الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لك تنحني الجبال ابو ظفر الانسان 5

بلقيس الربيعي

2020 / 5 / 2
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


5

أبو ظفر ... الإنسان








يتميز ابو ظفر بكفاءة علمية كبيرة ودقة في التشخيص والجرأة في إتخاذ القرار ، وقال عنه الكثيرون بأنه إنساناً رائعاً ومتميزاً بذكاءه وكفاءته العالية في مجال إختصاصه، كما أنه يمتاز بجرأة عالية في إتخاذ القرار .
في احد الأيام من عام 1980 حين كان ابو ظفر مسترخيا بعد يوم عمل مرهق في مستشفى عتق ، جاءه خفر النوبة يستدعيه الى المستشفى لينظر في حالة إمرأة ولادتها متعسرة .و بعد أن أجرى عليها الفحص السريري، وجد أن حالتها تستدعي إجراء عملية قيصرية .فلو يرسلها الى عدن ،حتما ستموت بالطريق لوعورة الطريق وبُعد المسافة بين عدن و عتق . ورغم أن مستشفى عتق يفتقر الى وجود صالة عمليات مجهزة واجهزة للتخدير ، قرر ابو ظفر أن يجري لها العملية بالإمكانيات المتاحة ليمنحها فرصة في الحياة . ووقتها عاد الى البيت وأخذ مناشف جديدة وقام بتعقيمها، كما قام بتعقيم الغرفة التي يفحص بها مرضاه ، وبتخدير موضعي اجرى لها العملية وتكللت بالنجاح. كان المولود صبياً وقد أسمته امه " يسار" . وبعد تحسن وضعها قالت : " دكتور ، نريد منك حشما لأني سميت ولدي على اسم إبنك ." ووقتها ضحك ابو ظفر وقال : " انتِ من يدفع لي لأنكِ اخذتِ إسم ابني ." وهذا الطفل الذي وُلد على ايدي ابو ظفر عام 1980 ، صار شاباً ، وحين قرأ مقالتي "يوميات في عتق" ، كتب لي في الذكرى الخامسة والعشرين لإستشهاد ابي ظفر يقول : .
" إن رجل مثل أبو ظفر كان علينا لزاماً أن نوفيه حقه لسيرته العطرة التى بقيت خالدة بين أبناء عتق وفي نفسي أنا خاصةً لما كان له من وفاء وإخلاص لعمله ولخدمه الناس بإنسانيته، أنا لا اعرفه شخصيا ولكن أهلي كانوا يذكرونه لي باستمرار ويتحدثون عن وفائه ومحبته لوطنه العراق وإخلاصه للوطن الذي كان يعيش فيه ومع هذا فقد كان بنظرته الى المستقبل وكيفيه النهوض بالناس صحيا وكانت عنده أفكار كان لها الأثر الكبير بين أبناء عتق . ان ابو ظفر الإنسان قبل كل شي رجل تم الغدر به من قبل عصابة صدام حسين التى دمرت العراق ودمرت العرب ودمرت خيرة رجال العراق وأبطال الرافدين وشتتهم في دول العالم وبعد ذلك قتلوهم بالغدر لانهم كانوا يرون مصلحة بلادهم الحقيقية ولأنه كان مناضلاً يسعى لخير وطنه مخلصا وفيا لابناء شعب العراق مثل ما كان مخلصا ، وفيا لأبناء عتق في منفاه بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . أحبه أبناء عتق لإنسانيته وكرمه وشجاعته . رحمة الله عليه .
كما أود أن أوضح ان قراءتي للموضوع تركت في نفسي اثراً كبيراً ومشاعر لا توصف لرجل كان له فضل كبير عليً بعد الله عزً وجل ووالدي ووالدتي أن ارى نور الحياة . سيبقى ابا ظفر خالداً بقلبي ما حييت"

واذكر في إحدى الليالي حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل أفقنا على صوت طرق على باب غرفة نومنا ، وفوجئنا بالرفيق سلام يخبرنا بأن ام محمود في وضع صحي سيء . هرع ابو ظفر على الفور لمساعدتها. ووقتها وقف عاجزا امام وضعها المتدهور ومستشفى عتق لا تتوفر فيه صالة عمليات مجهزة ولا حتى الى مادة للتخدير ، لكنه لم يفقد الأمل وقرر أن يعمل المستحيل لإنقاذ حياتها وسهر معها حتى الصباح . وبينما كان يعتني بها بالإمكانيات المتوفرة لديه ، سمع هدير طائرة عمودية تنوي الهبوط في عتق فأسرع الى مكان هبوطها علّه يجد المساعدة . شرح ابو ظفر للرفاق اليمنيين الذين كانوا على متنها ، وكانوا في مهمة حزبية ، حالة المريضة الخطرة وطلب منهم مساعدته ونقلها الى عدن لإجراء عملية فورية لها ، لأن مستشفى عتق لا تتوفر فيه إمكانية إجراء العملية . كان مقرراً أن يعقد الرفاق اليمنيين إجتماعاً مطولاً ، لكن أمام طلب ابو ظفر إقتصر إجتماعهم على نصف ساعة ، ووقتها طلبوا من ابو ظفر ، الذي كان ينتظر خارج قاعة الإجتماع، أن يحضر معهم الإجتماع قائلين : " رفيق انت لست غريبا عنا ويمكنك أن تحضر معنا . " ، لكن ابو ظفر إعتذر وعاد ليهيء سيارة تنقل ام محمود وزوجها الى مكان الطائرة ، كما إتصل الأخوة اليمنيون بعدن لتهيئة سيارة إسعاف في معسكر بدر لتنقل ام محمود الى مستشفى الشهيد عبود للولادة وبجهود ابي ظفر وتفانيه إستطاع أن ينقذ ام محمود من موت محقق .

ومرة ثانية وحين كانت ام محمود وزوجها في القامشلي بإنتظار الدخول الى الوطن ، أُصيبت بالتدرن الرئوي الحاد بسبب سوء التغذية وضعف مناعتها . ومن حسن حظها أن ابو ظفر كان متواجدا في المنطقة وإستطاع أن يشخص حالتها مبكرا. لم يخبرها بذلك ، بل اخبر زوجها الذي وقع عليه الخبر وقع الصاعقة . وبعد إلحاحها ، أخبرها ابو ظفر بكل هدوء وأعطاها التعليمات وإتبعتها بدقة وبعد إسبوعين من العلاج ، تحسن وضعها وطلب ابو ظفر تسفيرها الى دمشق للنقاهة قبل أن تدخل كردستان .

وما العملية الجريئة التي أجراها للنصير ابو حازم في كردستان حين قام بكل جرأة في بتر جزء من قدمه المصابة بالغنغرينا بمنشار حديد ، ما هي إلا دليل آخر على جرأة ابو ظفر وإنسانيته .


إن كل عملية جراحية تتطلب مكاناً مغلقاً ، نظيفاً وقسطاً وافراً من النور وأدوات جراحية حقيقية .لكن لم يكن مع ابو ظفر أي من تلك المستلزمات ، سوى بعض الأدوية والأدوات البسيطة لتقديم الإسعافات الأولية ، لكنه قرر أن يجري العملية ، رغم ان الخطر كان كبيرا . طلب من الرفاق أن يأتوا له بمنشار حديد ، و قام بتعقيمه . ربط ساق ابو حازم بيشماغ ليمنع تدفق الدم وكان النصير طبيب الأسنان ابو بدر يحمل التورج ليوفر له الإنارة الكافية . لم تكن لديه مادة التخدير (كلوروفورم) ليخدر به ابو حازم ، فسقاه من العرق العراقي كمية وفيرة ليخفف عليه الشعور بالألم ولو قليلاً . وتكللت العملية بالنجاح كما لو أنها أُجريت في مستشفى من الدرجة الأولى ، و بعد فترة قصيرة أخذ ابو حازم يستعيد صحته بسرعة مذهلة ،وإستطاع أن يقف ويمشي دون ان يفقد توازنه . ووصف ابو ظفر قوة تحمل ابو حازم قائلا : "إنها درس بليغ لي بالحياة تعلّمت منها الصبر ومغالبة الألم ."
بعد أحداث بشت آشان المأساوية ، تقرر الإنسحاب عبر جبل قنديل ويُذكر أن الفقيد ابو عامل كلّف ابو ظفر بقيادة المفرزة المكونة من اكثر من مئة وعشرة رفاق والإنسحاب بها عبر جبل قنديل . وفي إجازته ذكر لي ابو ظفر ذلك قائلا: ” حين كلفني الرفيق ابو عامل بهذه المهمة ، شعرتُ بالخجل ، لأن لا عمري الزمني ولا عمري الحزبي يسمح بذلك ، لكن ما كان علي إلا تنفيذ التكليف الحزبي . ،، في ذلك الوقت، كانت النصيرة لينا مع طفلها طارق ، الذي ولد على ايدي ابو ظفر قبل أحداث بشت آشان بفترة قصيرة ، من ضمن الذين ينسحبون . كانت لاتزال تنزف ، فكيف لها أن تحمل نفسها مع طفل وتصعد جبل قنديل! لم يبدي اي نصير رغبته في مساعدتها في حمل الطفل ،وما كان من ابو ظفر إلا أن ربط يشماغ حول رقبته ووضع فيه الطفل طارق وحمله . وبما انه مكلفاً بقيادة المفرزة ، كان عليه أن يصعد ليتفقد من هم في مقدمة المفرزة ثم ينزل ليتفقد الذين في المؤخرة حاملا الطفل . وبعد ذلك تناوب بعض الأنصار على حمله . وذكر لي أحد الأنصار قائلاً : " إني اعجب لقوة التحمل والصبر عند ابو ظفر ، ولو كنت انا المكلف بهذه المهمة لرميت نفسي من الجبل وانتحرت . " كما كتبت النصيرة لينا قائلة : " لا انسى ما حييت يا ابو ظفر مساعدتك النزيهة وإهتمامك بي وبطفلي في كردستان .. لن أنسى أحداث بشت آشان ومساعدتك المتفانية لرفاقك ."
بعد أن أمضى إجازته القصيرة في عدن ، عاد ابو ظفرأواسط عام 1984 لى كردستان . وأثناء تواجده في دمشق وفي احد الأيام حضرت في الصباح الباكر ام فاتن ومعها إمرأة لم نعرفها من قبل . كانت المرأة تحمل طفلاً والخوف والحزن يرتسمان على وجهها . أنزلت الطفل على الأرض وقالت : " ارجو المعذرة إني ازعجكم في مثل هذا الوقت المبكر . فقد تعبت من مراجعات الأطباء هنا في دمشق ولم يستطع اي طبيب تشخيص مرض طفلي ، فأشارت عليً ام فاتن أن اعرضه عليك يا ابا ظفر ."

كان طفلها سمير الذي لا يتجاوز السادسة من العمر يسير منحنياً كرجل عجوز ، وما أن رآه ابو ظفر ، أسرع بتمديده على سرير نومنا وبعدأن فحصه بدقة ، تكلم معي بالإنكليزية كي لا تفهم الأم وتقلق ، قائلاً : ” الزائدة الدودية منفجرة ، أرجو أن تناوليني ورقة وقلم . “ دوّن على الورقة التشخيص الدقيق لحالة سمير وطلب من امه أن تسرع به الى أقرب مستشفى . ومن حسن حظ الطفل إن ام فاتن كانت تعمل في مستشفى يافا ، فأسرعت به الى هناك. وعلى الفور سلمت الورقة الى الدكتور مهدي فضة. وعلى ضوء تشخيص ابو ظفر أُدخل الطفل الى صالة العمليات مباشرة وأُجريت له عملية إستئصال الزائدة الدودية المنفجرة في اللحظات الأخيرة وتكللت بالنجاح . ووقتها قال الدكتور مهدي فضة مخاطبا ام فاتن : " لولا التشخيص الدقيق للدكتور ابو ظفر ومجيئكم هنا بسرعة ، لما إستطعنا إنقاذ الطفل ."
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة