الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم

فاطمة ناعوت

2020 / 4 / 26
المجتمع المدني


دولُ العالم الكبرى تأنُّ تحت مطرقة كورونا الجائحة الجامحة، ومصرُ الطيبة تحاربُ الفيروس، وتحمي أبناءها، وتنهض تنمويًّا وعمرانيًّا بيدٍ، وتساعدُ دولَ العالم الأكثر تضررًا من الجائحة باليد أخرى. تلك معجزةُ مصرَ الخاصة.
وهذا رمضان. شهرُ الفرادة والاستثناء والمحبة والبركة والكرم. لهذا ستكون أولى دعواتي لله عزَّ وجل في هذا الشهر: “اللهم ردّ أبناءَ مصرَ العالقين في كل أرجاء الأرض، ردًّا كريمًا إلى وطنهم العظيم، ليحتموا في حضن أمِّهم مصرَ من غول كورونا الأعمى. اللهم استجبْ، اللهم آمين.”
كنتُ دائمًا أتباهى أمام أصدقائي من الأدباء والأديبات العربيات بأن شهرَ رمضانَ في مصر، لا شبيه له في سائر بلدان العالم. وأن مَن لم يحضر شِطرًا من شهر رمضان في مصر، فقد فاته الشيءُ الكثير. شهرٌ لا يشبه أيَّ شهر آخر يمرُّ على مصر، ولا يشبهه أيُّ رمضانَ آخرَ يجوبُ العالم. فهذا الشهرُ الكريم يخرج عن كونه شهرًا دينيًّا، ليتحوَّل إلى سيمفونية احتفال بالحياة. يتبارى فيه الأطفالُ والشيوخُ، وما بينهما من أعمار، ليجعلوا منه كونشرتو شعبيًّا يعزف الأوركسترا فيه سونتات فرح وولائم وزينات وأنوار وألوان وتزاور وصلات رحم وسهراتٍ لا يعرفها إلا رمضان. لا تكادُ تعرف فيه المسلمَ عن غير المسلم. لأن المصريين على كافة عقائدهم وألوانهم وطبقاتهم المادية والاجتماعية والتعليمية يتسابقون في رسم الفرح على الوجوه وعلى جدران الأبنية وسماوات الشوارع والأزقة والميادين. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ في مصرَ طعمًا مميزًا، ونكهةً لا مثيلَ لها. ما السبب؟ إنه سرًّ المصريين الخاص، منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصرَ، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل. إنها فرادةُ المصريين في صناعة الفرح، وامتلاكهم مَلَكةَ "الاحتفال". هذا العام يزورونا الشهرُ الكريم ونحن في بيوتنا. وهذا حمايةٌ لنا وللوطن العزيز. لكننا سنهزم المحنةَ من بيوتنا، ونصنعُ الفرح في بيوتنا. ونستعدُّ للحياة بعد زوال الغمَّة بإذن الله.
المناسباتُ الدينية لدينا هي مناسبةٌ للحياة. فتلتقي السماءُ والأرضُ في قطعة موسيقية بديعة، ليست تشبه المقطوعاتِ السماويةَ الخالصة، ولا المعزوفات الأرضية الخالصة. مزيجٌ فريد. فقط في مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ سيد النقشبندي عند الفجر يشدو: "قُلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى"، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ محمد رفعت مؤذّنًا؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت عداه. وهذا العام أُضيف للأذان عبارةٌ توعوية مهمة: (ألا صلّوا في بيوتكم).
في السنوات الخوالي، كنّا تخرج رمضان فتجد الشوارعَ غارقةً في اللون والضوء والصَّخب. فكأنك في عيد قوامُه ثلاثون ليلةً متّصلات، ليغدو أطولَ عيد في التاريخ. الناسُ ساهرون لا يعرفون النومَ في ليالي رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. هو الشهرُ الذي لن تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصريٌّ، وليس دينيًّا وحسب. المسيحيُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه لا يليق أن يشبعَ وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب وهو في الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه على رؤوس الشوارع وتقاطعات الميادين مبتسمين يلوّحون له بالخير. يفتح نافذة سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ التمر لكي "يكسر صيامه". فإن قال لهم العابرُ: "شكرًا، بس أنا مسيحيّ!"، قد يُفاجأ بأجمل ردٍّ: "واحنا كمان مسيحيين، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط في مصر؛ أن يقفَ شبابٌ مسيحيّون ليسقوا ظِماء الصائمين المسلمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
ونحن صغار، كنا نجمع قروشنا ونركض إلى المكتبة لنشتري الورقَ الملوّن والصمغ ومقصّات الورق البلاستيكية، بعدما نكون قد جمعنا عصوات الخشب طوال العام وخبأناها تحت أسرّتنا، ثم نسهر مع أطفال الحيّ لنصنع زينة رمضان والفانوس الكبير الذي سيُعلّق في منتصف شارعنا. يتبارى أطفالُ كل شارع ليكون فانوسُهم أكبرَ، وزينتُهم أكثرَ أناقة وأكثفَ لونًا. لم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صانعي زينة رمضان، كانوا مسيحيين. رمضانُ شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد، ربّ الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. ونحبُّه اللهَ جميعًا، كما أحبَّنا اللهُ وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى.
يأتي رمضانُ كلَّ عامٍ ليؤكد أن دمَ المصريين واحدٌ، وعِرقنا العريقَ واحد، ونسيجَنا الصافيَ واحد، لا يعبثُ به العابثون. كل سنة وأنتم طيبون. كلُّ سنة ومصرُ العظيمةُ، عظيمةٌ. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصر العظيمة أم مصر العليلة ؟؟
john habil ( 2020 / 4 / 27 - 10:22 )
لا تكادُ تعرف فيه المسلمَ عن غير المسلم السيدة فاطمة انتهى
نعم يا سيدتي.... زينة ..افراح .. فوانيس مضوية ألعاب صبية حكايا شيوخ .. ولائم ,, هدايا زيارات وفي يوم العيد تياب جديدة ... عيديات نقدية زرفات وزرفات من كل الطبقات للتهنئة بالعيد نعم ويفيناً ومن أجمل الذكريات عشناها سابقاً وليس اليوم الآن إذا أشعلت سيكارة في الشارع أودخلت مطعما منزويا سيطالك اللوم والعقاب والسجن حتى ولو كنت غير مسلم !!! .. في العمل تفل الهمة وعلى الأفطار تكثر التخمة يشبعونك من الآيات والأحاديث وفي السوق بإسعارهم يحرقوك وعند المراجعة يطردونك بأخلاق سيئة أو بحجة الموظف يصلي وعندما يعودالموظف المؤمن تكون ساعة الدوام قد انتهت ودار ظهره وهو يتمتم اللهم أني صائم + يقرفوك بلحيتهم الكثة المنفورة ودشاديشهم البيضاء القصيرة وسبحاتم الطويلة وكلهم رواد الأزهر البخاري واصحاب الفكر السلفي الوهابي ... ولقد حذر عادل إمام من تصرفاتهم عندما قال للمرحوم عمر الحريري بطٌل الفن واشتغل في محمد رسول الله
أعجبني · رد · دقيقة واحدة


2 - مصر العظيمة أم مصر العليلة
john habil ( 2020 / 4 / 27 - 10:25 )

1- تيران وصنافير أين كانوا ولمن (( اصبحوا )) كاهن مسيحي فلسطيني وجد مدرجات البحر الأحمر باعهها في اميركا وثاني يوم عادت لدولة اسرائيل... وهي حقهم وهي تراثهم.. شو عن الجزيرتين مرصد اسرائيلي ؟؟؟ !!
2- القناة الثانية الجديدة ... من حفرها ولمصلحة من وما هي وظيفتها وأين يذهب ريعها ؟؟
3- الإهرامات هل هي تم بيعها ايضاً أم أنها أصنام سيكسروها كم فعلت داعش في سوريا والعراق ؟؟
4- البحر الأحمر : منتجعات ومعالم سياحية خارجية أم سوق حرة لللأجانب ؟؟؟
5- (( سيناء )) هل يتم إخلائها للساكنين الجدد في صفقة الفرن
6- الجيش : أكيبر وأقوى جيش عربي أصبحت مهمته الإستيلاء على ثروات وصادرات ومصانع ومخابز واراضي وعفارات ومعامل وطرفات وووو لوضع البلد في قفص عسكري سياسي
7- كل شيئ كوم وحرية الشعب في الرأي والتعبير والعبادة وشفاء المرأة وحريتها ومساواتهاكوم يساوي الصفر في بلد مخابرات وقضاء فاسد وتشريعات أزهرية ب


3 - مصر العظيمة أم مصر العليلة ؟؟
john habil ( 2020 / 4 / 27 - 10:30 )
في آخر قمة عربية عفد في القاهرة برئاسة العربي قرررت السعودية والإمارات الحرب على اليمن (( عاصقة الحزم) ) وبحضور بان كي مون (( الخائف والقلق دوماً على منصبه وراتبه)) وبمباركة الغرب ((( تجار السلاح )) وفي حينها أصبح محمد العربي مسخرة ملوك وأمراء الخليح وهم
يتجولون في القاعة وهو يلقي كلمته الله يرحمك يا عبد الناصر كان له رأي !!!

اخر الافلام

.. عشرات النازحين يفترشون الأرض في الحدائق ببيروت بعد أن فروا م


.. متطوعون يوزعون الحساء على النازحين في العاصمة اللبنانية بيرو




.. جرحى باستهداف مسيرة إسرائيلية شقة سكنية في مخيم البداوي للاج


.. إسرائيل تقطع الطريق بين دمشق وبيروت أمام النازحين




.. مشاهد تظهر تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا