الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا والوجود المستحيل

كمال عيسى

2020 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما كان يجدر بنا مسائلة تلك اللحظة التي لم نكن ننتظرها، والتي أبانت عن حقيقة، ما فتئت تتكشف لنا طيلة أيام هذه الجائحة بالرغم من أنها ليست في جوهرها لحظتنا، لكن لبسناها كغيرها تحت تأثير الإغراء الغربي الذي لا يزال الكثير منّا في حالة عشق له حتى وهو في محطة من أكبر محطات الانهيار التي يمر بها كما يذكر الفيلسوف الفرنسي أونفري، هذا مع الفشل الذريع الذي تعرفه منظومته المجتمعية والفكرية في معالجة هذا الوباء الصحي العالمي .

لقد داهمنا الفيروس وفرض علينا منطقه بالحجر والعزل، وفي الوقت الذي كان ينبغي أن نكون أشد إيمانا وأكثر اتزانا لا لأننا مسلمين فقط بل وأيضا لأن الوضع بقليل من التدبر نجده لا يستحق كل هذا الذعر الذي دفعنا إلى حالة وجودية تتسم بارتفاع منسوب " الأنا " فينا، والركض نحو الإفلات من الموت بمزيد من الأنانية تجلت في تخزين السلع والمنظفات الصحية والكمامات دون مراعاة لعدم قدرة البعض منّا على ضمان قوت نهاره، ثم بعدها المضاربة في قوت الناس بمنطق أنا وبعدي الطوفان، وتمضي أيام الحجر لتطوّيق انتشار الفيروس بين ثنائية الهلع واللامبالاة، ولو تأملنا في هذه الثنائية لوجدنا أنها تعكس قيمة اللحظة التي نعيشها مع بعض ومن دون بعض.

سيقول قائل لكن أبان المجتمع عن روح تضامنية أيضا، وهي حقيقة تأكيدها لا يخفي ما وراءها من تصرفات تعمق حالة الشعور الفائق بالخوف والرغبة في تأكيد الوجود الفردي وسط الجماعة، هي حالة الإنسان العربي الذي يعيش التناقض بالتناقض في زمن الكورونا، حيث تسحبه المتناقضات إلى ساحة المواجهة العلنية مع الذات، مواجهة إما أن تعيده إلى ذلك النبع الصافي الذي يختلف حتما كل الاختلاف عن دائرة الفكر النيولبرالي في نسخته العربية الهجينة، أو يبقى تائها في أزقة الوجود المستحيل يخوض حروبا لا يملك عدتها وعتادها فيواصل في اللامعنى تماما كما قال المفكر الإيطالي صاحب كتاب ( الإنسان الحرام ) في معرض توصيفه لمجتمعه هذه الأيام ..: " أكثر الحروب عبثية هي الحرب مع عدو يقيم في داخلنا لا بالخارج ".
والعدو الذي بات يسكننا حتما، هو من صنع تراكمات سياسية واقتصادية اتسمت على مدار عقود متوالية بالفشل، أنتجت لنا نفسية مهزوزة لا تملك القدرة على إحكام السيطرة إزاء الخوف من الندرة، بل وأصبحت الندرة الآن مرادفة لموت يدق على الأبواب الموصدة.
هذا الوضع رأينا صور منه في محلات أوروبا الكبرى التي وصل الأمر بها إلى تقاتل الناس على أوراق المراحيض في مشهد تتقزز له النفوس، وتوج بتلك السقطة الأخلاقية المدوية في المفاضلة بين حياة إنسان وآخر وفق اعتبارات السن وإغراء الحسابات النفعية على حد قول الفيلسوف الألماني ذائع الصيت هابرماس في مقابلة له نشرت مترجمة في جريدة لوموند الفرنسية.
كل هذا يبدو واضحا بالنظر إلى ما أنتجته الحداثة وما بعد الحداثة من واقع لإنسان أعلن (بضم الألف) أنه بديلا للإله، ثم برمج على أنه الإنسان الأخير الذي يوقّع نهاية التاريخ، لكن ما لا يمكن السكوت عنه وإغفاله وجود هذا الإنسان الإله بيننا في شوارعنا وأحيائنا في ثوب المؤمن الذي يتعبد في المساجد إلها غيره، في حالة فريدة من الشيزوفرنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ