الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاومة الحرب النفسية

بولات جان

2020 / 4 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هنالك الكثير من الحروب التي يشنها قوة ما على قوة أو هدف آخر. هنالك الحروب الساخنة و المباشرة أو التي يتم استخدام النار و السلاح فيها و هنالك الحروب الاقتصادية، و الحروب الثقافية و العديد من أنواع الحروب الأخرى عبر التاريخ. و كذلك هنالك الحروب النفسية و التي تعتمد على الدعاية و الهجمات الإعلامية المختلفة و التي نسميها بالحرب الخاصة. نحنُ الكرد لنا باع طويل في التصدي للحرب الخاصة القادمة من الدول طوال عقود من الزمن.
الدول المهيمنة لم تكتفِ باحتلال كردستان و استغلال مقدرات بلادنا و إنكار هويتنا بل عملت بكل ما في وسعها لتطبيق سياسة حرب شاملة لطمس الهوية و قتل الشخصية و القضاء على كل القيم الوطنية الديمقراطية الأصلية للشعب الكردي.
تلك الدول لم تكتفِ بمنع اللغة و الثقافة و القيم الكردية، بل عملت على جعل الشعب الكردي يتهرب من حقيقته و يتقبل عن رضا هذا الصهر القومي المقيت. حيث بات الكثير من أبناء الشعب الكردي يخجلون من حقيقتهم و لا يتلفظون بكلمة كردية و يتحولون إلى عرب-فُرس- أتراك، أكثر بكثير من أبناء هذه القوميات. لكن الحرب الخاصة لم تكن ضد الشعب الكردي فقط، بل كانت موجهة إلى الجماهير العربية و الايرانية والتركية أيضاً، حيث باتت هذه الشعوب من أكثر الشعوب (حمقاً و غفلة) في العالم.
هذه الدول مارست من خلال دوائر الحرب الخاصة شتى أنواع غسل الأدمغة و التشويش على العقل الكلي للجماهير، حيث استخدمت الرياضة و خاصة كرة القدم و السينما و الأفلام و القنوات الفضائية و الجرائد و الإذاعات و المدارس و حتى المساجد في هذه الحرب القذرة. فالإعلام و الرياضة و السينما التابعة لهذه الانظمة تعد منابر للحرب الخاصة بالدرجة الأولى.
فقد جعلت هذه الحرب الخاصة الشاملة من الجماهير الشعبية تبتعد ألف ميل عن رؤية الحقائق أو حتى الشعور بالعبودية و القهر الذي يرزحون تحتها. و كل الذين يتحررون من براثن الحرب الخاصة للانظمة القمعية يتحولون إلى أهداف لوحشية الأمن و الجيش و الدوائر المخابراتية. فقد رأينا كل ما آل إليه حال الثوار و اليساريين و المعارضين الذين نادوا بالعدالة و الحرية و رفضوا الخنوع للنظام الاستبدادي، الشمولي و الفاشي.
شعوب المنطقة عامة و الكردي خاصة وجهاً لوجه أمام أبشع الحروب إن كانت من خلال الجيش أو الحرب الثقافية و الإعلامية و النفسية أي الحرب الخاصة. الجيش و الحكومة و الإعلام و كل الأحزاب الكلاسيكية متحالفة لمحاربة الشعب الكردي. فالإعلام الرسمي التركي و السوري و الايراني من أقذر المؤسسات في المنطقة و هي بعيدة كل البعد عن القيم و الأخلاق المعروفة لدى الصحافة الحقيقية. فكل يوم هنالك العشرات من الأخبار الكاذبة و الهجمات الشرسة في الجرائد و التلفزة و الانرتنت. لكن هذا الإعلام الشوفيني(إن كان الحكومي أو المعارض منه) لا يكتفي فقط ببث الأخبار الكاذبة، بل يدعو من خلال المقالات و الحوارات الصحافية إلى نبذ الأكراد و تحريض الجماهير الغوغائية و المتشربة بروح الشوفينية على مهاجمة المواطنين الكرد و التشهير بالقيم و المؤسسات الديمقراطية الكردية و كيل الشتائم و السباب القذرة على الشعب و الشخصيات الكردية.
الإعلام الرسمي بأكمله، الفضائيات و الراديو و الجرائد و المجلات و مراكز الإعلان و الدعايات و الوكالات و الصحافيين يتحركون حسب أوامر الحُكام و الجيش و الدوائر الأمنية و يعملون وفق التوجيهات التي تصدرها لجنة الإعلام التابعة للدولة الخفية. أي ليس هنالك إعلام حر أو مستقل، و ليس هنالك سير خبري صحيح و صادق، أي ليس هنالك أية مصداقية أخلاقية أو مهنية للإعلام الرسمي التركي و السوري. لذا يجب أن لا ننخدع أو نصدق أي شيء يبثها هذه المؤسسات من أخبار. و الأنكى من كل ذلك أن الإعلام الخاص و حتى الإعلام(المعارض) ليس بأفضل حالاً من الإعلام الرسمي و خاصة في تعاطيه مع الشأن الكردي و حقوقه القومية، و كأنها تنافس إعلام الحكومة في مدى قلبها للحقائق و طمسها للهوية الكردية و السعي إلى استخدام القوة الكردية لأجل مآربهم و أجندتهم الخاصة.
الأمر ليس متعلقاً فقط بالأخبار و الأنباء و الاستطلاعات و التحقيقات الصحافية، بل يتخطى الأمر إلى البرامج الترفيهية و حتى الثقافية و الدراما. على سبيل المثال ، فالمسلسلات التي تنتجها القنوات التركية بعيدة كل البعد عن الحقيقية المعيشية للشعب التركي، و هي مسلسلات تهدف إلى إلهاء الجماهير و إدمانها على هذه الأمور التافهة و التعلق بأحداثها. و هنالك بعض المسلسلات الموجهة إلى الجماهير الكردية، حيث نلاحظ استخدامهم لبعض الأسماء الكردية و تصويرها في بيئة كردية، مع العلم بأن فحوى هذه المسلسلات لا تتعدى احتقار الأكراد و إظهارهم للعالم و كأنهم متخلفين و عشائريين و ليس لهم شغل شاغل سوى أمور العشيرة و العشق و الثأر القبلي. منتجي هذه المؤسسات يتعدون على القيم الكردية و يستخدمون أسماء مثل (زيلان و ديلان و بيريفان) في هذه المسلسلات التافهة. و من المؤسف أيضاً بأن بعض الأكراد البسطاء ينخدعون بهذه الألاعيب و يدمنون على متابعة هذه المسلسلات التافهة. و الأنكى من كل ذلك هو تسويق هذه التفاهات إلى العالم العربي عبر دبلجة هذه المسلسلات و خاصة من قِبل شركات سورية و بتمويل خليجي. بالإضافة إلى المسلسلات هنالك الكثير من الأغاني و الكليبات الهابطة التي تفتقر إلى أبسط القيم الفنية و المعايير الثقافية المتقدمة. و لا تخلو كمبيوترات الشباب في سوريا و الدول الأخرى من أشباه لأغاني هذه الحثالة الفنية. هنالك العشرات من القنوات التركية و العربية الخاصة بالأغاني على مدار الساعة، و أخطر هذه القنوات هي التي تتموه بطابع (معارض) و التي تبث أحياناً بعض الأغاني الكردية، فهذه القنوات تعمل على منافسة قنواتنا الوطنية الحرة و التقليل من عدد مشاهديها. أن التعاون العربي-التركي على انتاج و دبلجة و بث مسلسلات مسيئة إلى مشاعر الشعب الكردي و ثوراته و قيمه أمر لا يمكن القبول به و هو يأتي ضمن استراتيجية القضاء على الكردي الحر و غسل دماغه.
بالإضافة إلى الأخبار و المسلسلات و الكليپات هنالك الرياضة و خاصة كرة القدم التي تلعب دوراً كبيراً في الحرب الخاصة. فقد باتت المجتمعات الاستهلاكية منقسمةً على نفسها بحسب تأييد فرق كرة القدم. كثيراً ما تحدث المعارك الطاحنة بين مؤيدي هذا و ذاك الفريق. هذه المعارك تجعل الإنسان يقلق على هذه الحالة من انعدام المنطق و العقل. فقد باتت هذه الجماهير الكبيرة من المؤيدين و المتناحرين فيما بينهم كالبهائم التي تتحرك وفق الغرائز البدائية الهمجية. فبدلاً أن يفكر هؤلاء بالمستقبل الاقتصادي و السياسي لبلادهم فهم في حالة جنونية في تشجيع فريقهم و محاربة مؤيدي الفرق الأخرى. و هذا الأمر أيضاً يصب في صالح الأنظمة التي تريد أن تبقى الجماهير في نومها الوردي، و عصرها الجليدي... و لكن هيهات أن تبقى الشعوب نائمة!
من المؤسف جداً بأن جماهير واسعة من الشعب الكردي يتابعون و يشجعون بعض فرق كرة القدم و يستميتون في تشجيعهم و لا تفلت منهم مباراة واحدة على الإطلاق. و من المحزن أيضاً بأن عدد كبير من المثقفين و الطلبة الكرد لم يتخلصوا بعد من هذا المرض، فنراهم يحترقون شوقاً إلى متابعة مباراة بين هذا الفريق و ذاك و يعلقون رايات لبلدان اجنبية في غرفهم و أسرتهم.
الدول تعمل من خلال ثالوث (الجنس) و (الرياضة) و(الفنون) على إفراغ الإنسان من كل قيمه الإنسانية و المعنوية. هذه الحرب موجهة إلى كل الذين يتابعون بأي شكل من الأشكال و في أي مكانٍ كان وسيلة من وسائل إعلام السلطة أو نتاجاته من أفلام و مسلسلات... الخ. و هي موجهة إلى داخل الصف الكردي بشكلٍ خاص. حيث هنالك مساعي حثيثة و جهود لدائرة الحرب الخاصة للتسرب إلى داخل البيت الكردي و غزو عقولنا من خلال الإعلام و خاصة القنوات الفضائية.
الأمر ليس متعلقاً باختلاف الأذواق و الهوايات بين الأشخاص. بل الأمر يتعلق بحرب خاصة يجب الحماية منها و اخذ التدابير اللازمة ضدها. فكما نقوم باتخاذ التدابير اللازمة ضد الغارات الجوية و نحفر الخنادق للحماية من القصف المدفعي، كذلك يجب الاقتراب بنفس الجدية و أخذ التدابير اللازمة ضد الغزو الفكري و الحرب النفسية و الثقافية التي تشنها الدول دون توقف ضدنا. و كل ضعف في خطوطنا الدفاعية تعني نصراً للعدو.
ثقافتنا الكردية الأصيلة و فنوننا الثورية الديمقراطية أقوى و أغنى بألف مرة من الثقافة الهابطة للمؤسسات الرسمية الهجينة. لذا سيكون مؤسفاً جداً أن نتهرب من هذه الثقافية إلى ثقافة الحرب الخاصة الرديئة التي تقتل الروح و الذوق السليم و الحس الإنساني الراقي و لا تخاطب سوى الغرائز و الشهوات الآنية و نقاط الضعف الشخصية لدى ضعاف النفوس.
الأمر لا يتوقف فقط في حدود الإبتعاد عن مصادر و قنوات هذه الحرب، بل يجب شن الحرب ضدها و مكافحتها و نقد كل من يقترب منها أو يعمل على نشرها بيننا. نحنُ الشعب الكردي لدينا ثورتنا، كفاحنا و مواضيع حياتية مهمة يجب النقاش حولها في حياتنا و نقاشاتنا اليومية، و ليس صحيحاً النقاش حول هذه المباراة و هذا الفريق و هذا المسلسل... الخ. و يجب توجيه الانتقادات الشديدة إلى كل شخص يتهاون في هذا الأمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال