الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألشيخية - ألبابية والبهائية - 4- قرة ألعين

كامل علي

2020 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنشقاق آخر:
في تلك الفترة التي كانت فرة العين محبوسة في بيت الآلوسي حدث إنشقاق وجدال بين اتباعها الذين هم في بغداد والكاظمية، وكان سبب الإنشقاق هو ان قرة العين أخذت تدعو إلى تجديد الشريعة الإسلامية وإلى تبديل بعض تعاليمها وشعائرها، فوافقها على ذلك فريق من اتباعها بينما رفض الفريق الآخر.
تم بعث رسالة من قبل المنشقين إلى الباب الذي كان في ايران بشأن قرة العين واقوالها ولكن الباب اجاب قائلا في رسالته الجوابية: " وأما ما سألت عن المرأة التي زكت نفسها وأثرت فيها الكلمة التي انقادت الامور لها فإنها إمرأة صديقة عالمة عاملة طاهرة، ولاترد الطاهرة في حكمها لأنها أدرى بمواقع الامر من غيرها وليس لك إلا إتباعها لأنك لن تقدر أن تتطلع بحقيقة أمرها ".
إن هذا " اللوح " الذي وصل من الباب الى الكاظمية كان بمثابة وحي منزل في شأن قرة العين وعلو مكانتها، وفيه ورد لقب جديد لها هو " ألطاهرة " فصارت قرة العين من ذلك الحين تُعرف به بين البابيين.
إخراجها من العراق:
عندما وصل خبر حبس قرة العين الى قزوين توسط لها عمها ووالد زوجها الملا محمد تقي البرغاني عن طريق احد ارباب النفوذ في كربلاء، وصل الأمر اخيرا من اسطنبول بإطلاق سراح قرة العين وإخراجها من العراق، فسافرت إلى كرمنشاه مع حاشيتها ومريديها. في كرمنشاه استمرت قرة العين بالدعوة وإلقاء الدروس الدينية.
لم يتحمل المتعصبون من رجال الدين هذا الوضع وطلبوا من الامير حاكم البلدة إخراج قرة العين من كرمنشاه وتم تسفيرها ألى همدان مع حاشيتها بعد حصول إعتداء على بعض الشيوخ من اتباعها.
في همدان استمرت قرة العين بدعوتها وكان من بين الذين تأثروا بدعوتها اثنان من احبار اليهود هما الملا ياهو والملا لالازار فقد عرضت قرة العين على هذين اليهوديين آيات من التوراة وكتب الانبياء فيها اشارة الى ظهور الباب، فكانت تلك البذرة الاولى لانتشار الدعوة البابية بين اليهود.
غادرت قرة العين همدان قاصدة بلدتها وموطن اسرتها قزوين، وعندما وصلت نزلت في بيت والدها ولم تذهب الى بيت زوجها الملا محمد فحاول زوجها اقناعها بالعودة ولكنها اصرت على البقاء. وطلبت من النسوة اللواتي ارسلنها زوجها بإخباره بأنها لا يمكن ان تجتمع به في هذه الحياة ولا في الحياة الآخرة.
مقتل الملا محمد تقي:
كان هذا القرار الحاسم الذي اتخذته قرة العين في هجران زوجها سببا في نشوء خصام شديد بينه وبين والد زوجها الملا محمد تقي الذي كان كبير علماء قزوين. صار الملا محمد تقي يصعد المنبر بعد كل صلاة فينهال باللعن والطعن على الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي وكل من اتبعهما من البابيين وغيرهم.
فانتشر الهياج من جراء ذلك بين العامة فأخذوا يطاردون الشيخيين والبابيين جميعا ويعتدون عليهم، ولم يمض على تلك الاعتداءات سوى مدة قصيرة حتى هجم رجل مجهول على الملا محمد تقي وهو يصلي في المسجد فجرا فطعنه بخنجر طعنات كانت القاضية عليه.، فارتجت البلدة كلها لمقتله وأشتعلت نيران الفتنة.
مما لفت النظر ان قرة العين كانت قبل مقتل عمها بايام معدودات قد اوعزت الى اصحابها بمغادرة قزوين والعودة الى مواطنهم غير انها استثنت من اصحابها رجلين هما الشيخ صالح الكريماوي والملا ابراهيم المحلاتي وقالت لهما ان الشهادة لهما قد حانت.
وقد تحققت نبؤة قرة العين حيث قتل الشيخ صالح الكريماوي في ميدان المدينة لاتهامه باغتيال الملا محمد تقي، كما قٌتل متهمين آخرين من بينهم الملا ابراهيم المحلاتي فقطعوا اجسامهم اربا. اما قرة العين فسجنت في حرم سراي الحاكم، فلبثت في ذلك مدة، ولكنها استطاعت ان ترسل رسالة الى المرزا حسين علي النوري في طهران تستنجد به، وكان الرجل من ذوي الثراء والنفوذ ومن السابقين في إعتناق الدعوة البابية وكان الباب قد منحه لقب " بهاء ألله ".
فأستطاع أن يبعث الى قرة العين من تمكن من تهريبها من قزوين وجاء بها الى طهران، فأخفاها في بيته. وظلت قرة العين مختفية في بيت بهاء ألله الى ان تقرر عقد مؤتمر " بدشت " قرب خراسان فرحلت للمشاركة فيه.
مؤتمر " بدشت ":
قرر البابيون عقد مؤتمر لهم في بدشت على اثر إعتقال الحكومة للباب في قلعة ماكو، وكان الغرض من عقد المؤتمر هو للمداولة في امرين، أولهما كيف يمكن إنقاذ الباب من معتقله، والثاني هل تُنسخ أحكام الشريعة الإسلامية أم تبقى على حالها؟.وقد انعقد المؤتمر في حزيران من عام 1848 م وحضره اقطاب البابيين من مختلف البلدان الإيرانية فبلغ عددهم واحدا وثمانين كان فيهم قرة العين وبهاء الله، ولم يتغيب منهم سوى " باب الباب " اي الملا حسين البشروئي لإنشغاله بأمر آخر في خراسان.
الواقع ان مؤتمر بدشت مهم جدا اذ هو يفصل بين عهدين في تاريخ الدعوة البابية. فقد كانت هذه الدعوة قبل المؤتمر تعتبر فرقة من الشيخية لا تختلف عنه الا في بعض الجزئيات التي لا اهمية لها، اما بعد المؤتمر فقد اصبحت الدعوة البابية فرقة قائمة بذاتها او هي بعبارة اخرى اصبحت دينا جديدا.
يبدو ان المشتركين في المؤتمر لم يهتموا بأمر إنقاذ الباب بمقدار ما اهتموا بالامر الثاني وهو: هل تُنسخ الشريعة الاسلامية ام تبقى على حالها. وتشير القرائن الى انهم منذ بداية المؤتمر انقسموا الى فئتين مختلفتين: احدهما ترى وجوب نسخ الشريعة، والاخرى ترى وجوب الإبقاء عليها.
كانت قرة العين على راس القائلين بوجوب نسخ الشريعة، وكان رأيها ان الباب اعظم مقاما من جميع الانبياء الذين سبقوه وان له الحق في نسخ الاحكام الاسلامية القديمة والاتيان باحكام جديدة. اما المعارضون لهذا الراي فكان على راسهم محمد علي البارفروشي وهو الشاب الذي رافق الباب في رحلة الحج ومنحه الباب لقب " القدوس " وكان ذا منزلة رفيعة عند البابيين ويعده البعض منهم في مقام الملا حسين البشروئي او هو ارفع مقاما منه.
وكان من رأي القدوس ان الباب ليس سوى مروج للشريعة الاسلامية ومصلح لها مما طرأ عليها من الفساد والابتداع، ولهذا فهي يجب ان تبقى على ما كانت عليه في الكليات والجزئيات جميعا..
بينما كان الخلاف يشتد بين الفريقين كان بهاء الله ساكتا ويبدو انه اتخذ موقف الحياد وبقي ينتظر ما تتمخض عنه الايام. عزمت قرة العين اخيرا ان تقوم بعمل حاسم تحسم به الجدال ففي احد الايام بينما كان القدوس واكثر القوم مجتمعين في خيمة بهاء الله فاجأتهم قرة العين وهي تدخل عليهم سافرة الوجه ومتزينة، وكأنها ارادت بعملها هذا ان تنسخ حكما من احكام الشريعة هو تحريم التبرج الذي نزل به القرآن.
اثار تصرف قرة العين ذهولا عظيما لأنهم يعتبرونها مظهر فاطمة الزهراء ورمزا لعصمة الطهارة في نظرهم. بعض الحاضرين حاول اخفاء وجوههم، ولم يملك واحد منهم نفسه فحز رقبته بسكين ثم خرج من المجلس وهو ينزف فتابعه آخرون ولم يرجعوا اذ هم انفصلوا عن الدعوة، اما الذين صمدوا فقد وقفوا بلا حراك وهم متحيرون في امرهم لا يدرون ماذا يفعلون. أما القدوس فقد استل سيفه وهو في غضب شديد كأنه يريد ان ينقض على قرة العين ليقتلها.
لم تتأثر قرة العين بما جرى ولم ترهب سيف القدوس بل قامت تخطب في الحاضرين بكل جرأة وبلاغة بأسلوب شبيه بالقرآن وتدافع عن تصرفها وتدعو الى نسخ الشريعة الاسلامية لظهور الباب.واستمرت حالة المشادة بين قرة العين والقدوس بضعة ايام الى ان توسط بهاء الله وبطريقته المثلى فوفق بينهما تماما، ولمًّ شعثهما، ولأم الجرح الذي سببه هذا الهياج والنزاع الحاد.
حصل المقصود من المؤتمر فمسخت التقاليد العقيمة فتهيأت الطريق لإعلان الاحكام والقواعد الجديدة وعزم بقية الجمع على الرحيل الى مازندران. ورحل القدوس مع الطاهرة في هودج واحد اعدها لسفرهما بهاء الله.
فترة النسخ:
مهما يكن الحال فقد مرت الدعوة البابية بعد مؤتمر " بدشت " بفترة سميت ب " فترة النسخ "، وهي المرحلة التي نسخ الباب فيها الشريعة القديمة ولم يأت بعد بالشريعة الجديدة. ويبدو ان بعض البابيين استغلوا تلك الفترة فاندفعوا في الشهوات اندفاعا غير محمود. في كتاب " مطالع الأنوار " ذكر خصوم البابيين حادثة انكرها المؤيدون: " ففي اثناء سفرهم الى مازندران اراد بعض الاتباع ان يسيئوا استعمال الحرية التي نتجت عن نسخ الشرائع القديمة وظنوا ان في طرح الطاهرة للحجاب اشارة منها للتجاوز عن حدود الآداب وإشباع الأغراض النفسية. ويروي لنا مؤلف " مفتاح الأبواب " مالذي جرى في قرية " نيالا " في طريق سفرهم الى مازندران فيقول:
" أن قرة العين عندما وصلت مع اصحابها الى تلك القرية دخلت الى الحمام مع القدوس ابتغاء الراحة من وعثاء السفر، وسمع بهم اهل القرية، فتجمعوا وتسلحوا وهجموا على البابيين وفرقوا شملهم وقتلوا منهم نفرا معدودين وجرحوا جماعة واخذوا اموالهم، وسلبوا احمالهم، ثم اطلقوا سبيلهم وهم عراة حفاة ". ان هذه الرواية ينكرها البابيون والبهائيون انكارا تاما ويعدونها من اكاذيب الخصوم.
يقول السيد كامل عباس الذي كان سكرتير المحفل البهائي ببغداد سابقا: " ان قرة العين كانت موضع ثقة العلماء وقد شهدوا بطهارتها في كل ادوار حياتها، اما ما ورد في كتاب " مفتاح باب الابواب " فهو مختلق وملفق، يذكر الدكتور علي الوردي بأنه تحدث الى السيد كامل عباس فسأله عن " فترة النسخ " وهل هي تشمل قواعد الزواج والطلاق مثلا فكان جوابه: أن الفترة شملت التكاليف التعبدية فقط كالصوم والصلاة ونحو ذلك، اما التعاليم الاخلاقية فلم يحدث فيها اي تبديل اثناء الفترة لأن الأديان كلها تتشابه في الاخلاق فلا فرق بين القديم والجديد منها ".
وقد ذكر المستشرق براون انه اثناء جولته في ايران في عام 1888 م قابل رجلا متحررا ينتسب الى النحلة البابية، فسأله عن قرة العين وما يتهمها به الخصوم من وجود علاقة مريبة لها مع القدوس، فقال الرجل مدافعا عنها: انهم يتهمون قرة العين بعدم العفة وهذا افتراء اذ هي جوهر الطهارة، ولكن ما يتهمونها به ربما وقع اثناء فترة النسخ اذ هي عاشرت القدوس معاشرة الازواج، غير انها بعد نزول الشريعة الجديدة صارت هي وجميع الاتباع متمسكين بها كل التمسك.

- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث – الجزء الثاني من سنة 1831 الى سنة 1872.....الدكتور علي الوردي – استاذ متمرس بجامعة بغداد.
- التشيع والشيعة ...... احمد كسروي – طهران – 1364 هجرية.
- عقيدة الشيعة ..... علي الحائري – كربلا 1384 هجرية.
- أحمد الاحسائي ( سيرة الشيخ احمد الاحسائي ) تحقيق حسين محفوظ – بغداد 1957.
- احقاق الحق .... موسى الاسكوئي – النجف 1965.
- الكواكب الدرية...... عبدالحسين آوارة – ترجمة احمد فائق رشد – القاهرة 1924.
- مطالع الأنوار .........محمد زرندي – ترجمة عبدالجليل سعد – القاهرة 1940.
- E. G. Browne ( A Year Among The Persians) Cambridge 1927 - P. 65.
- البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم ....... عبدالرزاق الحسني – صيدا 1957.
- مفتاح باب الابواب... محمد مهدي خان – القاهرة 1321 هجرية.
- عقائد الشيخية .... الملا احمد الخرساني.
- مختصر التحفة الاثني عشرية .... محمود شكري الآلوسي.
- (رسالة أمرية ) في ذيل الرسالة التسع عشرية -.... آغا مصطفى البغدادي – القاهرة 1338 هجرية.
- أعلام النساء ..... عمر رضا كحالة – دمشق – 1959.
- الحقائق الدينية في الرد على العقيدة البهائية .... محمد باقي الجلالي – النجف.
للبحث صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال
منير كريم ( 2020 / 4 / 19 - 16:06 )
تحية للكاتب المحترم
اود ان اسأل
كيف وصلت البهائية الى مصر؟
شكرا جزيلا


2 - البهائية في مصر
كامل علي ( 2020 / 4 / 20 - 09:04 )
تحية عطرة
بدأت الدعوة إلى الديانة البهائية في مصر، عام 1868م، عن طريق بعض المهاجرين الإيرانيين وتجار السجاد الإيرانيين واسس كلا من حسين وباقر كاشاني أول مركز للبهائية هناك ، لكن انتشارها ظل قاصراً على عشرات الأشخاص، حتى زيارة -عبدالبهاء- خليفة بهاءالله وأبنه البكر إلى بورسعيد عام 1910 وقضائه عاماً كاملاً فيها، نجح خلاله في استقطاب مئات الأشخاص إلى العقيدة الجديدة

اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم