الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات حول الصيام

وائل المبيض

2020 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما أقوله هنا، أريد له أن يكون كليا يونيفرساليا، أي يصلح للجميع، للمؤمن وغير المؤمن بالله. فلطالما اقترنت سيرورات التذويت بنوع من الممارسات الزهدية والتقشفية القاسية، ولطالما اقترن تهذيب النفس بنوع من الصيام حتى في المجتمعات غير الإبراهيمية، كالمصريين القدماء، واليونانيون والصينيون والحرانيون.

بكلمات دقيقة يتحدث الأديب الأسواني عباس العقاد، عن الصيام، فيقول ان " الإرادة فضيلة الصيام "، فهي أدبه وحكمته المنشودة، ويشدد على أهميتها فيقول : من ملك الإرادة فإن زمام الخلق جميعا بين يديه. نجد ذلك عند الأغريق أيضا، فمن لم يستطع قيادة نفسه، لن يستطيع قيادة الناس.

الإرادة هنا، هي ذات الإرادة التي نادى بها كارل ماركس الإشتراكي، إرادة التغيير.
حيث تؤكد الماركسية أن العالم إكتفى من التفسير وبات بحاجة ملحة للتغيير. اذن التغيير هو الغاية والصيام هو الكيفية التي تضعنا على أول طريق التغيير؛ لإحداث تغيير في هذا العالم الطبقي الظالم.
لماذا الصيام ؟
لإختلاف الناس في بطونهم، و أفعالها على العقل والمشاعر، وكما يقول الرافعي : ان الصيام يتناول الذوات بالتهذيب والتدريب المشترك، فيحول بين البطن والمادة، وبهذا يضع الإنسانية في كفة واحدة. ففكرة الجوع تساوي بين الفقير والغني، الرئيس والغفير، الجوع يجعلهم سواسية ببطونهم الفارغة، الجوع بكونه نقيضا للشبع، فالأشياء كما تحدث الفيلسوف الصيني" لاوتزه"،مرتبطة بنقيضها، فمن دون النقيض الأشياء لا معنى لها. هنا يتبين لنا الرحمة والعاطفة الإنسانية بكونها مفهوم انبثق عن ألم الجوع.
الجوع الذي يروض العالم بأسره، على نظام نمطي معين من المعيشة، يقف الكل أمامه سواسية كأسنان المشط، والذي يستتبعه بالضرورة، خيرا للكل على مدار العام، نتاجا لهذا النمط الإصلاحي.

أعيد القول بأن الإرادة هي فضيلة الصيام، فنجد الصيام السياسي، كإضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام في سجون الإحتلال الإسرائيلي، بمثابة إرادة للتحرر ورفضا للغطرسة الإسرائيلي بحق أسرانا البواسل، وكذا الأمر لدى من يعانون من السمنة ويطمحون إلى إكتساب جسد رشيق، يمتنعون عن الطعام، و صيام العبادة لدى المتوصفة لتزهو ارواحهم وتسمو من ضغائن ورواسب الحياة، وعند الرياضيين كممارسي رياضة اليوغا.

لذا أرى أن مقصدية الصيام الأساسية، تربية الإرادة، بأن يوازن الفرد بين الهو والأنا العليا،بتعبير فرويد، فيصير إنسانا لا حيوانا يركض خلف الطعام والجنس، ويتقن الصبر والمثابرة والسعي الحثيث دون كلل أو ملل، في كل ما من شأنه إعلاء قيمة الإنسان، وهو بذلك يطبق أنبل شعار عرفته البشرية :الإخاء والحرية والمساواة.

ولا نغفل عن حقيقة كون الصيام نقيضا للرأسمالية، فالأخيرة ترتكز على غريزة بشرية " الجشع والطمع، الخ "، وعلى نزعة إستهلاكية، تحفز الفرد على شراء ما نحتاجه وما لا نحتاجه، وهكذا أضحت السمنة أحد أخطر أمراض العصر، ولعلاجها أنتج الرأسماليون سلعا أخرى خالية من السعرات، لندور في حلقة إستهلاكية تطيل في عمر الرأسمالية.
في حين أن الصيام كند لها، يرتكز على ترويض الإنسان وإعلاء القيم الروحية والأخلاقية لديه، تهذيب وتأديب يصب في صالح البشرية جمعاء، وليس من أجل قلة قليلة كما تفعل الرأسمالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز