الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خروج المرأة إلى العمل بين الإيجابي والسلبي.

عبد العاطي الكحلاوي

2020 / 4 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- أي دور يلعبه عمل المرأة في المجتمع؟ هل خروج المرأة إلى العمل يشكل ضرورة ملحة للمجتمع أم أنه خروج عابر في السلبيات؟ وهل يمكن أن يكون إيجابيا أحيانا إلا أنه يصبح في وقت لاحق سلبيا؟

لا ريب فيه أنه من الصعب إعطاء قيمة أو حكما قطعيا، لكن المرأة تمثل نصف العرق البشري. إذن فمن المستحيل إقصاؤها أو تقزيم دورها في تأسيس المجتمعات وبناء الحضارات وإثراء الثقافات. لكن بعد إمعان النظر في قضية خروج المرأة للعمل يتبين أن وراء عملها الظاهر وما نراه منذ الساعة أنه عمل يحمل في طياته ما لا يحصى من الإيجابيات، ذلك ومنذ بداية هذا القرن، أصبحت المعيشة صعبة وقهر الرجل تحت الرأسمالية المتوحشة ولم يستطع مواجهة صعاب الحياة وحده، فاضطر الى قبول أمر أن تعمل زوجته كمعيل ثان للأسرة الصغيرة. فكان ذلك حتى إذا هلك زوجها أصبحت هي وحدها من يواجه صعوبة الظروف، وهذا من حقها.
وهذا جانب من الجوانب الإيجابية يكمن في أنها تساعد زوجها في تحمل مسؤولية الأسرة وفي تحمل أعبائها وفي زيادة الدخل الفردي. بالإضافة إلى ذلك فإنها تتعود وتتعلم مساعدة زوجها، وهذا يربي بين الزوجين حس التآزر والتضامن والتعاون... ومرة أخرى ما نراه بالعين المجردة وما نلمسه اليوم في الحركة النسوية؛ فالمرأة تتقن أعمال لا يتقنها الرجل وتتفنن فيها على أكمل وجه، كما أعتبر أفلاطون أن لا فرق بين المرأة والرجل، ويعترف أنها ذات إنسانية فاعلة وحرة مثلها مثل الرجل لا فرق بينهما إلا في إطار ما هو فيزيولوجي، وبالتالي بإمكانها أن تقوم بوظائف الرجل. ففي نظره قد تكون المرأة بالطبيعة والفطرة مثل الرجل تقوم بنفس وظيفته "1". بمعنى آخر رجل طبيب وامرأة طبيبة.
إلا أننا ما نراه في الغالب خلف قضية خروج المرأة للعمل من إيجابيات. لا يغفل أن هذا الجانب " الإيجابي " يستدعي ضده " الجانب السلبي ". وقبل الخوض في الجانب السلبي وما خلفه خروج المرأة للعمل من مخلفات وسلبيات أثرت في المرأة نفسها أولا ثم في أسرتها ومجتمعها ثانيا. ينبغي أن نأت بالواقع الأليم، الذي نحياه كل يوم، ونحن نرى المرأة لم تعد أميرة بيتها كما كانت واضطرت للعمل في المعامل والشركات... إذا بنا ونحن نلاحظ هذا كل يوم عند مرورنا بمحطة الحافلات، ونحن نرى وجه المرأة صباحا شاحبا منهكا منهارا كئيبا وقد أعياه الزمن ونحن لا نعلم الظروف، وحين يرجعن مساءا، نرى في وجوههن عبوسا وامتعاظا من ظروف العمل أو من الحافلة الجد مكتظة، حيث لا أحد عاد يقدرهن أو يعطيهن قيمة أو اعتبار أو حتى يسمح لهن بالجلوس وهو الأقوى منهن جسديا. هنا أرى شخصيا السلبيات التي ما فتئت تنعكس على المرأة نفسها أولا وعلى أسرتها ومجتمعها ثانيا. لأن المرأة اذا قامت بالجمع بين العمل خارج المنزل و العمل داخل المنزل فإنها ستكون مقصرة في عملها و مقصرة كذلك مع أسرتها كما أنها هي كشخص لن تجد وقتا للتصالح مع ذاتها. وخلفت لنا جيلا معاقا تربويا وعاطفيا وأخلاقيا. وإن فسدت الأسرة فسد المجتمع وخرج الأطفال إلى الشارع وتشردت ومن هذا تنبثق الظواهر، ظاهرة تلو الأخرى.
وهاكم قصة طال تأثيرها السلبي على المرأة أولا وعلى الأبناء ثانيا الذين لا ذنب لهم. إذا بي في يوم من الأيام في الوقت الذي دفعتني فيه الفروق بين الأزواج السعداء وببن الأزواج التعساء الأخذ الآراء ومناقشتها. كنت أذهب مرارا وتكرارا إلى محكمة الأسرة وأشاهد الكثير من قضايا الطلاق التي طال تأثيرها السلبي على المجتمع، كنت أطلع على آراء الكثير، وذات يوم صادفت قضية طلاق، وسرعان ما سألت الزوج عن هذا الطلاق. فاح لي في البداية أنه مر على زواجهما سبعة سنوات إلى الآن، ومنذ زواجهما وزوجته تعمل في أحد القطاعات، من الصباح إلى المساء، كما أنه كان يعمل هو أيضا من الصباح إلى المساء، ولا مشكلة كانت بينهما، يذهبا معا للعمل صباحا ويلتقيا مساءا. لكن مع مرور الزمن وبعد مرور حولين كاملين تم الإنجاب، حينها بدأت الأمور بالتعقيد، فالمرأة لم يتبق لها الوقت للجمع بين العمل وبين تربية الأبناء وبين عمل البيت بعد وفاة والدته، وكانت زوجته مسرة عن العمل رغم أنه كان عملا شاقا ويستغرق ساعات اليوم بأكمله، ولا يسمح لها بالعمل في البيت ولا يسمح لها بتربية الأبناء؛ فكان مصيرهم الطلاق.
علما أن الطلاق هو أم الظواهر، منه تنبثق الظواهر الأخرى، سميك حبة قمح في الأرض نبتت وتفرعت منها سنبلة. ذلك أن الطلاق يؤدي إلى ظواهر كثيرة منها الدعارة ومنها تشرد الأطفال الذي يؤدي إلى تعاطي المخدرات مما ينتج عن التدخين والإغتصاب...
وفي الوقت نفسه اطلعت على آراء الكثير من الأزواج الذين هزهم هذا الخروج إلى العمل هزة سعيدة؛ من تعاون وتضامن و تآزر ... فاتضح لي أن السبب يكمن في تنظيم المرأة وفي اختيارها العمل المناسب الذي لم ولن يكلفها وقتا طويلا ويسمح لها بالجمع بين العمل خارج المنزل والعمل داخل المنزل ويسمح لها بالتصالح مع ذاتها والخروج والسفر والتنزه .. وخير مثال على ذلك ما نراه في نساء التعليم، نظرا لساعات العمل القصيرة في اليوم ونظرا للأيام القليلة في الأسبوع ونظرا للعطل. إذن خروج المرأة للعمل يحمل في طياته سيفا ذو حدين فإن لم ولن نعرف ظاهره من باطنه سوف يقطعنا إربا إربا.
عصارة يهمسوني إليك سؤال: ألا ترى بأن خروج المرأة إلى العمل حينما يأخد وقتا طويلا في اليوم ويكون عملا شاقا يطيل تأثيره السلبي على المرأة أولا والأسرة ثانيا والعمل ثالثة، أليس من السهل الحديث عن عمل المرأة إيجابيا حينما نحسم في البداية العمل المناسب؟

-------------------------------------------
- 1 : أفلاطون - الكتاب الرابع من جمهوريته - علاقة المرأة بالرجل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟