الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوانيةُ المُضمرة لتحريض معلن

عادل عبدالله

2020 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



داوكنز يدعو الحكومة الإنكليزية لطرد أساتذة اللاهوت من الجامعات

هذا هو العنوان الذي أوحى به اليّ عنوانُ الفصل الثالث من كتاب داوكنز" وهم الإله " العنوان الذي كان مذيّلا بعبارة للرئيس الأميركي الأسبق "توماس جيفرسون" نصّها: (لا مكانَ لأساتذة اللاهوت في الجامعات)
أمّا كيف تمّ لعنوان فصل داوكنز أنْ يوحي لي بهذا العنوان أو يحملني على تفسيره بهذهِ الطريقة، فهو ما سأوضحه عبر القول:
ثمة صلةٌ من نوعٍ ما – خفيةً حيناً وظاهرة أحياناً – بين عنوانِ كتابٍ أو فصلٍ ما، وبين تذييله بمقولة أو عبارة اختارها المؤلف بإرادة منه مبيتة وبوعي كامل، ليفصح عن نوع و سبب استحضاره لها.
وقد ألفنا نحن القرّاء نوع الصلة الحميمة بين عنوان فصلٍ لمؤلفٍ ما وبين العبارة المختارة المستعارة من كاتب أخر ليستهل بها فصله، بوصف تلك العبارة المختارة دليلَ عملٍ أو هدي لمضمون الفصل نفسه – مع التأكيد على روح الاعتزاز والتقدير المضمر لهذهِ العبارة المختارة في كثير من الأحيان–
الأمر الذي يعني أنّ تلك العبارة التي شكّلت هدياً لموضوع الفصل ومضمونه، هي من النوع نفسه الذي ينتمي مضمون الفصل لها. ولا حصر للشواهد على صحة هذهِ المسألة، وفي ميادين الكتابة كلها، أ روايةً كانت أم عملاً نقدياً ادبياً أم عملاً فكرياً أو شعرياً أو غيره، المهم أنّ ثمة "وحدة موضوع" بين مضمون الفصل والعبارة التي جرى التقديم بها له. باستثناء بعض الحالات النادرة التي يكون فيها استحضار العبارة المذيلة للعنوان قد تم درجه من أجل دحضها بمضمون الفصل الذي ثم تثبيته كمقدمة له.
"وحدة مضمون" العنوان مع العبارة التذييلية الهادية، ينبغي أنْ يكونا معاً من النوع نفسه، أعني اذا كان مضمون الفصل الذي نتعامل معه سياسياً فلا بأس ان تستحضر عبارة من كتاب السياسة لأرسطو، أو كان المضمون ذلك يخص نقد الشعر فلا بأس ان تكون العبارة الهادية مستلة من أكابر نقاد الأدب، وهكذا.
الآن – وبعد أنْ وضّحنا الفكرة – الى حد ما تجنباً للإطالة – دعونا نفحص نوع العلاقة بين عنوان الفصل الثالث من كتاب داوكنز، وهو "الدليل على وجود الله " و بين العبارة التي استحضرها مقدمةً له من إحدى الخطب السياسية لتوماس جيفرسون، عبر التساؤل:
1- هل أنّ عنوان الفصل "الدليل على وجود الله" والعبارة المقدِمة له ينتميان الى الحقل المعرفي نفسه؟
الإجابة لا، لأنّ الحقل المعرفي لعنوان الفصل يشير الى كونه "فلسفياً – علمياً – دينياً" فحسب، أمّا العبارة المقدمة فهي تعليم أو مرسوم جمهوري يقضي بمعنى ما محدد من أجل تنفيذه من قبل سلطة سياسية منفذة تمثل البرنامج الانتخابي والسياسة الحكومية لرئيس جمهورية منتخب.
2- أثمة علاقةٌ من أيّ نوع كانت، يمكن عقدها بين مؤلف الكتاب السيد "ريتشارد داوكنز" عالم البيولوجيا التطورية "المتفلسف" المنتدب من أجل تعميم العلوم بين الجمهور، وبين عبارة جيفرسون، ذات الطابع السياسي الآمر المتعلق ببنية المؤسسات التعليمية التي ينبغي أنْ تكون عليها في زمانه؟
الإجابة لا .
3- هل إتخذ داوكنز من عبارة جيفرسون "السياسية الملحدة" دليلاً له في إنشاء وتنمية مضمون فصله ذي الانتماء الفلسفي- العلمي- الأدبي؟
الإجابة لا .
4- هل وجدنا أيّ أثر "علمي" او "فلسفي" يمكن أنْ ننسبه خلال قراءتنا لمضمون فصل داوكنز الى العبارة الهادية له في بحثه عن "إثبات بطلان أدلة وجود الله"
الإجابة لا .
5- ما الذي كان يبيت له إذن "السيد داوكنز"من استحضاره لهذهِ العبارة في مقدمة فصله؟
6- يبدو لي أنّ العدوانية المضمرة يُراد لها أن تُعلن الآن، من أجل تحريض الحكومة الإنكليزية على العمل - وفق ما سبق أنْ عملته الحكومة الأميركية متمثلة برئيسها جيفرسون – على طرد الأساتذة المؤمنين من مؤسساتها التعليمية، لكن لماذا؟ هذا هو السؤال الأكثر أهمية، لماذا؟
أحسب أنّ جامعة أكسفورد التي يعمل داوكنز فيها، بوصفه استاذاً لتبسيط و نشر العلوم – جنباً الى جنب مع زميله البرفسور العالم المتديّن "ألستر مكغراث" و البرفسور العالم المتديّن " جون لينوكس " و الفيلسوف المتديّن الكبير ريتشارد سوينبورن وآخرون من العلماء المؤمنين بالله، أقول، أحسبُ أن تديّن هولاء النخبة من العلماء هو السبب الحقيقي لاستحضار داوكنز لعبارة جيفرسون، فضلاً – بطبيعة الحال - عن كونهم نقادا سفّهوا الكثير من أعماله العلمية والفلسفية التي تحاول إشاعة الإلحاد، موجهين له و لها نقداً علمياً وفلسفياً لاذعاً، أدّى الى تخلي الكثير من المعجبين من اتباعه عنه، أقول، هذا هو السبب الوحيد المعقول لتقديم داوكنز لفصل كتابه بهذا الاقتباس الغريب الذي يشير الى مضمونه المضمر، بعبارة جيفرسون! بعبارة واضحة مباشرة، إنّ داوكنز يدعو الحكومة الإنكليزية الى تبنّي نوع تعامل جيفرسون مع العلماء المؤمنين، أيْ طردهم من المؤسسات العلمية لكونهم علماء مؤمنين حسب.
نعم هذا هو المعنى الكامل للعدوانية المضمرة والتحريض المعلن لداوكنز على طرد زملائه العلماء المؤمنين من الجامعة.
أمّا الدليل على صحة كل هذا الذي كتبته هنا فهو:
لقد سبق لداوكنز، وعبر شرح طويل مفصل – ضمن كتاب وهم الإله – أنْ عرض نوع تعامل الحكومتين الأميركية والإنكليزية مع رجال الدين خاصة والمؤمنين بوجه عام من أساتذة وقضاة وغيرهم على نحو عام، مبيّناً نوع التعامل المتسامح لبلاده مع رجال الدين، نسبة الى نوع تعامل الاميركان المتشدد معهم، ومن هنا فهو يحث حكومة بلاده على تبني خيار القسوة نفسها مع علماء بلاده المتدينين و على وجه خاص– زملائه في أكسفورد
أمّا الدليل الآخر فهو، هل رأيتم أيّ أثر معرفي أو علمي أو فلسفي لمضمون عبارة جيفرسون بمضمون فصل داوكنز – بعد قراءته طبعا -؟
وكيف يمكن أنْ يكون لها أثر ما، وهي عبارة سياسية موظفة لدعاية انتخابية، تم حشرها في موضوع فلسفي – لا هوتي – علمي؟
اللهم إلّا أثراً وحيدا، هو نقد داوكنز للفلسفة من خلال السياسةّ او تفنيده لها من خلال واقعة حياتية كوميدية عاشها أو سمع بها!! أو شتمه للمتدينين كأسلوب "علمي أو منطقي " لتفنيد معتقداتهم.
وهكذا، نرى الأثر الخفي الموجّه لعبارة جيفرسون، أعني أثرَ توسّل السياسة الملحدة لإصلاح المؤسسات التعليمية بغض النظر عن اختصاصها علمياً أ كان أم فلسفياً، المهم أنّ الرغبة العارمة لداوكنز – تلك التي يملؤها الحقد والكراهية ورغبة الانتقام – لا بدّ لها من أنْ تبلغ غايتها في أنْ لا يبقى أحدٌ من العلماء والفلاسفة واللاهوتيين محتفظاً بمنصبه في الجامعة، لا بسبب من كونهم مؤمنين فقط، ولا بسبب من حقهم في مجتمع ديموقراطي بالدفاع عن نوع عقائدهم، بل لسبب وحيد متداخل، هو أنهم مؤمنون على نحو بارع بحيث أنهم يستطيعون الدفاع عن عقيدتهم بحجج علمية وفلسفية بارعة قادرة على تسخيف وتسفيه جميع مضامين مؤلفات داوكنز التي يفترض انها عملية وفلسفية، بل أنهم قادرون على سحب البساط من قرّاءه ومعجبيه، الأمر الذي أدى بالفعل الى خسارته لهم، فضلاً عن إمكان خسارته "لمنصبه التشريفي" بعد أنْ لم يتمكن من إنجاز مهمته على الوجه السياسي – التعليمي الأكمل، الذي ترغب الحكومة في إشاعته، بوصفه أستاذَا لنشر العلوم بين الجماهير.
جدير بالذكر ان مجلة Precept بعد أعجابها المتقطع النظير بأعمال داوكنز السابقة كتبت بعد نشر كتابه وهم الإله، مقالاً ضدّا عليه يحمل العنوان "داوكنز المتطرف" في إشارةٍ منها لإحدى خساراته. وهكذا نرى أنّ استراتيجية العدوان والضغينة تقيم في رحم عقلانية وذهنية داوكنز "العلمية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذه الحالة.. الرد الإسرائيلي على إيران قد يشعل فتيل الحرب


.. بالخريطة التفاعلية.. مسيرتان تخترقان الدفاع الجوي الإسرائيلي




.. تصاعد الدخان إثر سقوط مقذوفات على الجليل


.. كيف استطاعت الطائرات المسيرات تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائي




.. الدعم الدولي شحيح رغم تصنيف أزمة النزوح في لبنان بـ-الكارثة-