الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جنوب طرابلس بين حرب الإستنزاف وحرب الإنهاك
عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)
2020 / 5 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الكثير من الليبيين المهجرين من بيوتهم والمعطلة أعمالهم والدمرة ارزاقهم يتضايقون من إستمرار المناوشات جنوب طرابلس بوثيرة مدمرة وبطء شديد، ويستغربون ويتعجبون كيف تقوم قوات بركان الغضب بتحرير غريان وصبراته وبمهاجمة ترهونة والوطية وطرق الإمدادات لهما دون الدخول في حرب مباشرة كاسحة مع القوات المعادية في الهضبة وصلاح الدين؟ بالمقابل لماذا تقصف قوات حفتر البيوت والمنشأة المدنية؟ في العلوم العسكرية التقليدية يكون قادة بركان الغضب قد إنتهجوا إستراتيجية حرب الإستنزاف، مناوشات وقطع إمداد الدخائر والوقود والمؤن مع تجنب الحرب المباشرة، وبالمقابل حفتر عبر عن الجهة المعادية وهي قصف المدنيين والتنكيل بهم حتى ينقلبوا على سلطة طرابلس ويساعدوا قوات حفتر على دخول المدينة. أما بالنسبة للدول الداعمة لحفتر مثل مصر والإمارات وفرنساء والسعودية فهم سلكوا أسلوب حرب إنهاك الدولة. فما أسس كل من الإستراتيجيات السابقة؟
يعود إستخدام حرب الإستنزاف إلى مقاومة الرومان لغزو حنبعل في الحرب البونيقية الثانية، وتسمى عسكريا بإستراتيجية فابيان. إستراتيجية فابيان (Fabian strategy ) هي استراتيجية تعتمد على تجنب المعارك الحاسمة أو المواجهات المباشرة لجر الخصم إلى حرب استنزاف بالوسائل غير المباشرة، في أثناء ذلك، يقوم الجيش الذي يطبق هذه الاستراتيجية بمضايقة العدو من خلال المناوشات وتعطيل الإمدادت والتأثير على معنويات العدو، تستخدم هذه الاستراتيجية عندما يعتقد الجانب الأضعف أن الوقت في صالحه، كما تستخدم عندما لا يكون هناك أي استراتيجية بديلة ممكنة. استمدت هذه الاستراتيجية اسمها من القائد الروماني فابيان ماكسيموس، الذي كانت مهمته هزيمة القائد القرطاجي حنبعل في جنوب إيطاليا خلال الحرب البونيقية الثانية.
ومن غرائب التاريخ ان هناك تشابه كبير بين غزو حفتر لطرابلس وغزو حنبعل لروما،
كانت مغامرة حنبعل أن يتحرك بجيش جبار مجهز بالخيول والأفيال من قرطاجنه غربا إلى إسبانيا ثم فرنسا ثم جبال الألب أثناء فصل الشتاء ليموت منهم الكثير ثم شمال إيطاليا، ليفوز بمعارك ويخسر أخرى، ورغم ذلك ألحق حنبعل بالرومان خسائر مدمرة، ولم تكن لروما سياسة جيدة لدحر حنبعل حتى وصل قريبا من روما، حينها عين الرومان فابيان ماكسيموس قائدا عسكريا على قوات روما، وكان فابيان على علم بتفوق القرطاجنيين عسكرياً وبراعة حنبعل، لذا خاض ضدهم حرب استنزاف، كان الهدف منها استغلال نقاط ضعف حنبعل الاستراتيجية.
عانى حنبعل من نقطتي ضعف، أولهما، أنه كان قائد جيش أجنبي يغزو الأراضي الإيطالية، وهو يواجه صعوبة إمداده عبر البحر، وكان أمله الوحيد في تدمير روما من خلال الاستفادة من دعم الحلفاء من القبائل الإيطالية، ولن يكون هناك أمل لحنبعل في الفوز دون ذلك، ولذا ينبغي أن يعاني الرومان من الخسائر المتتالية حتى تضعف ثقة الإيطاليين في روما وتنظم لحنبعل.
أيقن فابيان أن السبيل لهزيمة حنبعل هو تجنب الدخول معه في معارك ضارية، وذلك لحرمانه من الانتصارات، فقرر فابيان أن يقطع عن حنبعل طرق الإمدادات، وبدلاً من القتال، ظل يتبع جيش حنبعل كظله من فوق التلال متجنباً الدخول معه في معارك، واستعاض فابيان عن الاشتباك بين الجيوش، بإرساله مفارز صغيرة لمناوشة جامعي المؤن في جيش حنبعل، ولحرمان حنبعل من استخدام سلاح الفرسان الفتاك، وفي نفس الوقت، يقف كعائق لأي إمداد من البحر. وبذلك، يجهد الرومان القرطاجيين، ويمنع قبائل روما من الذهاب إلى العدو، دون الحاجة إلى مواجهة القرطاجيين في معركة حاسمة، ونجح في ذلك بعد حرب طويلة مضنية طالت سنوات وكلفت الطرفين الاف القتلى، وخسر القرطاجنيين المعركة وبشروط مجحفة بل إنتقلت المعارك إلى شمال أفريقيا في الحرب البونيقية الثالثة لتنتهي بهزيمة على الحدود الجزائرية التونسية ثم دخول قرطاج وحرقها سنة 146 ق.م.
الطريف المبكي المضحك أن حفتر يريد طرابلس مماثلا لنزوات حنبعل في السيطرة على روما، وإستخدم التشاديين والجنجويد الأفريقية بديلا عن افيال حنبعل الافريقية، ودخل من جبل غريان مماثلا لجبال اللألب، وكان يعتمد على تاييد القبائل في ثخوم طرابلس كما كان يحلم حنبعل، أما عن الوفاق فهي التي قادت حرب الإستنزاف من إختيار غرفة عمليات بركان الغضب وهو يؤكد ضعف الإمكانيات في البداية مع وعدم وجود إستراتيجية هجومية قوية وإكتفت بقطع خطوط الإمداد للوقود والذخائر والسلاح، وبالمثل كانت ولا زالت الخسائر كبيرة رغم الأمل الكبير في النصر. ولا شك أن ضعف الرئاسي اكبر بكثير من ضعف سلطات روما التي جعلت حنبعل يجتاز الألب وجعل الرئاسي حفتر يضم كل الجنوب ويجتاز مرتفعات غريان.
إذا كنا نعتقد في إعادة التاريخ نفسه، نقول ان قوات الكرامة ستهزم في ترهونة وبالتالي ستنسحب إلى ما بعد سرت التى ستشهد معركة حاسمة تضعف خلالها قوات حفتر كثيرا، ثم تتسلم قيادة القوة العسكرية ضباط من المنطقة الشرقية للزحف شرقاٌ فتكون المعركة الأخيرة بين بنغازي والمرج تنتهي بحرق معسكر الرجمة.
في الجانب الآخر الخارجي لا يهمهم شخص حفتر أو الرئاسي بقدر إهتمامهم بإنهاك الدولة ومنع تكوين نموذج لدولة مدنية واعدة، وإعادتها إلى أزمان متخلفة، فقامو بتطبيق إستراتيجية إنهاك الدولة وهم تطوير غربي لنظرية فابيان؛ والتي تعتمد على إنهاك العدو بوسائل محلية، وهي لا تهدف إلى تحطيم المؤسسة العسكرية، أو تدمير قدراتها العسكرية، بل تهدف إلى الإنهاك و التآكل البطيء لمؤسسات الدولة، وذلك بتجنيد عملاء وماجورين أمثال حفتر وبعض نواب الكثلة المصرية وقادة الثوار السابقين وبعض المتسلقين والمستشارين في الرئاسي بل بعض الوزراء ومبعوثي الامم المتحدة لإدارة الحرب وتسخير الإمكانيات المتاحة لشن حرب إعلامية ونقل المعارك من جهة الى أخرى، واستنزاف كل قدرات الدولة على مراحل، وجعل " الدولة تقاتل على جبهات متعددة محاصرة بضباع محليين من كل الجهات، والتخطيط لتسخين جبهة وتهدئة جبهة أخرى، أي استمرار ادارة الازمة وليس حلها، ولكي لا يتم انهيار الدولة السريع، لأن الانهيار السريع يبقى على كثير من مقومات ومؤسسات الدولة والمجتمع،... وبالتالي فإن أفضل الطرق هو التآكل البطيء، عبر سنوات من خلال محاربين "محليين شرسين وشريرين" بصرف النظر عن وقوع ضحايا أبرياء او تهجيرهم لأن الهدف هو السيطرة وتقويض الدولة والمجتمع..!!!! من المؤسف أن هذا المخطط هو الذي نراه بأعيننا، ويطبق تحت شعارات الحرب على الارهاب، وهناك داعمون له باموال ليبية تخرج من المصرف المركزي بطرابلس.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”
.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-
.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م
.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه
.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و