الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
William Lane Graig : ( وهم الإله ) كتابٌ بصفحتين فقط !
عادل عبدالله
2020 / 4 / 26الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في دراسة للبرفسور وليم كريج – و هو شخصية فلسفية بارزة رفض داوكنز إجراء مناظرة علنية معها متذرعاً بحجج مضحكة سنأتي على ذكرها في مقال لاحق- يقول " كريج " إن كتاب وهم الإله لداوكنز لا يتضمن سوى صفحتين – من الفصل الرابع – تستحقان الحوار معهما، و هاتان الصفحتان ( 157 – 158 ) هما قلب الكتاب.
فماذا ورد في هاتين الصفحتين، و أيّ نقد موجع تلقّاه داوكنز من خلال نقد الدكتور كريج لهما؟ دعونا نفصّل المسألة، قبل التعرّف على مضمون نقد الدكتور كريج للصفحتين.
إذا جاز لنا أنْ نصف الأهمية البالغة التي يحظى بها الفصل الرابع بالنسبة لفصول كتاب (وهم الإله) كلّها – لا بالاستناد الى إعتراف داوكنز بهذه الأهمية فحسب، بل لأن جميع قرّاء الكتاب على اختلاف مستوياتهم المعرفية و اختصاصاتهم ينسبون مثل هذه الأهمية الاستثنائية للفصل هذا تحديدا – أقول إذا جاز لنا ذلك، فسنقول مطمئنين : إذا كان الفصل الرابع من كتاب داوكنز يقع بمنزلة القلب من الكتاب كلّه، فإنّ الصفحتين 157- 158 تقعان بمنزلة القلب من الفصل الرابع، الأمر الذي يعني من بعد، بأنّ هاتين الصفحتين تحديداً هما (قلب الكتاب) كلّه لأنهما يمثّلان أفضلَ حجج داوكنز لإثبات مهمته في (وهم الإله ) مما يعني أخيراً، أنّ صحة الحجج التي قدّمها داوكنز في هاتين الصفحتين، تعني أنّ مهمته في إثبات ( وهم الإله ) قد تكللتْ بالنجاح الكبير، و العكس صحيح، أيْ أنّ إثبات تهافت تلك الحجج الواردة في الصفحتين المذكورتين و تفنيدها، ليعني في الوقت ذاته، لا بطلان أقوى حجج داوكنز على إثبات (وهم الإله ) فحسب، بل انهيار مضمون كتابه كلّه و فشل مهمته برمتها .
فماذا قال داوكنز في هاتين الصفحتين؟ و ما هي الحجج التي قدّمها على سبيل إثبات وهم الإله، معتقداً أنها أفضل و أقوى حججه؟ هذه هي المهمة التي سيشرع الدكتور ( وليم. ل. كريج ) بانجازها ليعلن لنا عن النتيجة المذهلة التي توصّل لها و كالتالي : ( في الصفحتين 157- 158 من كتابه، يلخص داوكنز ما يسمّيه " الحجة المركزية في كتابي " و هي تمضي على النحو التالي :
أولاً : إنّ إحدى التحديات الكبرى للعقل الإنساني هي ما تتمثل بالإجابة عن السؤال : كيف يمكن للتعقيد غير المحتمل للتصميم أنْ ينشأ في العالَم .
ثانياً : إنّ الإغواء الطبيعي يحثّنا على أنْ نعزو ظهور التصميم في العالم الى التصميم الواقعي نفسه – أي الى مصمّم –
ثالثاً : غير أنّ مثل هذا الإغواء زائف، بسبب من أنّ فرضية المصمّم تواجه على نحو مباشر مشكلةً كبيرة مفادها : من صمّم المصمّم ؟
رابعا : إنّ التفسير الأكثر قوة و عبقرية هو التطور الدارويني عن طريق الانتخاب الطبيعي .
خامساً : ليس لدينا تفسير مكافئ – للتطور الدارويني – قدر تعلق الأمر بالفيزياء – أي بنظرية تخص نشوء الكون –
سادسا : إنّ علينا أنْ لا نغادر الأمل في إمكان الحصول على تفسير أفضّل يخص الطبيعة الفيزيائية، شيء ما، له من القدرة ما للدارونية في عالَم البيولوجيا .
نتيجة لذلك كله، و الاستنتاج لداوكنز، فإن الاحتمال الأكبر هو أنّ الله غير موجود )
نعم هذا هو المضمون الكامل بكل دقّة و أمانة علمية منصفة لما جاء به الفصل الرابع من حجج لإثبات (وهم الإله) !!
يقول الدكتور (كريج) معلّقاً : إن الحجة تُحدثُ صدمةً بلا شكّ، لأنّ الاستنتاج الإلحادي بأن " الاحتمال الأكبر أنّ الله غير موجود " يبدو و كأنه قد أتى على نحو مفاجئ من خارج المجال الذي يتمّ البحث فيه ) يضيف ( كريج ) : لستَ بحاجة لأنْ تكون فيلسوفاً لتدرك بأنّ النتيجة لم تنبثق من خلال تلك العبارات الستة السابقة . في الحقيقة، إذا ما أخذنا تلك العبارات الستّ كمقدمات لحجة تنطوي ضمناً أو تلمّح الى نتيجة مثل " لذلك فإن الاحتمال الأكبر أنّ الله غير موجود " فإن معنى ذلك أنّ الحجة و بكل وضوح غير صحيحة .
ثم في نوبةٍ من غضبٍ مكتوم يقول ( كريج ) مخاطباً داوكنز: ما من قواعد منطقية للاستدلال تسمح لك بانتزاع هذه النتيجة من تلك المقدمات الستّ، إنّ أكثر التفاسير رفقاً، يمكن أن يتعامل مع هذه العبارات الست هو تعامله معها، لا بوصفها مقدمات منطقية بل بوصفها عبارات موجزة لخطوات ستّ في حجة داوكنز المتصاعدة بإتجاه نتيجة مفادها " إن الله غير موجود " .
و لكن حتّى في مثل هذا البناء الشفوق، فإن النتيجة " لذلك فإن الاحتمال الأكبر أن الله غير موجود " لا يمكن أنْ يستخرج من تلك الخطوات الست، حتّى إذا سلّمنا أن كلأ منها كانت صحيحة و مبررة . )
ما الذي يمكن أنْ يَتْبع من الخطوات الستّ لحجة داوكنز؟ في الغالب أن كل ذلك الذي يتبع هو – و القول للدكتور كريج - : أنّ علينا أنْ لا نستنتج وجود الله على أساسٍ من ظهور التصميم في العالم [ فقط]. غير أنّ هذا الاستنتاج موافق تماما لوجود الله، بل أنه متوافق حتّى مع اعتقادنا المبرر بوجود الله، إذْ ربّما يجب علينا أن نؤمن بالله على أساس الحجة الكونية أو الحجة الوجودية أو الحجة الأخلاقية، ربّما أنّ اعتقادنا بوجود الله لا يتأسس على حجج على الاطلاق، إنّما يتأسس على التجربة الدينية أو على الوحي الإلهي . ربّما يريد الله لنا أن نؤمن به – بكل بساطة – عن طريق الإيمان . إنّ الموضوع المتمثّل برفض حجة التصميم سبيلاً لرفض وجود الله، لا يفعل أيّ شيء للبرهنة على أنّ الله غير موجود، أو أنّ إيماننا به غير مبرر حتّى . في الحقيقة، إنّ الكثير من اللاهوتين رفضوا الحجج المقامة على وجود الله دون أنْ يلزموا أنفسهم بأنْ يصبحوا ملحدين، لذا فإنّ حجة داوكنز لصالح الإلحاد فاشلة .
في الحقيقة أيضا أن العديد من هذه الخطوات الستّ زائفة بشكل معقول . لنأخذ – على سبيل المثال – الخطوة الثالثة حسب، حيث يزعم داوكنز فيها : أنّ أحداً لا يملك التبرير في اتخاذه التصميم تفسيرا أمثلَ للتعقيد المنظّم للكون بسبب من أنّ هذا التفسير يخلق لنا مشكلة جديدة مفادها : من صمّمَ المصمّم ؟ إن الردّ على هذا يأتي من جانبين على الأقل.
أولاً : من أجل أنْ نعترف بأنّ تفسيراً ما، هو الأفضل، فإنّ علينا أنْ لا نكون بحاجة الى تفسير التفسير، وهذه نقطة جوهرية متعلّقة بالتفسير الأفضل كما هو مطبّق في فلسفة العلم، مثال ذلك : إذا حفر علماء آثارٍ في الأرض و اكتشفوا أشياءً ما تبدو كأنها رؤوس سهامٍ و رؤوس فؤوس، و قطعاً فخارية، فإنهم يميلون الى تبرير ذلك مستدلين بأنّ تلك القطع الأثرية ليستْ نتاجَ صدفةٍ لعوامل الترسّب و التحوّل، إنّما هي منتجاتٌ لمجاميع بشرية غير معروفة، حتّى و إن لم يكن لديهم تفسير يتعلّق بمن هم أولئك البشر أو من أين أتوا . بالطريقة نفسها، إذا صادفَ أنْ عثر روّاد الفضاء على كدس من الآلات في الجانب الخلفي من القمر، فإنهم سيكونون على قناعة في الاستدلال بأنّ ما عثروا عليه هو منتج لقدرات ذكية كونية غير أرضية، حتّى و إنْ لم تكن لديهم أية فكرة عن تلك القدرات الذكية الفضائية أو كيف وصلوا الى هنا . معنى هذا، إذا أردنا الاعتراف بأنّ تفسيراً ما، هو الأفضل، فإن على المرء أنْ لا يكون بحاجة الى تفسير التفسير . في الحقيقة إنّ مطلباً كهذا يؤدي الى ارتدادٍ لا متناهٍ من التفسيرات، و هكذا لا نتمكن من تفسير أيّ شيء و بالتالي فإن العلم سيُدمّر . لذا ففي القضية قيد التداول، و من أجل أنْ نعترف بأن التصميم الذكي هو التفسير الأفضل لظهور التصميم في العالم، لن يكون المرء بحاجة الى تفسير المصمم .
ثانياً : يعتقد داوكنز، أنه في حالة المصمم الإلهي للعالم، فإنّ هذا المصمم له من التعقيد ما للشيء المصَمَم ليكون التفسير ممكناً، ولذا فلن يكون هناك أيّ تقدّم يمكن احرازه في التفسير . و مثل هذا الاعتراض يثير جميع أنواع الأسئلة المتعلقة بالدور الذي لعبَته البساطة في تحديد التفسيرات المتنافسة . على سبيل المثال، كيف يمكن للبساطة أن "تُوزن" مقارنة مع معايير أخرى مثل القدرة التفسيرية أو المجال التوضيحي و هكذا صُعداً ؟ لكن دعنا نضع هذه الأسئلة جانبا . إنّ خطأ داوكنز الأساسي يكمن في افتراضه بأنّ المصمم الإلهي هو كيان مماثل في تعقيده للكون .
بوصفه عقلاً غير مجسّد، إنّ الله كيانٌ بسيط بشكل ملحوظ . و بوصفه كياناً غير مادي، عقلاً غير مركّب من أجزاءٍ، و بصفات مميزة واضحة، مثل الوعي الذاتي، العقلانية، المشيئة، هي خصائص جوهرية بالنسبة لله . من هنا، و على النقيض من افتراض كونٍ عارض تلقائي منوّع، بكل مقاديره غير المفسرة و الثابتة، إن العقل الإلهي بسيط على نحو مذهل . ربّما يكون لمثل هذا العقل أفكار معقدة، غير أن العقل نفسه هو كيان بسيط بكل وضوح .
إنّ داوكنز قد خلط بكل تأكيد بين أفكار العقل التي قد تكون معقدة، و بين العقل نفسه، الذي هو كيان بسيط بشكل لا يُصّدق، لذلك فإن افتراض عقلٍ إلهي وراء العالم، هو بكل تأكيد من يمثّل إحراز تقدّم لصالح البساطة .
أعتقدُ أن ما قلناه يكفي لبيان بأن تلك الحجة لا تفنّد استدلال تصميمٍ يتأسس على تعقيد الكون، ناهيك عن استخدامه ذريعةً لتبرير الإلحاد .)
النقاط الست، خلاصة كتاب داوكنز
ليس في كتاب داوكنز " وهم الإله " من مضمون جادٍ قابلٍ للحوار سوى الفصل الرابع، و ليس في الفصل الرابع من الكتاب ذاته سوى صفحتين تستحقّان المناقشة، كما أشار الدكتور كريج في بحثه، بل ليس في الصفحتين المذكورتين سوى نقاط ستّ تمّ للدكتور كريج تفنيدهما.
في حقيقة الأمر أنّ النقاط الست التي ناقشها الدكتور كريج قد سبق لداوكنز عرضها في الصفحتين المذكورتين، غير أنني أرى أن تلك النقاط الستّ لم تكن في حقيقتها سوى نقطة واحدة أدّت الى بلوغها النقاط الخمسة السابقة عليها، و هذا ما ساعمل على إثباته الآن و كالتالي:
لمّا كانت التحدياتُ للذكاء الإنساني متمثّلة بشرح التعقيد الكبير و اللا إحتمالية العظيمة التي تظهر في الكون، و كان الإغراء الطبيعي متمثّلاً في رؤيتنا بإن ننسب لكلِ مصَّممٍ مُصمِّماً كالساعة مثلاً، فإنّ من المغري تطبيقُ نفس المنطق على العين و الجناح و العنكبوت و الإنسان. غير أنّ فرضية المُصمم تُثير فوراً السؤال الأكبر عن مصدر المُصمم نفسه، ذلك الذي ينسب المؤمنون له عملية التصميم كلّها. و هذا بوضوح ليس حلّاً لأنه يطرح لا إحتمالية أكبر، الأمر الذي يعني حاجتنا الى تفسيرٍ آخر هو الأبدع و الأقوى حتى الآن، و هذا التفسير هو نظرية التطور الداروني بالانتخاب الطبيعي حيث شرح لنا داروين كيف أنّ الأحياء بالرغم من لا إحتماليتها الكبيرة و الانطباع الذي يعطونه عن التصميم، إلاّ انها تطورت ببطء و بشكل تدريجي من بدايات بسيطة، و بإمكاننا القول بدون مخاطرة بأنّ وهم التصميم في الكائنات الحية هو مجرد وهم. و لأنّ مثل هذا التفسير يخصّ عالم الحياة حتى الآن – دون عالم الكون المادي – فسنكون بحاجة الى تفسير يخصّ الكون مخالفٍ لنظرية التصميم، و هذا يتطلب كمية أكبر من الحظ، و لكن المبدأ الإنثروبي يؤهلنا لحظ أكبر بكثير مما يمكن لحدسنا الإنساني ان يتقبله بارتياح .
نعم هذا هو المضمون الكامل الوحيد – الذي يستحق المناقشة – من كتاب داوكنز كلّه، فماذا يعني ذلك؟ أدع التعليق مفتوحاً للقارئ الكريم.
الهوامش
- Richard Dawkins Argument For Atheism in the God Delusion: DR. William Lane Graig http://www.evolutionary-philosophy.net/review_god_delusion.html
- Ibid.
- Ibid.
- Ibid.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في هذه الحالة.. الرد الإسرائيلي على إيران قد يشعل فتيل الحرب
.. بالخريطة التفاعلية.. مسيرتان تخترقان الدفاع الجوي الإسرائيلي
.. تصاعد الدخان إثر سقوط مقذوفات على الجليل
.. كيف استطاعت الطائرات المسيرات تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائي
.. الدعم الدولي شحيح رغم تصنيف أزمة النزوح في لبنان بـ-الكارثة-