الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (14) وجها لوجه - الجزء 3

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتجلى هذه المقاربة في بعض التأويلات التي تعزو اختيار تاريخ انتهاء الحجر الصحي في عشرين من الشهر الجاري لأنه يوافق بداية شهر رمضان، وهذا أمر لا يستبعد. فقد يغلب الديني الشعائري على القرار الصحي. إن هؤلاء المعللين لتحديد الفترة الزمنية للحجر الصحي الإجباري ينفون توافق صيام رمضان مع وضعية العزل، ، فالصيام في حاجة للجوامع وإلى الجماعة، أن تبقى الجوامع مغلقة في هذا الشهر الذي يعتبره المغاربة شهر عبادة وصيام وورع هو من المحرمات حسب تعبير هؤلاء. هذا التأويل خلق للكثير نوعا من الطمأنينة، لم يستشعر المغاربة أن الجائحة ليست فعلا اجتماعيا ممن الممكن استبعاده لصالح فعل آخر ولو كان دينيا. هناك من أخذ في القول بأنه يجب التأكيد على رفع الحجر الصحي الإجباري لكي نصوم في وضع أفضل، بدا البعض يتحدث عن ذلك كشيء مؤكد. فإن كان حدث يغير في الزمن المغربي فهو شهر رمضان، كل شيء يأخذ وجها ووضعا جديدين: الطعام، اللباس، العبادات، إن ممارسة العادات والتقاليد التي يعيشها المجتمع المغربي في فترة رمضان هاته تهل في منتصف شهر شعبان. إن من عادات المغاربة إن كانوا داخل بيوتهم أو أصحاب محلات تجارية هو الاستعداد بتهييء لوازم شهر رمضان . فعلى صعيد البيوت تهتم النساء بتنظيف البيوت وتجميلها، بتحضير المأكولات والحلويات و التوابل والملابس الخاصة بهذا الشهر، أما بالنسبة للتجار فهم إن كانت تجارتهم الأصلية هي بيع المواد الغذائية فسيضيفون لها كل الأطعمة الخاصة بشهر رمضان وإن كانت لديها تجارة حسب المواسم فهم يعتبرون شهر رمضان هو شهر أكبر مدخول سنوي. عادة في هذا في هذا الشهر تكون الحركة دائمة ومستمرة. فكل معتاد على طقوس هذا الشهر سيشعر بخلو الأجواء من كل تلك الروائح التي تنبئ بإقبال رمضان.
إلا أن الناس مكثوا في بيوتهم ولم يتسابقوا للتبضع، هاته المرة ليس خوفا من السلطة وليس خوفا من الجوع ولكن خوفا من المرض، ربما الكثيرون منهم يأملون في رفع الحجر في التاريخ المحدد له، الشيء المغاير هو أن الحديث عن الموت خصوصا من طرف أولئك الذين كانوا يرغبون في الآخرة هو الآخر غاب عن الأسماع، وتبقى فئة قليلة من المجتمع قررت إقامة الصلاة بشكل جماعي على السطوح، يعتقد البعض أنه نوع من المناوشة للسلطة إلا أنه من الممكن أن نفسر هذا الفعل بالخوف من المرض والموت وتبقى عقيدتهم هي الأقوى ويظل الدعاء هو الوسيلة الوحيدة للخلاص.
إن الإعلان عن الوفيات جعل الخوف يدب في نفوس الكثير من الرافضين لحقيقة المرض أو الذين لا يرغبون في تغيير نمط حياتهم، ارتفاع عدد المستشفين جعل المرض حقيقة، انتشار خبر الموت على صفحات التواصل الاجتماعي وانتشار الأخبار بين الساكنة في حديثهم عن موت قريب لهم أو أحد من معارفهم جعل الخوف يخيم على جل المواطنين. مع كوفيد 19 بدا الحديث عن شهر رمضان يخفت، الشيء الذي يمكنه اعتباره خارجا عن المألوف. إن ارتفاع عدد المصابين والمتوفين ضرب في الاعتقاد أن الحجر الصحي الإجباري هو نهاية الوباء.
إن الثقافة المجتمعية أبانت عن عدم توافقيتها مع التعليمات لمواجهة الوباء بحيث وبالرغم من احترام الحجر الصحي الإجباري اتسمت هاته الفترة بظهور بؤر للفيروس، وهي تهم عائلات بأكملها، إن البؤر الجديدة فسرت بعدم التزام الحجر الصحي لبعض أفراد هاته العائلات، فهم كانوا يغادرون بيوتهم باستمرار وربما نقلوا العدوى لذويهم. إن هذا حتما أحد الأسباب الرئيسية، إلا أن هناك سببا آخر هو علاقة مباشرة بالثقافة المجتمعية المغربية، أول شيء أن الكثير من المغاربة استوعبوا الحجر ولكن لم يستوعبوا طريقة العزل أي الوقاية من العدوى بخلق المسافة الحافظة للفرد داخل البيوت، أن بعض الأفراد الذين خالطوا أو شكوا في مخالطة أحد المصابين بالفروس لم يخضع نفسه للعزل داخل الأسرة. فالكثير فهم أنه يكفي المكوث في البيت لتجنب العدوى ولم يفهموا أن العزل هو أيضا تدبير داخل المنزل للمدة المعلومة التي صرح بها الخبراء. إذن المغاربة بعد تبضعهم عادوا إلى بيوتهم وتابعوا حياتهم اليومية بالشكل المعتاد أي الاختلاط وعلاقة القرب والمشاركة في كل شيء والاستعمال المشترك لكل أدوات البيت. إن هذا التصرف لايخص طبقة دون أخري ، بل هو فعل ثقافي واجتماعي يعيشونه كل المغاربة إلا القلة القليلة. إذن عدم خلق علاقة التباعد الجسدي وعدم الاحتراس هو من الأسباب التي أدت إلى انتشار العدوى داخل الأسر. إن الثقافة التي تحمل خطابا أو فعلا يمكن أن يجسد كممارسة للاحتراس من الأوبئة غير مستبطنة من طرف المغاربة. إن إشكالية وعي الذات وعلاقة التباعد مع ذات الآخر لست فقط مسألة أخلاقية ،بل هي في العمق إلغاء الآخر من الفضاء المشترك، هناك نوع من ثقافة الحيازة للمكان التي تجعل التسابق والتزاحم أحد الممارسات المكرسة في المجتمع المغربي، إن الفرد في كليته لايعترف له بمكان أو زمان عائلي خاص، ومن هنا يصبح الفعل المشترك هو الفعل السائد وإن كان لايرضي البعض ، فالثقافة المجتمعية تجعل منه سلوكا محتما لاتقاء النزاعات والاختلافات، إن الثقافة المجتمعية المغربية تعتمد على التكيف لتجنب الاصطدام. إن المسالة لا تتعلق بالنظافة اليومية للبيوت أو الأشياء أو الطعام، بل نقر بأن نظافة البيت في المجتمع المغربي جد مرسخة. إن ما نتحدث عنه والذي أصبح عائقا في زمن كوفيد 19 هو غياب ثقافة وممارسة الاحتماء من العدوى والأوبئة في الثقافة المجتمعية المغربية، فمن المعتاد أن ترى المغاربة يأكلون الفواكه والحلويات بدون احتراز عند الباعة. إن التعليمات لتصدي لوباء الكوفيد 19 تستوجب سلوكيات كانت تمارس في الحياة العادية للفرد، أو وعي دائم بتطابق الفعل مع نصائح الاحتراس، اي الوعي بانتقال الأمراض بين الأشخاص، عبر اللمس أو العطس أو الأكل أو الممارسات الجنسية، زيادة على استعمال الأواني بشكل مشترك. كما قلنا سابقا، إن المشكل ليس مشكل تنظيف، فتنظيف الأواني والأماكن هو فعل يومي لدى العائلات المغربية ولكن المشكل هم تغيير الفعل من تنظيف عادي لتعقيم. إن الفيروس يتطلب أكثر من ذلك، فهو يتطلب العزل في كل الأشياء.وهذا عكس المتعارف عليه في الثقافة المغربية. فمن العيب أن ترفض تقاسم كأس شاي أو قطعة حلوى أو أي شيء آخر، إن اكتشاف بؤر للعدوى داخل البيوت خلق تحد جديد للدولة ولإمكانياتها لاستقبال عدد المرضى.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط