الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة العلم والكتاب في بلدي

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2020 / 5 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


نستفتح هذه المقالة بالآية الكريمة "من سورة الزمر"... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ (9)" وقول الرسول محمد (ص)"الدنيا ملعونة وملعون من فيها الا عالم او متعلم " وقوله (ص)"ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رض بما يصنع "
فليس سهلا ان تعمل كتاب، وليس سهلا ان تدرس وتضيع عقودا من عمرك في الدراسة، وان يبلغ بك العمر ارذله، ولكنك تضع نصب عينيك، أهمية العلم لنهضة البلد والأمة، وان نرد الجميل لمن كتبوا فعلمونا، حسبنا كل ما تعلمناه خلال حياتنا هو ملك للأجيال التي ستخلفنا، ومن المؤسف ان يموت الانسان ويموت معه علمه وخبرته وتجربته، خاصة عندما يكون عاملا في مفصل مهم من مفاصل الحياة في المجتمع.
ولكن عندما تعيش في زمن يكون هم المسؤولين فيه جمع الثروة، واكتناز المال وبناء القصور وشراء الفلل، وان تصرف المليارات لشراء أمور تافهة، فهذا امر يدعو الى الآسي والحزن. ويعد من اهم أسباب الفوضى في البلدان ان يسود الجهال، وان تمنح الشهادات مقابل المال، وان يهبط العلم وتهبط تسلسلات جامعاتنا فتكون في الاذيال او لا تكون، فلا يدعم العلم ولا العالم ولا الكتاب ولا الكاتب، لا بل يحارب حتى يترك للكتابة.
يقول الشاعر الافوه الاودي
والبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ ولا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم ولا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ
إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا
قيل إن الكتابة في دواوين الدولة قديماً هي (أشرف مراتب الدّنيا بعد الخلافة) نظراً للمكانة السامية، والمنزلة العليّة، التي تبوّأها الكتّاب في إدارة سياسة الدولة وقضايا الحكم،
ومن ثمَّ كان مدلول كلمة (كتَّاب) يشير إلى "فئة متميّزة من المختصين بالتدبير الكتابي لشؤون الدولة، وقد شجع الرشيد العلم والعلماء، وأنشأ بيت الحكمة، وجمع فيه كثيرًا من المؤلفين، والمترجمين والنساخ ،وكان الرشيد يجود على العلماء والمترجمين، وكان أكثر الخلفاء إكرامًا للعلماء بعد ابنه الخليفة المأمون ، ساهم المؤلفون بتأليف كتبًا خاصة لبيت الحكمة، وكانوا يقومون بذلك في قسم خاص بإخراج الكتب داخل المكتبة نفسها أو خارج المكتبة، ثم يقدمون نتائج تأليفهم إليها، وكان المؤلف يثاب على ذلك بمكافأة سخية من قبل الخليفة.
وكان من تشجيع الخليفة المأمون للترجمة أنه كان يعطي المترجم زنة ما ينقله من الكتب إلى العربية ذهبا مثلًا بمثل، كما شجع المأمون التأليف عن طريق بذل المنح السخية، والفت وترجمت في عهده اعددا لا حصر لها من كتب الرياضيات والهندسة والفلسفة والفلك وعلم الأرصاد وعلم البصريات والطب.
وكان للخليفة الموحدي الثالث شأن اخر مع العلماء والمبدعين حينما حسد حاشيته تعامله معهم حيث جمعهم وقال "يا معشر الموحدين، أنتم قبائل فمن نابه منكم امر فزع الى قبيلته، وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم الا انا، فمهما نابهم من امر فأنا ملجأهم، والي فزعهم، والي ينسبون"
ولما وضع عبد الله ابن طاهر كتاب "غريب الحديث" عرضه على الأمير ابي عبيد القاسم ابن سلام، فأستحسنه وقال "أن عقلا يبعث صاحبه على عمل هذا الكتاب حقيق ان لا يحوج الى طلب المعاش ثم أجري له كل شهر عشرة آلاف درهم ".
قبل أيام أرسل لي مقطعا على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول فيه أحد الكتاب لا اذكر اسمه، انه الف كتابا واهدى منه نسخة الى المرحوم احمد حسن البكر، رئيس جمهورية العراق سابقا ، وكان الاهداء معنونا الى رئيس الجمهورية، فاستظافه وسأله هل ان الكتاب مهدى له شخصيا ام الى رئيس الجمهورية، فأن كان له شخصيا فانه سيضعه في مكتبته الشخصية في بيته، وان كان له كرئيس جمهوريه فسيحفظه بمكتبة الرئاسة، ثم كرمّه بمبلغ 300 دينار من ميزانية الدولة و200 دينار من راتبه الشخصي لأنه وجد ان المبلغ المخول بصرفه لا يكافئ جهد المؤلف.
قمت بتأليف خمسة كتب ، في أبواب مختلفة ، ثلاثة منه الا زالت تدرس بمستوى كلية ومعهد عالي ،كلفتني ما يزيد على ستة ملايين ، وعندما تريد طباعة كتاب تتوجه الى أصحاب المطابع ، لتجد مافيات ، فهم يطبعوا لك الكتاب مقابل اعطاؤك (50) نسخة ويسلبوا منك حقوق الطباعة ، حيث يطبعوا منه ما يتناسب واهمية الكتاب وهل هو كتاب منهجي في كلية ، اذ يطبعوا منه بالآلاف ويبيعوه في مكتباتهم بتسعيرة هم يحددونها وتدخل الأموال لخزائنهم الخاصة ،اما انت كمؤلف فربما لا تحصل على النسخ الخمسون ، ما تكسبه ان يكون اسمك فقط على غلاف الكتاب .
وهكذا تجد الطلاب والطالبات في بدء كل موسم دراسي يتهافتون على أصحاب المكتبات (المطابع) ليحملوا اكياسا من الكتب المنهجية. اما ان تطبعه على حسابك الخاص فعليك ان تدفع الملايين ،وان قررت ان تبيع الكتاب ،فليس امامك من مفر الا ان ترجع لأصحاب المكتبات ،اذ لا يمكن ان تفترش الرصيف لتبيع كتابك ، ولتجد مشكلة من نوع اخر ، يطالبوك بأرباح عن كل كتاب وعندما تباع كمية من الكتب ، بالكاد تحصل على جزء من استحقاقك ، وفي كل الأحوال لابد ان تدفع أموالا مهمة من اجل طباعة كتاب ، فان اكملته تعجز عن طباعة غيره .تبحث عن الدعم فلا تجده ،حتى عندما ترسل نسخ اهداء الى مسؤولين ،باحثا عن الدعم والتشجيع ، يذهب الكتاب ولا يرجع الجواب ، رحم الله الشاعر أبو الطيب المتنبي حيث يقول :
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال
ان الكثير من العلماء ماتوا وماتت معهم مسودات كثيرة، لكتب لم ترى النور بسبب عدم وجود الدعم من قبل الدولة، وتلك خسارات لا تعوض، فالكاتب والعالم لا يريد المال من اجل ان يتلذذ بملذات الدنيا، ولا ان يبنى دارا ليعيش كما الاخرين، لكنه يجد نفسه مكلف برسالة يحاول ان يتمها وهو على قيد الحياة. فمتى ير العلم النور في بلداننا ويدعم العلم ويدعم الكتاب وهو لا يكلف الدولة الا النزر اليسير من المال فالمطابع والكمبيوترات ذات القدرات الخارقة وغير المكلفة متاحة، لكن ليت قومي يعلمون، متى نبتعد عن الطائفية والطمع والكسب غير المشروع وجمع الأموال والجهل والقتل والدمار والحروب ومتى يؤمن قادتنا من رؤساء ووزراء أهمية العلم ودوره في نهوض الامة وإعادة امجادها وبناء حضارتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟