الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (14) وجها لوجه - الجزء 2

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ساد الاعتقاد عند جل المغاربة بأن الحجر الصحي الإجباري هو حل كفيل بإنهاء مشكل الفيروس نهائيا. فبالرغم من كل الشروح التي تناولت المراحل التي تمر منها العدوى بالفيروس للوصول إلى ظهور المرض، والتي حددها المختصون في أربعة عشر يوما على الأقل، يبقى هؤلاء متشبثين بفكرة أن الحجز الصحي الإجباري هو الخلاص من الوباء وكفيل لوحده بالقضاء عليه.
من هنا ظلوا يؤكدون عليه وعبر الكثير عن هذه الرغبة بجملة "الا مادخلتوش راه احنا مغادينش نخرجو" بمعنى إذا لم تمكثوا في البيوت فلن نغادرها أبدا، إن هذا التعبير لمواجهة هاته الجائحة يبقى أساسيا للاحتماء، و لكن عدم إدراك الحجر كفعل احترازي للحد من الجائحة فقط، وإن المشكل الرئيسي هو عدم وجود دواء أو لقاح خاص بالجائحة، وأن كل الحلول العلاجية لازالت في طور التجربة، يحرف هدف الحجر من فعل وقاية واحتماء إلى فعل علاج طبي، ويعلن عن عدم القدرة على استيعاب دور الحجر من طرف جزء من المجتمع بشكل عقلاني . إن هذا الوعي للوضع الحالي للوباء يعلن عن شبه قطيعة بين جل أفراد المجتمع والمقاربة العلمية للأوبئة والإمراض والكوارث، إن كانت إنسانية أو طبيعية . ومن هنا نستنتج هذا التباعد الموجود والمتجذر بين فهم أو تمثلات شريحة من المجتمع لظاهرة ما وبين واقعها العلمي. إن غياب الإدراك العلمي لمعرفة الأشياء كون ويكون حاليا عائقا صلبا لاستيعاب مفهوم الفيروس و قوته المدمرة. إن غياب الإدراك العلمي للوباء جعل الخطاب لا يعير اهتماما لمفهوم الوقاية أو العزل داخل البيوت لتجنب العدوى. إن اختزال فكرة الاحتماء من الجائحة بالمكوث في البيوت واحترام الحجر الصحي الإجباري تشعر بانعدام التفاعل العلمي لصالح المقاربة الغيبية الميتافيزيقية، إن هذا الوضع ليس بجديد بل هو المتداول عند شريحة كبيرة من المجتمع المغربي. الجديد في الأمر هو أن الجائحة أبرزت أكثر عمق هذا الواقع الفكري. يمكن القول أن هذا الأمر يعود لاستبطان المغاربة للتفسير الغيبي لكثير من الكوارث التي حلت بالعالم وأودت بحياة الآلاف من الأفراد، إن التفسير المعتمد في المجتمع المغربي إن كان عند عامة الناس أو المتعلمين لا ينحو منحى البحث عن التفسير العلمي للظواهر أو الكوارث الطبيعة، إنني لا أعني استعمال التقنية العلمية بمفهوم استعمال الآلات الحديثة والتي ليست إلا تحديثا ميكانيكيا. إن الكثير من الدارسين والممارسين للعلوم الصلبة لا زالوا في تفكيرهم الذي تربوا عليه، بل قد ينطق أحدهم بخطاب لتبخيس العلم الإنساني أمام علم الله، وكأننا عندما نتحدث عن الإدراك العقلي للإنسان ندخل في منافسة مع الله.
في كثير من الحالات مجموعة من الممارسين للعلوم في شتى المجلات لا يعتبرون أنفسهم محل تغيير بسبب معرفتهم العلمية، فهم إما يضعونها جانبا، فهي أداة اشتغال فقط، أو يجعلوها بعملية انتقائية تخضع لتأويلات تشرعن معتقداتهم التي يصبغونها بطابع علمي أو لغة علمية. فالسائد هو الإدراك الغيبي للوقائع. يتم باستمرار اللجوء إلى تفسير ما استعصى على الفهم بأنه فعل إلهي مع انحياز بشكل مستمر إلى مفهوم العقاب الإلهي للإنسانية التي انحازت عن تعاليمه. الفكرة الأخرى التي يروج لها دائما هو إن الله حامي للمسلمين والإسلام، إن فكرة الأفضلية جد راسخة في الأذهان، فالله اختار واصطفى المسلمين عن كافة البشرية وهم في المرتبة العليا والله مواليهم على غيرهم. من هنا فكل الكوارث الصحية والاجتماعية والبيئية هي تأتي في إطار عقاب الله للجاحدين له وللمعتدين على المسلمين. دائما في إطار اعتقاد قوة الإيمان عند المسلمين فعندما يصابون بجائحة أو كارثة فهم ينهجون تأويلا مخالفا لتأويلهم لنفس الفعل لغير المسلمين ويرون فيه ابتلاء لهم لتقوية إيمانهم، وإن الخلاص هو العبادة والابتهال أكثر لكي يرفع الله العقاب عنهم، ومن خالف هذا الفكر فهو كافر ويوجب تطبيق القصاص عليه. إن التفاعل مع الأحداث والوقائع في المجتمع المغربي يحضر فيها هذا المفهوم المتعارف عليه اجتماعيا ليرتب الأحداث ليس لصالح الفرد الإنسان ولكن لصالح الشعائر الدينية المدمجة في الطقس الاجتماعي، فهاته الشعائر لا تؤثث فقط المكان والزمان ولكن تحدد يوميات الإنسان المغربي وتحدد مصيره.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التلغراف: تعاون بين الحوثيين والقاعدة ينذر بمزيد من المخاطر


.. مصدر مصري: قصف حماس لمنطقة كرم أبو سالم تسبب في تعثر مفاوضات




.. مشاهد للدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي لعدد من المنازل في


.. خبراء: حظر -تيك توك- له تداعيات كبيرة على 7 ملايين شركة أمير




.. معلمة أميركية تعتدي جنسيا على طفل في صفها يبلغ من العمر 11 ع