الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإله يروى سيرته 2

جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)

2020 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنه يكلم نفسه الآن فالكائنات الحية لم تخلق بعد كى تسمعه ,أما الكائنات السماوية الآخرى فلا يكاد يأبه لها ولن يخاطبها إلا نادرا وبصورة عابرة وهى تأخذ دور المتفرج فى أفضل الأحوال لا دور المساهمة .
فهناك على وجه الغمر ظلام وروح الله يرف على وجه الماء وقال (( ليكن ماء ))فكان ماء أول أمر إلهى ولا أدرى لماذا صيغة الأمرهنا فليس هناك من يأمر نفسه ثم تتوالى أوامر الخلق فى أيامه السته .
الإله يكلم نفسه لا يتكلم عنها فهو لا يقول من هو أو ماالذى هو عازم عليه ، العبارات التى يتفوه بها قاطعة لا يراد لها أن تنقل شيئا لأحد أو أن تفسر شيئا إنما أن تتحقق وحسب وخاصة أولى عباراته ليكن نور كأن هذا المشهد لا يحتاج لسارد .
نحن هنا نرى عمل جارى وما يستوقفنا فى الفاعل هوأنه يتكلم دون أدنى تردد مع أنه لا يكلم سوى نفسه فهو لا يتسلى ، يوجد شىء ما واضح فى ذهنه وكل مرحلة من مراحل مشروعه تؤدى إلى الأخرى دون إبطاء بل بأشد ما يكون السرعة فالنور أولا ومن ثم قبة السماء والماء من فوقها ومن تحتها بعد ذلك فصل الماء السفلى كى تظهر اليابسة ثم إنبات اليابسة التى إنحسر عنها الماء حديثا ثم الشمس ،القمر ، النجوم ، المخلوقات الحية ، ووحوش الأرض الآن وبعد أن أصبح كل شىءجاهزصدرت ذبذبة ، كلمة ، شارحة تفسر لماذا كل ما سبق إنها (( صورة )) فالإله يريد صورة له (( لنصنع الإنسان على صورتنا )) إذن الخالق يخلق عالما لأنه يريد إنسانا ، وهويريد إنسان لأنه يرغب بصورة ، لا شك بواعث أخرى كان يمكن لها أن تدفع إلى هذا الخلق كأن يرغب الإله بخادم شأن كل آلهة الشرق الآدنى القديمة ،وكان يمكن له أن يرغب بمحب ،أو يرغب بمن يعبده ،إلا أنه حتى الآن لم يكن يريد الحب أو العبادة أو أى شىء أخر بل يريد صورة ، أما سبب ذلك مازال فى مجال التخمين .
يقول مايلز : يوجد حذر وإحتراس فما الذى يخفيه الله ؟ الله يبدو وحيدا تماما دون زوجة ،أخ ،صديق ، خادم ، أو حتى وحش أسطورى ، فأية حياه هذه التى تختلف تماما عن حياة الإنسان هنا يمكن لنا أن نخمن وحسب .
يشير مايلز : يوجد تناقض وتجاذب بشأن اليوم السادس من أيام الخلق الستة , فالإله يأمر الذكر والأنثى الذين فرغ حالا من خلقهما (( أن إنمواوأكثروا وإملأوا الأرض وأخضعوها )) مشيرا أن النص يقول ((كان ذلك )) لكنه لم يكن كذلك فالذكر والأنثى لم يكونا فى تلك اللحظة قد كشفاعن نمائهما أو خصوبتهما بعد ، كما أنه كان بعد كل عملية خلق يستطرد قائلا ((ورأى الله ذلك أنه حسن )) إلا أنه لم يقل ذلك حين يتعلق الأمر بالإنسان فبعد ستة أيام يستريح الخالق فجأة فى هذه اللحظة الأولى من تاريخه معنا هو مزيج من القوة والضغف ومن العزم والندم .
بعد أن إستوى كل شىء ثمة أوامر معينة وهناك محظورات لأول مرة وهى تبدو لخير الإنسان ومصلحته لكن يأتى السؤال إذا كان ينبغى على الإنسان أن يخضع الأرض كما فى رواية الخلق فلماذا إذن لا يسمح له بمعرفة الخير والشر ؟
يرى مايلز : لقد بدأ نوع من القلق يتنامى بحدة بين الرب وصورته خاصة بعد أن خلق له المرأة فعندما تقول الحية للمرأة أنها لن تموت إذ تأكل من شجرة معرفة الخير والشر بخلاف ما قاله الرب فإنها تقول الحقيقة فعلا الرجل والمرأة لن يموتا إذا ما إنتهكا أمر الرب الإله وهما فعلا لم يموتان كما حذرهما الرب (( يوما تأكل منها تموت موتا ))هنا هل تمثل قدرة الحية على إحباط مخطط الرب الإله تشكيكا بقدرته ؟ وهل تعتبر الحية منافسا له ؟ أم أن حدث الإغواء برمته مرتب ومعد مسبقا ؟ هل الحية عميل سرى لدى الرب أى أنها تقوم بهذا الدورمن غير قصد أو دراية ؟
يجيب مايلز عن كل هذه التساؤلات قائلا (( يمكن لنا أن نتفادى هذه المتاعب جميعا مع الإحتفاظ للحية بدور المحتال وذلك بالقول أن الرجل والمرأة قد ماتا فعلا ولكنه موت روحى وليس بالجسد وهذا هو التفسير الاهوتى الكلاسيكى أى سقوط الإنسان فى الخطيئة لكننا سنرى مرة بعد أخرى أن هذا السرد الذى نقرأ لا يميل إلى المعانى الروحية أو الرمزية إنما هو مولع بقصص الخيال والإحتيال من كل نوع !
تأتى نقطة الإنعطاف فى الأحداث حيث يكتشف الرب الإله أن الرجل وزوجتة قد عصياه ، هنا يبدأ أول ظهور للرب الإله كشخصية أدبية وأول ظهور للندم الإلهى الذى سيتكرر مرات عديدة بعد ذلك ، اللغة التى يتحدث بها الرب ويصدر أوامره بعد عصيان الرجل والمرأة هى لغة يمكن لأى بشرى أن يستخدمها ، وبعد عقاب الحية وخضوعها المفرط دونما إعتراض لا تعاود الكلام أو الفعل مرة أخرى أى إنسحاب تام من مسرح الأحداث .
الحية أحبطت مخطط الرب فقد نطقت بالصدق عن شجرة نطق عنها الرب كذبا الحقيقة الحية تبدو كأنها نسخة منه لا خصم لذلك فإن عقاب الرب لهذين الزوجين يكاد يكون جائر ، فبعد أن أعطى لهما كل ما خلقه ليخضعوه ويعتاشوا عليه إلا أنه الآن يسترد هذه الهبة ، مع هذا الإسترداد تلتغى كل ترتيبات الرب للإنسان ، فالإنسان أفشل مخطط الرب لكن بالرغم من ذلك ما الذى يدفع الرب الى الرد بهذا التسرع والقسوة على معصية المرأة وغلطة الرجل التى تبدو بريئة ؟
لقد كان بمقدور الرب أن يقدم لهما عدد من الخدمات وهو يسوقهما خارج الجنة كان ممكن أن يطعمهما أو أن يعلمهما بما ينتظرهما فمع أنهما خلقا بالغين إلا أنهما حديثا الولادة فى هذا العالم وعاجزان ، كان ممكن أن يقول لهما ما يخفف تلك اللعنة التى لا تزال ترن فى مسامعهما ، أوأن يشرح لهما ما إضطره لفعل ما فعل لكنه لم يقم بأى شىء ومع ذلك فإن هناك ثمة حنو إذا يختار أن يسترهما كإشارة وداع !
الحنان يزيل النقمة لكنه يجعل التناقض أكثر إثارة فالرب الحنون تجاه مخلوقه هو نفسه الذى يقول فى آية تأتى بعد ذلك مباشرة (( هو ذا آدم قد صار كواحد مننا يعرف الخير والشر والآن لعله يمد يده فيأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل منها فيحيا إلى الدهر )) هذا برهان آخر على أن الحية كانت تقول الحقيقة ((لن تموتا إنما الله عالم أنكما فى يوم تأكولان منه تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفى الخير والشر وهذا ما حدث فعلا .
فلماذا حاول الرب الإله أن يخفى أن هذا ما سيحدث ؟
لماذا أراد أن يحول دون أن يحيا الإنسان إلى الأبد ؟ وإذا ماكان دافع الله الوحيد لخلق الإنسان أن يكون صورة الله وما دام الله يعيش للأبد فلماذا لا يعيش الإنسان للأبد ؟
المدمر
ندمت على خلقى لهم )) التكوين ))
على الرغم من أن الرب وضع الإنسان فى جنة عدن ليفلحها ويحرسها إلا أننا نلمس أنه مناهضا للزراعة وكان ذلك واضحا فى إختياره العمل الزراعى كعقاب لآدم على الخطيئة ، وتأتى قصة قابين وهابيل صورة واضحة لهذا الصراع القائم منذ القدم ، طبعا قصة قايين وهابيل تمثل صراع ماقبل التاريخ بين الرعاة والمزارعيين أو بمعنى أخر صراع الخير والشر ، ولكن هذه القصة تقول أشياء أخرى عن الرب فالرب الإله حين كساهما أقمصة من جلد لم يعطيهما هدية وداع بل إشارة إلى أن علاقته بهما سوف تتواصل . فما هى هذه العلاقة ؟ فهما لا يعرفان طبيعتها ، ولا نحن نعرف ايضا ، الأوامر المتعلقة بأشجار جنة عدن لم يعد لها أية أهمية ، والأمرالسابق ((بأن ينمو ويكثروا )) لم يتم إلغاؤه ، ولكن ما الذى يمكن للرب الإله أن يريده أيضا ؟ وما الذى يريد أن يفعله ؟ وماذا ينبغى للإنسان أن ينتظره بعد هذا الإنقلاب ؟
يقدم كلا من قايين وهابيل تقدمات للرب ولكن لما هذه الأضاحى فالرب لم يطلب شيئا ومع ذلك ينظر لى تقدمة هابيل مما يغضب قايين ، ويرى مايلز :أن عقاب قايين هوتشديد لعقاب آدم فالرب الإله قال له ((ملعونة الأرض بسببك بمشقى تأكل منها طول أيام حياتك ))، أما عقاب قايين فتمثل فى أن الأرض لا تثمر ، قايين يرى فى هذا العقاب قطع بعلاقته بالرب (( من وجهك أستتر )) ، قايين وهابيل لم يكتشفا أن الرب أن كانت تقدم له التقدمات إلا وهما يقدمان تقدماتهما والرب نفسه لم يكتشف دورة كمنظم شئون البشر إلا حين يبدأ تنظيمها وها هو الإنسان يكتشف كيف تكون حياته بعد جنة عدن ، وها هو الرب يكشف أويحدد كيف ستكون علاقته بصورته فى الوقت الذى راحت فيه هذه الصورة تعيد إنتاج نفسها فى ظروف شديدة الإختلاف عن تلك التى خطط لها .
وللحديث بقية مع قصة الطوفان لنرى مدى التصدع فى الشخصية الإلهية التى ستتحول فجأة إلى مدمر بدون سابق إنذار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن