الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأيٌّ في نَشأةِ المُجتمعِ والدَولةِ واللغةِ

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2020 / 4 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الدولة لغويا من الفعل دال وتغيّروتعاقب , ورد في لسان العرب : الدَّوْلةُ الانتقال من حال إِلى حال ودولة بينهم يَتَداوَلونه مَرَّة لهذا ومرة لهذا , والدَّوْلةُ والدُّولةُ : العُقْبة في المال والحَرْب ، وفي القاموس المحيط الدَّوْلَةُ انْقِلابُ الزمانِ ، وهي كذلك السُّنن التي تتغيَّر وتتبدَّل , أما الأمة فتتكون من مجموعة بشرية متجانسة تجمعها عناصر موحدة مثل اللغة والتاريخ المشترك .
أما في المصطلح فيبدو أن تعريف الدولة يتوقف على وظيفتها ووظائف الدولة كثيرة حتى أن هوبز وصفها بالتنين , فتارة ينظر للدولة على أنها تجمع سياسي يتكون من اقليم وشعب وحكومة تمارس السلطة السياسية والقانونية بحيث تكون قراراتها ملزمة ومهيمنة لذلك قال فيبر بالعنف الشرعي ويشترط بهذا التجمع أن يمتلك سيادة واعتراف الآخرين .
وتولد الدولة نتيجة الحاجة إلى التنظيم فقد تصور القديس أوغسطين وتوما الأكويني وهوبز ولوك وروسو أن الدولة تمثل حالة انتقال من الصراعات إلى السلم والتنظيم فهي عقد اجتماعي , فيما يرى آخرون بأن الدولة على الضد من ذلك فهي تعبر عن استبداد واحتكار مجموعة صغيرة لمقدرات شرائح واسعة لذا يجب أن تزول ليسترد الانسان حريته .
ونرى بأن البذرة الأولى للدولة تمثل بالعائلة المفردة فحينما أحس الإنسان بحاجته لتلبية غرائز الجوع والجنس والأمان اتجه نحو الآخر إذ من غير الممكن اشباع هذه الغرائز بمفرده فاتجه أولا نحو المرأة الزوجة فالحاجة إلى الزوجة تمثل تلبية للغريزة الجنسية وتلبية للحاجة إلى الأمان وتلبية لمتطلبات العمل والدفاع عن النفس أيضا وحين دفعته غريزته للحفاظ على زوجته وتملكها له وحده بدأ تكوين العائلة المفردة وأصبحت المرأة بعد ذلك قاسما مشتركا بين الزوج والأولاد وبعد أن بدأت العائلة تتناسل وتتقارب مع غيرها بالتزواج كانت هناك العائلة المركبة إذ يعد طلب الزوجة ومن ثم الحفاظ عليها فضلا على متطلبات العمل والدفاع ضد الاعداء مدعاة للتقارب مع عوائل أخرى وسببا لمد الجسور نحو أناس آخرين وهكذا ظهر مجتمع مصغر مكون من مجموعة من العوائل المركبة من الأزواج وأخوتهم والأولاد والأحفاد حتى ظهرت العشيرة ومن مجموع عشائر متعددة تكونت القبيلة ومن تجمع قبائل متعددة تكون الشعب .
ومن جانب آخر يبدو أن الإنسان الأول بدأ يشعر بأن الحفاظ على نفسه وتلبية غرائزه في جو من الأمان أفضل بكثير من تلبيتها في أجواء التحديات الطبيعية والبشرية لذلك فكر بتوفير مكان مناسب فظهرت المساكن .
ومن جانب آخر كان ارتباط تنوع الحياة بالعمل ومتطلباته أيضا فبعد أن كان الإنسان الأول يعتاش على ما يتوافر أمامه من جنس وغذاء تطلبت الزيادة السكانية والمنافسة وقلة الموارد على ظهور الصراع والخصومات مما أدى إلى التفكير بخلق وسائل دفاعية تمثلت بالأسلحة البسيطة مثلما أدى ذلك إلى البحث عن مصادر أخرى للعيش فظهرت الحاجة إلى الأدوات المساعدة في ذلك مثل الفأس والمسحاة والمطرقة وهنا ظهرت طبقات جديدة تمثلت بالمحاربين والصناع وتطلب وجود هذه الطبقات ظهور طبقات أخرى توفر لهم المواد التي يحتاجونها وهكذا مع هذه التشعب في الحاجات فمع كل حاجة تظهر طبقة جديدة حتى أصبحت الحياة بحاجة إلى من يتعهد بتنظيمها وسن القوانين الأكثر دقة لها وبما أن الإرادات البشرية متعارضة ولا يتحصل اتفاقها بسهولة لذلك كان من يمتلك الأقارب الأكثر عددا ومن يمتلك الموارد الأغنى هو الذي فرض تلك القوانين وهكذا تكونت المدينة التي كانت مركزا للصناعات والتجارة وسكنا للصناع وأصحاب الحرف والباعة وبعد هذا التوسع العددي والجغرافي أصبح ضروري أن يفكر الانسان في كيفية تنظيم حياته وتخطيط محل السكن فظهرت التخصصات والمهن والوظائف .
وإذا كانت الغرائز هي السبب الأساس في التكوينات البشرية الأولية فإن الحاجات الروحية هي التي أمدتها بنسغ الديمومة والبقاء وساهمت في الرقي العقلي والعاطفي عند الانسان وساعدته في انفصاله عن عالم الحيوانية وأعتقد بأن تلك الحاجات بدأت بالتعاطف الذي تكون نتيجة الألفة والاختلاط المستمر ومن هنا نشأ حب الآخرين وتقديسهم في الحياة أو بعد موتهم ومن هنا ظهرت القيم والمحرمات والمبادئ ومن ثم تطورت هذه إلى الأديان والأخلاق .
أما فترتبط اللغة برقي الدماغ وبالممارسة العملية والتواجد ضمن مجتمع وبدون هذه الشروط لا يمكن أن تكون هناك لغة .
لكن كيف بدأت اللغة ؟ ولماذا اقتصرت على الإنسان فقط ؟
وضعت فرضيات متعددة لتفسير نشأة اللغة منها :
1ـ فرضية التوقيف وتقول بأن اللغة من عند الله .
2ـ فرضية الاصطلاح وتقول بأن اللغة نشأت عن طريق الاتفاق بين مجموعة من الناس .
3ـ فرضية محاكاة أصوات الطبيعة (البو ـ وو) .
4ـ فرضية محاكاة معاني الأصوات (الدنغ دونغ) .
5ـ الفرضية العاطفية أو التعجبية (بوو ـ بوو) .
6ـ فرضية الاستجابة للحركات العضلية (يو ـ هي ـ هو) .
لكن هذه الفرضيات قد تفسر بدايات اللغة لكنها لا تفسر كيف بدأ التفكير اللغوي لأنها كلها إذا استثنينا الفرضية الأولى قد تنطبق على الانسان والحيوان فلماذا ارتقى الإنسان بلغته فيما ظل الحيوان يعيش على ردود أفعاله الغريزية ؟
لقد مرّ القول بأن شرط اللغة الأول هو رقي الدماغ وتنيمه بطريقة هيأت له الاستجابة اللغوية المنظمة , ثم أن التنظيم الدماغي كان سببا مضافا إلى سببي الممارسة والعيش ضمن المجتمع في نشوء التفكير اللغوي .
ويمكن القول أنه بمجرد أن يتعرف الإنسان بوصفه كائنا حاز على الشروط المتقدمة على الأشياء تدفعه الحاجة إلى فهمها أو التفاعل معها أو اختزالها ولدت اللغة وولدت المفاهيم فهذه الشروط الثلاثة تمثل أسس ولادة التفكير اللغوي ومن ثم تصب كلها في خلق المفاهيم , فالمفهوم أداة لغوية مكنت الإنسان على الفهم والتفاعل مع غيره وبدونه لا يمكن أن يكون هناك فهما للأشياء ولا للوجود .
يتولد المفهوم من ملاحظة الجزئيات وأخذ السمات المشتركة بينها وطرح تلك التي تختلف معها في عملية تشذيبية حتى يكون هناك خيطا رابطا بين تلك الجزئيات فلو أخذنا مثلا مفهوم الإنسان فهذا المفهوم يجمع حيثيات ملايين البشر ويطرح الاختلافات بينهم , ومن هنا ساعد هذا المفهوم والمفاهيم الأخرى الانسان على الاستمرار بالتجريد وجهة أخرى لولا المفهوم فإنه من غير الممكن تكوين تصور عن الإنسان ولا يمكن معرفة الإنسانية ولا حتى فهم ما الفرق بينه وبين المخلوقات الأخرى وبذا يصبح المفهوم مادة التفكير الأساسية , لكن السؤال هل ابتدأت اللغة بالمفهوم بمعنى هل أن التفكير اللغوي بدأ مفهوميا ؟ والجواب لا حتما , فالمفهوم عملية تالية لملايين الملاحظات والمفردات الجزئية وهذا الفرق المائز بين الإنسان والحيوان فقد وقف الحيوان عند تلك الملاحظات والمفردات ولم يرتقي إلى معرفة المشترك بينها أي إلى صناعة المفهوم عكس الإنسان لذلك نجد أن معرفة الحيوان تقتصر على التعامل مع الجزئيات كل على حدة لذا يتصرف في كل مرة تصرفا كأنه يمر بالحادثة لأول مرة فالحيوان الذي يخاف من شعلة ملتهبة لأنه تعرض لحرارتها ربما لا يخاف من موقد من الجمر لأن خلايا دماغه لم تكن بمستوى تنظيم خلايا دماغ الإنسان , لأنه لم يدخل في ممارسة جماعية تكون لديه خبرة متبادلة مما جعله لا يستطيع أن يكون مفهوما عاما عن النار ليتجنب كل مصادرها .
وتختلف ممارسة السلطة من دولة لأخرى فمن الدول ما تتكون من اقليم واحد وحكومة واحدة ودستور واحد ومنها ما تتكون من اتحاد دولتين متحدتين فيدراليا أو كونفدراليا في النوع الأول يكون هناك دستور واحد يجمعهما ورئيس واحد يحكمها وسياسة خارجية واحدة وحكومة اتحادية وجيش وطني واحد أما إذا كان الاتحاد كونفدراليا فتبدو الروابط بينها ضعيفا يقتصر على قضايا سياسية واقتصادية ومن امثلته : الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي .
ووظائف الدولة تتمثل في تطبيق القوانين وتحقيق العدالة وتنظيم العلاقات الخارجية وتسيير عجلة الاقتصاد وتمشية الحياة المجتمعية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية للمواطنين وتنظيم الواجبات المترتبة عليهم بحسب مؤهلاتهم وحماية البلد من الاعتداءات الخارجية وحفظ الامن ومنع الفوضى الداخلية وتوفير أفضل أنواع الحكومات لشعبها بما يتناسب ومتطلبات العصر والحالة الثقافية للمجتمع وكتابة دستور مناسب .
ويرتبط نشوء الدولة بحب السيطرة فقد كانت الدولة تمثل تنظيما سياسيا يمثل مصالح الطبقة المسيطرة اقتصاديا لذلك لكي تحافظ على وجودها لا بد لها أن تمارس القسوة والقمع ضد من يعارضها ويرى ابن خلدون في مقدمته أن الدولة ظاهرة اجتماعية طبيعية فهي تنظيم نشأ بدءا من سلطة العشيرة ويضيف (( إن الآدميين بالطبيعة الانسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون متغلبا عليهم بتلك العصبية والا لم تتم قدرته على ذلك , وهذا التغلب هو الملك وهو أمر زائد على الرئاسة لأن الرئاسة سؤدد وصاحبها متبوع وليسله عليهم قهر في أحكامه وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر )) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات