الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحنين الى عصور الخلافة

حسن نبو

2020 / 5 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اذا مااعتبرنا ان الخلافة العباسية التي سقطت على ايدي المغول سنة ١٢٥٨ م هي اخر خلافة اسلامية، نستطيع القول ان اكثر من سبعمائة وخمسين عاما تفصلنا عن اخر خلافة اسلامية ، ورغم مرور كل هذه القرون على زوال الخلافة ، وانتقال اغلب المجتمعات المسماة بالاسلامية الى انظمة حديثة لاعلاقة لها بنظام الخلافة الاسلامية ، لازلت توجد نسبة كبيرة من المسلمين تحن الى عصور الخلافة وتتمنى عودة نظام الخلافة، وتعتبر نظام الخلافة مستمد من الاسلام الذي هو شريعة الله المرسلة للبشر ، وبالتالي هو النظام الافضل من بين كل انظمة الحكم قديما وحديثا ؟ فماهي الاسباب التي تقف وراء هذا الحنين للخلافة؟
يمكن القول ان السبب الاساسي لهذا الحنين هو نظرة غالبية المسلمين الى شخص الخليفة على انه نائب عن الله في الأرض، حتى وصل الامر الى درجة وصف الخليفة بأنه ظل الله على الارض، دون ان يدركوا أن نظام الخلافة هو موضوع سياسي وليس ركن من اركان الدين . ولم يغير انتقال الخلافة بعد زوال الخلافة الراشدة الى ملك عضوض او ملك جبري على ايدي خلفاء بني امية ومن بعدهم خلفاء بني العباس اي انتقاص لنظام الخلافة ، لأن خلفاء بني امية وبني العباس قدموا خدمات جليلة للاسلام في رأي غالبية المسلمين ، بسب الحروب التي خاضوها والتي ادت الى انتشار الاسلام في الكثير من بقاع العالم . ففي العهد الاموي ،كماهو مدون في كتب التارخ الاسلامي ، استكمل فتح المغرب اضافة الى فتح الاندلس وبلاد ماوراء النهر (اوزبكستان واجزاء من كازاخستان وقيرغيزستان) اللتين كانتا تشملان في ذلك الوقت : (سمرقند وبخارى وطشقند وخوارزم ومرو وترمذ) .اما في الخلافة العباسية فقد تم فتح مناطق عديدة في شبه القارة الهندية كبلاد السند (باكستان الحالية) والاناضول وقبرص ، كما تمكن العباسيون من القضاء على تمرد البربر (الامازيغ) وارجاعهم الى سيطرة الخلافة العباسية .
وبخصوص المعارك التي خاضها الخلفاء ضد الاقوام المجاورة من اجل نشر الاسلام، لابد من طرح التساؤل التالي : هل كانت تلك الحروب فعلا بهدف نشر الاسلام ام كانت غزوا اوحروبا استعمارية؟
العديد من الباحثين يعتبرون الفتوحات غزوات استعمارية ولاعلاقة لها بنشر الاسلام، وعلى سبيل المثال، يقول الكاتب والباحث المصري(محمد عزت) في مقال له : ان الجيوش العربية الاسلامية التي كانت تدخل الى مدينة بواسطة الحرب تلجأ الى قتل كل المواطنين الذين كانوا يدافعون عن المدينة وتغتصب نساءها وتسترق اطفالها وتستولي على كل خيراتها. ويتساءل : هل نشر الاسلام يتطلب كل هذه الافعال؟ ويقول الباحث الجزائري (مولود مدي) : ان القادة الذين يصفهم المسلمون بالعظام والذين تمت على ايديهم الفتوحات وفق التعبير الاسلامي، لم يناظروا خلال احتلالهم للشعوب الاخرى كهنة تلك البلاد في موضوع الدين كي يقنعوهم بقبول الاسلام طوعا ودون اكراه وانما فرضوا عليه الاسلام من خلال السيف. اما ان يقبلوا به دون مناقشة وحوار، او يتم قتلهم وتسبى نساءهم ويسترق اطفالهم . ويقول الباحث والمفكر المصري المختص في دراسة الاديان الدكتور (محمود القمني) : ان مايسمى بالفتوحات الاسلامية لم تكن بغرض الدعوة ونشر الاسلام بل بغرض الاحتلال ، ويضيف قائلا : الفاتحون عرضوا على الشعوب التي هاجموها الاسلام او الجزية او القتل وسبي نساءهم ، ويكمل : هل هناك فساد في الدنيا اكثر من اغتصاب النساء في الدول التي تم احتلالها ؟ ولهذا يقول القمني : ان الفتوحات الاسلامية لم تكن سوى غزوا واحتلالا، بدليل ان العرب بقوا في البلدان التي دخلوها ولم يخرجوا منها، وهذا يناقض الفتح ، لأن الفتح يقتضي الخروج من البلدان التي دخلوها بعد ان تم نشر الاسلام فيها، لا البقاء فيها واستغلال خيراتها وياستعباد اهلها .

اضافة الى النظر الى الخلافة والخلفاء كتراث ديني ، هناك سبب اخر للحنين الى عصور الخلافة الاسلامية ، يكمن في فشل الانظمة الحاكمة في الكثير من الدول الاسلامية في بناء اوطان قوامها الحق والعدل والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية كما نصت عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية، حيث تستغل الجماعات والمنظمات الاسلامية هذا الفشل، وتطرح بدلا عنها نظام الخلافة كنظام بديل للاستبداد والفساد والظلم وقهر الانسان ، رغم ان الواقع اثبت ان هذه الجماعات والمنظمات بعيدة كل البعد عن احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، ولقد رأى العالم بأم عينيه كيف طبق تنظيم الدولة الاسلامية نظام الخلافة في الاراضي التي استولى عليهامؤخرا ، فلم يكن لدى هذا التنظيم مايفتخر به من انجازات سوى قطع رؤوس الناس وبتر اطرافهم واغتصاب نساءهم بعد اخذهن سبابا .والاستيلاء على اموالهن تحت اسم الغنيمة ، وهذا مافعله تنظيم الدولة الارهابي مع الطائفة الايزيدية المسالمة في قضاء سنجار بالعراق ، حيث شن عليهم حرب ابادةبلا ادنى شفقة ورحمة وانسانية .

ومن جهة اخرى هل كانت عصور الخلافة حقا عصورا ذهبية كما تقول التنظيمات والجماعات التي تسعى لإعادة نظام الخلافة ، وكما يقول الكثير من المسلمين الآخرين ايضا ؟
ان الخلافة الراشدية هي المثال الذي يشير اليه انصار بنظام الخلافة من خلال الاشادة بعدالة خلفاءها وتطبيقهم لشريعة الاسلام تطبيقا كاملا . لكن هؤلاء يتجاهلون ذكر الكثير من الحقائق المؤلمة عن العصر الراشدي ، كمقتل ثلاث خلفاء من مجموع اربع خلفاء حكموا الخلافة الراشدة ، وحدوث فتنة كبرى في السنوات الاخيرة من عمر هذه الخلافة نتج عنها مقتل عشرات الالوف من المسلمين بأيدي مسلمين من بينهمالكثير من الصحابة المبشرين بالجنة (عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله) وكل هؤلاء قتلوا في معارك كان طرفاها مسلمون (كمعركة الجمل ، ومعركة صفين ، ومعركة النهروان). كذلك يتجاهلون مقتل الحسين في كربلاء وقطع رأسه وذبح ٧٣ من عائلة نبي الاسلام بأيدي مسلمين. ومقُتل 700 من المهاجرين والأنصار بيد 12 ألف من قوات الجيش الأموي المسلم في معركة اخماد ثورة اهل المدينة على حكم الامويين غضبا لمقتل الحسين . وفي الوقت الذي لم يتجرأ "اليهود" أو "الكفار" على الإساءة لمسجد رسول الله يوماً .. لكن فعلها قائد جيش يزيد بن معاوية عندما حول المسجد لثلاثة ليالي إلى أسطبل ، تبول فيه الخيول ، وقد تم هذا في خلافة عبد الملك بن مروان : وفي ظل الخلافة قُتل عبد الله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقيين) بيد مسلمين ،وقتل زيد بن زين العابدين بن الحسين (من نسل النبي) وصلب جسده عارياً على باب دمشق لأربعة سنوات ، ثم أحرق .ثم قُتل أمير المؤمنين "مروان بن الحكم" .. بيد مسلمين ثم قُتل أمير المؤمنين "عمر بن عبد العزيز" .. بيد مسلمين.ثم قُتل أمير المؤمنين "الوليد بن يزيد"بيد مسلمين ثم قُتل أمير المؤمنين "إبراهيم بن الوليد" بيد مسلمين . ثم قُتل آخر الخلفاء الأمويين (مروان بن محمد) بيد "أبو مسلم الخرساني" . ثم قَتل "أبو العباس" -الخليفة العباسي الأول كل من تبقى من نسل بني أمية من أولاد الخلفاء ، فلم يتبقى منهم إلا من كان رضيعاً أو هرب للأندلس . وأمر جنوده بنبش قبور بنى أمية في "دمشق" ، فضربوا ماتبقى من الجثث بالسياط وحرقوه وذروا الرماد فى الريح . ولما مات "أبو العباس" .. وخلفه "أخوه أبو جعفر المنصور" .. خاف من شعبية صديقه "أبو مسلم الخرساني" أن تطمعه بالملك .. فاستشار أصحابه فأشاروا عليه بقتله. فدبَّر لصديقه مكيدة وقتله، وكان عمره 37 عاماً .... وكل هذه المعلومات موثقة في كتاب (تاريخ الخلفاء) للسيوطي وعشرات الكتب الاخرى التي تتناول تاريخ الخلافة الاسلامية .
اضافة الى ماورد فقدكان الفساد منتشرا في كل مفاصل الخلافتين الاموية والعباسية، فقد كان بيت المال ملكا شخصيا للخليفة يعطي المال لمن يشاء ويحجن عمن يشاء ، وفي الخلافة العباسية انتشرت ظاهرة الملاهي ودور اللهو وكثرت اسواق النخاسة وازدهرت تجارة الجواري والغلمان . يقول الباحث والكاتب العراقي (حكمت البخاتي) نقلا عن ابن الاثير في كتابه (الكامل في التاريخ) : ان الخليفة المعتصم بالله استولى على كل واردات افريقيا والمغرب والعواصم وجميع الثغور وعلى طول البلاد من حدود الفرات مرورا بالعراق والبحرين والحرمين واليمن ومنحه لابنه المتوكل على الله ، اما ولده المعتز فقد منحه واردات جند الشام وحمص . وفيما يتعلق بفساد خلفاء بني امية يذكر الباحث المصري (احمد صبحي منصور) نقلا عن المسعودي (مروج الذهب ومعادن الجوهر) : وعن (ابن عساكر في تاريخه) ان بعض خلفاء بني امية اغرقوا مكة بالاموال والخمور والقيان ( الجواري المغنيات) ليتجنبوا ثورات اهل مكة عليهم .
الغريب في الامر ان علماء المسلمين لايشيرون الى هذه الامور عند الحديث عن عصور الخلافة ، كذلك فإن المناهج الدراسية التي تتناول عهود الخلافة الاسلامية لاتذكر الا الفتوحات التي تمت في تلك العهود والتي تعتبرها انتصارا للاسلام وتوسعا له، وتتجنب ذكر كل الفساد الذي رافق عصور الخلافة .

وفي الختام لابد من القول ان الظروف التي ساد فيها نظام الخلافة قد تغيرت كليا ، وليس هناك اي مجال لإعادة هذا النظام الذي لايصلح لزماننا الحالي ، ومن جهة اخرى فمن المستحيل ان يتقبله العالم ويسمح بوجوده، وقد رأينا كيف ان العالم هاجم تنظيم الدولة الذي حاول احياء نظام الخلافة ولم يعد له ولنظام الخلافة الذي طبقه في الاماكن التي سيطر عليها اي اثر ، وقبله هاجم حركة طالبان وتنظيم القاعدة .
لابد للشعوب الاسلامية ان تسعى الى نظام حكم يستند على احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية وفق المواثيق التي اقرها المجتمع الدولي ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ويستوعب تطور الحياة في كل مجالاتها، وكل سعي لاعادة نظام الخلافة الذي اصبح من الماضي، هو هدر للطاقات للبشرية والاقتصادية ومساهمة في ابعاد الشعوب الاسلامية عن المسار الطبيعي لحركة الحياة . بمعنى اخر : إن اقحام الدين في السياسة في وقتنا الحالي لايؤدي الا الى تدهور الكثير من القيم الروحية التي يزخر بها الدين الاسلامي ، كما يؤدي في نفس الوقت الى تدهور السياسة وجعلها عاجزة عن القيام بوظيفتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البفاء للاقوى
سمير أل طوق البحراني ( 2020 / 5 / 3 - 11:17 )
مهما حاول الاسلاميون لاعادة دولة الخلافة فلم ولن يستطيعوا لان الدول الكبرى بل كل العالم الغربي لا يسمح بذالك ابدا وكما تفضلت اين حركة طالبان وما قامت به في افغانسان واين هي دولة الدواعش التي ابيدت قبل تكوينها. ان حلم اعادة دولة الخلافة هو حلم وهمي ومن المحال ان يتحقق. ليس هناك اي انجازات في دولة الخلافة وكل رعاياها هم كالقطيع والراعي. على المسلمين ان يعوا ان البقاء للاقوى وان لكل زمان دولة ورجال وما يصلح بالامس لا يصلح للوقت الراهن. عندما كانو العرب اقوياء وغزوا العالم بقوة السيف دانوا لهم لا عن رغبة بل عن رهبة ولكن لمررور الاجيال اثر على ترسيخ الدين الاسلامي في قلوبهم ولم يكن ايمانهم عن قناعة. نعود ونكرر ان البقاء للاقوى.


2 - الغريق يتشبث بقشة
سهيل منصور السآئح ( 2020 / 5 / 3 - 19:13 )
يجب على مسلمي القرن العشرين ان يحمدوا الله ويشكروا المفكرين الغربيين الذين بسبب تنويرهم اصبح الغرب لا يعير اي اهتمام لادارة الدولة المدنية باسم الدين بل جعل الدين شان شخصي وكل فرد حر في معتقده ولو كان الغرب وفي المقدمة الدول الكبرى بقوا كما بقى المسلمون على عبادة من في القبور لارغموا جميع الدول الاسلامية على الدخول في ديانتهم ـ اي المسيحية ـ او دفع الجزية وهم صاغرون. الا يعلم المسلمون ان القوة وليس الفكر هي السلاح الحاكم وهو ما حصل للمسلمين عندما كانوا اقوياء واحتلوا بسيوفهم الدول المستضعفة واجبروهم على الدخول في الاسلام ليس حبا له بل للسيطرة وفرض الجزية على اليهود والنصارى. اخي الكريم التاريخ عبرة لمن اعتبر وليس العنترة واتخاذ التسامح الديني ذريعة لتثبيت اهدافهم على الآخرين بارهابهم. مهما حاول المتاسلمون لاقامة دولة الخلافة فلن يكتب لهم التوفيق لان الرجوع الى المضي اصبح من الماضي ولكل زمان مبآدئه. زمن السيف والبعير والحمار قد ولى وحل محله زمن العلم والتكنولوجيا التي يفتقر لها المسلمون. ماذا سيحدث لو كانوا يمتلكونها؟؟. لو كانوا يمتلكونها لكان او ضحاياها هم انفسم لان حرب الجمل ستعود