعراك وأشياء وأشياء كثيرة أخرى تشمل كل شئ ينم عن الحركة والفعل والانفعال في عالم ما تحت فلك القمر؛ عالم الحس والحواس والإحساس عالم الإنسان الطبيعي الذي هو أنت وأنا وهي وكل الناس القاعدين في بيوتهم الآن. وحينما تختفي كل هذه المظاهر وكل ذلك الزخم الحيوي الفعال في المكان والزمان فما الذي يبقى من الحياة ورونقها الطبيعي الفطري. في تلك اللوحة الفنية للفنان سرور علواني بعض ما يشبع المعنى في تصوير حال الدنيا بزمن كورونا الموحش. في تلك اللوحة الفنية المبدعة التي تبدو فيها أشجار الغابة وقد تعرت من كل ملامح الحياة فيها:الثمر والورق والزهر والعصافير والفراشات والندى حتى جذوعها تبدو مجروحة، والتربة قاحلة وليس فها حتى أوراق يابسة. هكذا هي الدنيا في زمن الكورونا.هكذا تبدو خاوية على عروشها. وكل ما نتمناه أن تسترد شجرة الحياة عافيتها، ويجري الماء في عروقها،وتورق أغصانها، ثم تزهر، وتثمر خيراتها. وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة رغم كل شيء ولا عذر للإنسان طالما هو موجود. الحياة تأتي لك مرة واحدة فقط فردًا وجيلًا؛ ولن تتجدد ضربتها أبدًا. فكيف ترون هذا اللوحة وبماذا نخبركم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ