الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- شيفرة دافنشى - .. وسقوط الأقنعة !

كريم عامر

2006 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مصر تصادر كتاب " شفرة دافنشى " وتمنع دخول الفيلم المأخوذ عنه ! ..
عنوان يحمل صدمة لكل مهموم بشئون هذا الوطن وكل مدافع عن الحقوق والحريات العامة وعلى رأسها حرية التفكير والإبداع ، فلا نستطيع أن نصف ذالك سوى أن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية قد إختلفت وتشاجرت على كل شىء ، ثم إتفقت على التعاون سويا للوقوف فى وجه الأعمال الإبداعية الجديدة بدعوى أنها تسىء للأديان أو تخالف المعتقدات الدينية السائدة .
كانت البداية عندما إحتدمت أزمة فيلم " بحب السيما " قبل حوالى عامين ، وكان الأمر عبارة عن تحرك مضاد لتحرك متعصبى المسلمين ضد رواية " وليمة لأعشاب البحر " ، كل طرف من الطرفين يحاول أن يثبت أنه أكثر تطرفا من الآخر ، وأشد رجعية وتخلفا ، وبعدها بدأت عمليات التصدى للإبداع الفكرى والفنى تتوالى ، فمن أزمة " سقوط الإمام " لنوال السعداوى إلى " الوصايا فى عشق النساء " لأحمد الشهاوى ، إلى مسرحية كنيسة محرم بك وحتى أزمة رسوم الكاريكاتير الأكثر شهرة والتى فجرت أعمال عنف واسعة النطاق فى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامى .
زال إستغرابى مؤخرا من موقف بعض الجهات المسيحية المصرية التى إنتهجت موقفا مشابها لموقف متعصبى المسلمين فى أزمة الرسوم الدانمركية ، وكأنهم يقولون لهم ما معناه " لا تنسوا موقفنا هذا !! " ، وكانت النتيجة وقوف بعض الجهات الإسلامية المصرية وبعضها من أكثر الجهات تطرفا مع فكرة مصادرة رواية " شفرة دافنشى " ومنع عرض الفيلم ، نجح التحالف ، وصار المبدعون هم الضحية ، فالكل يعزف الآن على هذه النغمة التى كانت نشازا قبل عقود من الزمن ، وأصبحت هى اللغة التى يجيدها الجميع .
الأمر لا يتعلق بجودة المادة الإبداعية أو ردائتها ، ولكنه يتعلق بحرية التعبير ، لا أتقبل أن تتدخل المؤسسات الدينية - الرسمية وغير الرسمية - فى عرض أو حظر أى عمل إبداعى ، إنها بذالك تتجاوز صلاحياتها ، فالدين له حدود ينبغى على رجاله أن يلتزموها ، وعندما يتجاوز الدين حدوده ويتدخل فى شئون السياسة والإقتصاد والثقافة ، عندها ستتحول مجتمعاتنا إلى منطقة ينمو فيها شبح الإرهاب والتطرف الدينى وتنتشر فيها جماعات العنف التى تتحرك تحت ستار من الدين ، وتقيد الحريات بإسم التعاليم الصادرة عن إله ما زاعمين أنها مقدسة يجب إتباعها والإلتزام بها فى كافة مسالك الحياة .
سقطت الأقنعة عن الجميع ، وإكتشفنا أن رجال الدين إسلاميون أو مسيحيون هم فى النهاية ليسوا سوى باعة وهم ، يجمع بينهم تغييب عقول الناس بالخرافات والدجل والماورائيات ، يرهبونهم بالعذاب الأخروى ، ويرغبونهم فى النعيم الأبدى بعد موتهم إن أطاعوا أوامرهم وساروا على نهجهم ، ويخيفهم ويرعبهم أن يظهر لهم من يقف فى وجه الوهم الذى يبيعوه للناس فى مقابل الجنات التى يعدونهم بها إن أطاعوهم وساروا خلفهم معصوبى الأعين ، يجمعهم هم واحد ، قطعنة بنى البشر ، وسلب عقولهم من أدمغتهم لأن إلههم الذى يتحدثون بإسمه هو الذى خلقهم وهو الذى يعلم مالذى يصلح لهم وقد رسم لهم طريقا ينبغى أن يسيروا عليه دون إعتراض أو رفض! .
تحركهم المصالح والتحالفات مع أصحاب السلطات السياسية ليشكلون فى النهاية صورة مستحدثة لنظم الحكم الثيوقراطية التى كانت تحكم الناس فى الماضى بفكرة التفويض الإلهى للحاكم الذى إختاره الله ليكون خليفة له على أرضه .
إنها مهزلة سخيفة أن تعلن دولة ما أنها دولة دينية ، سواء بإعتبار أن الشريعة الإسلامية هى مصدر رئيسى من مصادر تشريعها ، كما هو الحال فى وطننا المنكوب على أهله ، أو تطبيق بعض القوانين الدينية على أتباع طوائف معينة فى الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية وما شابه ذالك ، فمتطرفى المسلمين هم الذى أشعلوا جمرة التعصب الدينى فى هذا البلد الذى كان قبل نصف قرن من الآن مضرب المثل فى التعايش السلمى بين فرقائه الذين كان شعار " الدين لله والوطن للجميع " هو الذى يجتمعون ويتفرقون تحته ، كما أن التطرف المسيحى الذى نشهد بعض مظاهره هذه الأيام لم يكن له أن يظهر على الساحة لولا أن متعصبى المسلمين بدأوا العزف على هذه النغمة وصاروا يمثلون تهديدا لكل أتباع الديانات الأخرى ومن لا دين لهم داخل مصر .
إن بعض المسيحيين فى مصر يتصورون أن مواقفهم الحالية المضادة لمواقف التيارات المتطرفة ستكون كفيلة بحمايتهم من العنف والتطرف الإسلامى ، دون أن يدركوا أن مواقفهم المتطرفة على الجبهة المضادة هى بمثابة نصر كبير لأتباع التيارات المتطرفة الإسلامية التى تسعى إلى جذبهم لمنطقة الصراع ، فبدلا من أن يصبحوا أصحاب حق وضحايا لهجمة إسلامية بربرية متطرفة ، يصبحون فى نظر الجميع طرفا آخر من أطراف الصراع ، وحينها سيكونون قد أعطوا الفرصة سانحة للمتطرفين الإسلاميين لإعلان الحرب والقضاء عليهم وهو أمر من السهولة بمكان بالنسبة لهؤلاء المتطرفين الذين إما سيبيدونهم عن بكرة أبيهم أو سيجبرونهم عن الرحيل عن أرض آبائهم وأجدادهم ، لتفقد مصر عنصرا هاما من العناصر التى أسهمت على مر التاريخ فى بناء مصر المتعددة الأعراق التى لم يكن يفرق فيها حتى وقت قريب بين المسلم واليهودى - ناهيك عن المسيحى - ، وسيصبح يومها مسيحيو مصر أثرا بعد عين كما أصبح حال يهودها ...
فهل يستيقظ المصريون قبل أن تحرقهم نيران التطرف ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري