الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة وديعة استعمارية

اسماعيل خليل الحسن

2006 / 6 / 15
المجتمع المدني


لم يغادرنا الاستعمار حتى ترك لنا دولة, أسميناها الدولة الوطنية و إن كانت في حقيقتها وديعة من ودائعه, و كانت إحدى أهم مهماتها حراسة مصالحه. فنحن لسنا أمام دولة قامت على التعاقد بين حاكمين و محكومين, ولسنا أمام دولة قامت بحكم سيطرة طبقة امتلكت وسائل الإنتاج و فائض القيمة من أجل تلطيف الصدام و إخضاعه للنظام, فهذه حالة مخبريه لمجتمعات ما قبل اكتشاف قوانين التطور الاجتماعي و تطور علم الاجتماع, ومن ثم التأثير في مجرى التطور للحصول على نتائج مغايرة لما تريده نواميس التطور الطبيعي للمجتمعات, في الماضي كان ثمة توازن وليس طغيان للخارج على الداخل.
المشكلة ليست بتغليب ما هو قومي على ما هو قطري, جرى التخلص من الدولة القطرية أو جرى إهمالها حتى شاخت و ترهلت, إنما المشكلة في عدم تأصيل الدولة و تأثيلها حيث ظلت دولة مستعارة, ولم تدفع الاستحقاقات المطلوب دفعها لكي تتجذر وتشرش في عمق المجتمع. وحين أصبحت تلك الدولة مشكلة لولي نعمتها (الاستعمار) قرر أن يأتي بنفسه لاسترداد وديعته, فأصبحت مجتمعاتنا عارية مكشوفة لا تستطيع إعادة بناء الدولة الخاصة بها كما هو حاصل اليوم في الصومال ولبنان وكما سيحصل في العراق و في أي مكان آخر حيث ان الدولة كمفهوم حضاري ما زالت ليست من أولويات التفكير الجمعي لمجتمعاتنا غير الناضجة, فليس للدولة حيّز في تفكيرنا وهذا هو شأن جميع الأقوام التي تعيش مرحلة ما قبل الدولة بل ما قبل المجتمع.
إنها دولة يمكن إلغائها خدمة لشعار أيديولوجي,والسطو عليها بفكرة مذهبية أو عصبية, ذلك بسبب نمط تفكير ساد مختلف القوى السياسية, وهو إعلاء الأدلجة السياسية على ما عداها, فلم تخدم الدولة أية أيديولوجيا, إنما جرى العكس حيث سادت الممانعة فمن يمانع تطور الدولة تمانع الدولة مشاريعه وهذا يفسر سبب فشل التجارب الاشتراكية و الرأسمالية, وسيفشل شعار الإسلام هو الحل لأنه يتخطى مفهوم الدولة ليتماهى مع مفهوم السلطة التي هي الشكل البدائي الذي يحبذه السلاطين و الأمراء و الولاة ودعاة الحكم المطلق حيث " الحاكم الفاسد أفضل من فراغ الحكم". وحتى لا نظلم الإسلاميين فليسوا وحدهم من ينزلق في هذه المتاهة, بل جميع أهل الفقه الماركسي و القومي و الرأسمالي, إنما هو تبادل للتحكم و الاستحكام, حيث لم يعر كل هؤلاء عنايتهم للدولة, بل اعتبروها أمرا ناجزا و منتهيا بخروج المستعمر, في حين كان السؤال الذي يبحث عن إجابة على أي دولة ينبغي إقامة مشروعنا؟.
يجري الهروب من استحقاق الدولة عبر ممانعات محلية و إقليمية, فالانقلابات العسكرية و شخصنة الدولة بفرد أو مجموعة أفراد " القائد الرمز أو القائد الضرورة أو المحرر المؤسس" و الاستبداد السياسي و الفساد المالي وطغيان المصالح الضيِّقة كل هذه للإفلات من أسئلة تطرحها الحياة من أجل بناء دولة المؤسسات, و كان آخر ما حرر حل البرلمان الكويتي لصالح السلطة الأميرية تمسك المجتمع بها كردة فعل, حين انقض صدّام حسين على الدولة و سحقها.
ومن حالات الممانعة الإقليمية الهروب إلى مشاريع وحدوية غير ناضجة وذلك قبل انجاز ما هو قطري و تسديد فواتيره كاملة, أو عرقلة دول الجوار كإيران بالنسبة للعراق و كسوريا بالنسبة للبنان. وربما تتوحد كل الممانعات محلية كانت أو إقليمية أو دولية كما هو الآمر في فلسطين.
إن تداول السلطة و حقوق المواطنة الكاملة, يؤمن استقرار الدولة و يؤمّن إمكان استفادة جميع شرائح المجتمع كنصيب من عسل الدولة أو شوكها, فيصبح الدفاع عن الدولة مصيريا, و الآّ سنظل ندور في الحلقة المفرغة " طغاة و غلاة و غزاة". وقد حق قول شاعر عربي قديم:
إن لم يكن لامرئ في دولة امرئ = نصيب و لا حظ تمنى زوالها









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3