الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (15) وجها لوجه - الجزء 2

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن التعريف المادي للفقر لا يأخذ بعين الاعتبار المفهوم الذاتي للفقر الذاتي « la pauvreté subjective » الذي يعتمد على تقييم الأشخاص لوضعيتهم، وإن صنفت الشهادات التي تصدر عن الأشخاص المعنيين على شكل إحصائيات، ومن هنا يكون التعريف جزئيا أو غير مطابق للواقع. فالمعنيون بالفقر الذاتي يتحدثون عن وضعيتهم الصعبة أو الحادة الناتجة عن محدودية مواردهم الغير القارة التي تضعهم في وضعية عجز عن توفير حاجيتهم الضرورية بشكل مستمر. من هنا يمكن اعتبار هذا المفهوم أكثر إجرائية لتفكيك إشكالية الفقر المطروحة حاليا في إطار هاته الجائحة. إن التقرير المذكور سابقا يؤكد على توغل الفقر الذاتي في المجتمع المغربي، إن التقرير يؤكد أنه في الآونة الأخيرة ازداد إحساس المغاربة بالفقر الذي يدخل في تصنيف الفقر الذاتي. ففي ما بين سنة 2007 وسنة 2014 ارتفعت النسبة من 41،8% إلى 45،1% ، فارتفاع العدد بلغ نسبة 15 % بالنسبة للمناطق القروية، وهذا يعني أن 54،3% من نصف سكان المناطق القروية يعتبرون أنفسهم فقراء. في حين تصل نسبة النساء في إطار الفقر الذاتي إلى 3 ،55 % ونسبة الشباب الأقل من 25 سنة إلى 57،6 %، أما الأسر التي تصنف نفسها فقيرة فنسبتها تصل إلى 39،3 % . فبالرغم من التحسن الملاحظ على مستوى الفقر المادي، فالفقر الذاتي لازال متجذرا وحاضرا في كثير من الأوساط المغربية، إن كانت تلك التي تقطن في الهوامش أو في كثير من الأحياء الفقيرة التي تتواجد في وسط المدن. إن الفقر الذاتي يشكل خطرا على كل الفئات التي ليس لها دخل قار مثل الفئات التي تشتغل في القطاع الغير المهيكل بالمغرب والتي تمثل النسبة الأكبر، كذلك الفئات ذات الدخل البسيط، الفئات التي تشتغل في شركات لا تؤمن لها تعويضات أو حماية قانونية أو اقتصادية في حالة التوقف عن العمل لأسباب طبيعية أو صحية ، زد على ذلك الفئات القروية الأكثر هشاشة في المغرب والتي تبقى عرضة للتقلبات المناخية والطبيعية، للعزل والبعد عن المناطق الحضرية، إن هاته الفئات يزداد فقرها ويصبح أكثر حدة بحدوث النكبات، غلاء المعيشة و ارتفاع ثمن الخدمات . إن الفقر الذاتي متعدد الأبعاد، ومن هنا فالتعريف الذي اعتمدته جامعة اكسفورد سنة 2010 هو أكثر دقة في تحديد حالة الفقر والذي حددته في عشرة أبعاد وهي: التغذية وفاة الأطفال، السنة الدراسية، التمدرس الواقعي، الطاقة المحلية والصحية، الماء الصالح للشرب، الكهرباء، السكن إضافة الى مواضيع أخرى أساسية تدخل في إطار الصحة والتربية والحاجيات اليومية. إن حصول الإنسان المغربي على مجموع هاته الخدمات تجعله في حالة فعل إرادي لتدبير مصيره، فإلى أي حد تتوفر هاته الحاجيات عند الفئات الفقيرة في المجتمع المغربي؟ وإلى أي حد يكون عدمها سببا في فعله الاضطراري أثناء هاته الجائحة وبدونها ؟ إن مناقشتنا لهذين السؤالين سيعتمد على شهادات المعنيين بالأمر عن طريق الفيديوهات أو عن طريق التعبير المباشر عن وضعيتهم أو عن طريق ملاحظات عن بعد.
إن أول المشاهد التي خلقت ردود فعل قوة عن تصرفات الفئات الفقيرة التي تعيش في المدن هو التسابق لمغادرتها بعد الإعلان عن الحجر الصحي ، انتشرت فيديوهات تظهر اكتظاظ وتدافع هؤلاء في محطات السفر أو على الطاكسيات الكبيرة للحصول على مقعد بثمن مرتفع جدا للرحيل إلى البادية بالخصوص. هناك تعليقات على الصفحات الاجتماعية ومحادثات جانية أبرزت كثيرا من العنف والرفض لهذا التصرف الذي صنف بأنه غير حضاري. إن هؤلاء الذين رحلوا يقطنون في أحياء جد هامشية، في سكن لا تسمح مساحته بالحجر الصحي لضيقه أو لانعدام أهم شروط الحجر أي احترام التباعد الجسدي والاجتماعي. هناك في البيضاء أحياء رحلت تقريبا بأكملها، وهناك من رحل الأبناء والزوجة عند أسره في البادية وظل لوحده لمتابعة عمله، وهناك من رحلت أبناءها كذلك وبقت في مسكنها بحثا عن الرزق، وهناك من رحلوا جميعا عند أسرهم في البوادي بعد توقفهم الاضطراري عن العمل بعد إغلاق محل الشغل كما هو الحال للخادمات في البيوت. تقول سيدة تشتغل كخادمة بيت عند إحدى العائلات: ( عندما أعلن الحجر الإجباري خيرتني صاحبة البيت بين أن أبقى معها مدة الجحر أو أغادر ولا أعود إلا بعد الحجر. فكرت كثيرا وفي الحقيقة لم يكن لدي خيار، كان علي أن أستمر في العمل لإعالة أطفالي وحتى لا أفقده، فكلفت أختي بأطفالي أتناء الحجر وقررت الاستمرار في العمل). تضيف قائلة: ( كثير من الناس الميسورين رحلوا إلى ضيعاتهم وطلبوا من العاملين عندهم البقاء معهم ولم يكن خيار عند هؤلاء إلا القبول). يقول أحد حراس العمارات: (حاولت في الأول أن أيقي أطفالي وزوجتي معي بالمدينة، ولكن الأمر جد صعب، فنحن نسكن غرفة ونتقاسم الباقي مع السكان،و تحت الضغط أرسلتهم عند أسرتي للبادية). تحكي إحدى المعنيات كيف تدبرت أمرها خلال الجائحة وكيف قررت الرحيل مع أفراد من عائلتها تقول: (بعد الإعلان عن انتشار الكورونا قررت أنا وأختي التي أقطن معها أن نذهب إلى المستشفي مع أبنائها لإجراء الفحص إلا أن المستشفى أخبرنا أنه في غياب ظهور بعض عوارض الكورونا ليس لنا حق الفحص وأنه من الممكن أن نذهب إلى معهد باستور لإجراء الفحص مقابل 500 درهم لكل فرد، استعصى علينا الأمر، لم نكن ندري هل نحن فعلا مصابون، كما تبين لنا من خلال عددنا أن المكان في مسكننا لن يؤمن لنا الاحتماء، بما أننا نسكن بيت صغير، قررنا اذا مع أخت ثالثة لنا أن نسافر إلى البادية عند الأبوين، وكذلك قررت أختنا الأخرى، فسافرنا وبقي أزواج أخواتي في البيضاء، فهم مجبرون على العمل من طرف أصحاب الشركات، فهم مجبرون على ذلك لتأمين حاجيات الأسرة. تضيف قائلة). بمجرد وصولنا إلى بيت الوالدين احترمنا مدة العزل داخل البيت، لأن مساحة المنزل تسمح لنا بذلك، ولم نخالط الأهل إلا بعد مرور المدة المقررة للعزل وبعدها عدنا إلى حياتنا العائلية، مع العمل على التعقيم الدائم لكل المشتريات).
تقول السيدة: (لدي أخت زوجها يشتغل طول النهار في النظافة، وحتى لا يحمل العدوى لأبنائه قرر مع زملاء له في المهنة أن يكتروا بيتا لكي ينعزلوا عن عائلاتهم، هو لا يزور أطفاله إلا لإحضار المشتريات اللازمة لهم. إن الأمر صعب ومكلف ولكن لابد من ذلك، إن اقتناء سكن آخر يثقل كاهلهم، فأجورهم البسيطة لاتسمح لهم على تحمل ذلك خصوصا في غياب المساعدات من طرف الدولة، ولكن خوفه على أبنائه حتم عليه وعلى زملائه هذا الاختيار). بل هناك من اضطر للإقامة في محل عمله، أي في مكتبه لأنه يشتغل في مدينة مجاورة للمدينة التي تسكن فيها أسرته، ولأن الحجر يمنع عليه العودة إلى مسكنه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر