الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعزية بالزرقاوي: لا فرق بين -المعتدلين- و-المتطرفين- إذن!

سامر خير احمد

2006 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا المقال لا علاقة له بالخلاف بين الحكومة الأردنية والإخوان المسلمين، ولا بعمليات الحشد والحشد المضاد الجارية بينهما على قدم وساق، وإنما هو مجرد تحليل لمعنى قيام أربعة من نواب جماعة الإخوان المسلمين، التي طالما قيل أنها تمثل تياراً إسلامياً معتدلاً، بتقديم التعزية بمقتل أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان يتزعم تنظيماً متطرفاً ينسبه إلى الإسلام، ويكفر كل من لا يؤيده في الرأي والموقف حتى لو كان من "الإسلاميين المعتدلين".
فالزيارة، التي عللها أصحابها بأنها تنطلق من التفريق بين أفعال الزرقاوي "الجهادية" وأفعاله الأخرى "الإرهابية"، تعني أول ما تعني أن ثمة مساحة من القناعات المشتركة تجمع الإسلاميين المعتدلين بالمتطرفين. والحقيقية أن تلك المساحة تتمثل بالانطلاق من مرجعية واحدة في فهم الإسلام، هي المرجعية التراثية، ترسم في مخيلتهما صورة مثالية متشابهة لكيفية تطبيق الإسلام في المجتمع، ولهذا نجد أن جماعة "المعتدلين" مقتنعون بأن أفعال الزرقاوي في العراق هي مما ينطبق عليه الوصف الجهادي، لأن الزرقاوي بخطابه وخططه طابق تلك الصورة المحفوظة في مخيلتهم عن الجهاد كما كان في التاريخ، فاعتبروه مجاهداً حكماً.
الفريقان ينطلقان من فهم واحد للإسلام، مفاده أن الإسلام الصحيح والحقيقي هو ذاك الذي طُبّق في زمن السلف من المسلمين الأوائل، وأن تطبيق الإسلام اليوم يلزمه الأخذ بما كان زمن السلف والاعتراف بفضلهم وأسبقيتهم في فهم القرآن واستخلاص العلوم الشرعية منه. أما ما يختلف عليه الفريقان، ويتم على أساسه تقسيمهما إلى "معتدلين" و"متطرفين"، فهو الحد الذي يريدون تقليد السلف فيه، فالمتطرفون يقلدون السلف حرفياً في لباسهم ولغتهم ومحتوى أفكارهم التراثية (أو هكذا يظنون) فيما المعتدلون يقلدونهم في أفكارهم فقط ويستعملون إلى جوارها الملابس العصرية واللغة المتداولة!
هكذا فإن تقسيم "معتدلون ومتطرفون" ليس دقيقاً، إذ أن هذا الاعتدال المزيف ليس معناه سوى الاعتدال في تقليد الماضي عوضاً عن التطرف فيه، ما يعني أنه ليس اعتدال في فهم القرآن وتطبيقه ولا علاقة له بالمحتوى الحقيقي للقناعات الفكرية. إنه اعتدال في المظهر مع الحفاظ على التطرف في الجوهر، نفسه الموجود لدى المتطرفين.
هذا الاعتدال الانتقائي لا يمكن أن يخلق مدرسة فكرية مختلفة عن مدرسة التكفير السائدة عند المتطرفين. كل ما في الموضوع أن المتطرفين يجاهرون بتكفير كل من سواهم فيما المعتدلون يصمتون عنه أو يؤجلونه، وقد يتداولونه فيما بينهم، بل هم يتداولونه فعلاً وإن بشكل غير مباشر حين يعتبرون كل من ليس منظماً في تنظيمهم، غير إسلامي، بدليل أنهم يسمون أنفسهم "الإسلاميون"، وكأن الانتساب للعمل الإسلامي رهن فقط بالانضواء في جماعتهم!
الفرق بين الاعتدال والتطرف يكون حقيقياً حين ينبني على التفريق بين أفكار معتدلة ترى الناس سواسية، وأخرى متطرفة تظن أن صنفاً من الناس ولسبب ما متفوق على من سواه. أما حين يُجمع كل من المتطرفين والمعتدلين على تفوق مجموعة من البشر على الآخرين ويتفقون على أنها هي الإسلام والجهاد الحقيقيين، فإن الحقيقة تكون أن كلا الطرفين هم من المتطرفين.
يكون الاعتدال حقيقياً حين يُقرأ القرآن قراءة معاصرة تساوي بين الناس وتحرّم قتلهم بغير حق وتترك الحساب والعقاب لله وحده يوم القيامة وتأخذ بالمفاهيم الجديدة لحياة الناس على الأرض ولا تقيسها على ما كان في زمن السابقين الذين عهدوا مفاهيم أخرى وظروفاً مغايرة، ولا يهمها أن تعيد إنتاج ما كان من أشكال سياسية واجتماعية في قرون سابقة، ولا يعنيها أن تُجبر الناس على اعتناق ما تراه من أفكار، ولا تكمم أفواههم بدعوى الدفاع عن الدين، مقتنعة بان ليس لأحد الحق في أن يدعي أنه هو الإسلام أو ظل الله على الأرض. كذلك يكون الاعتدال حقيقياً حين يقدر، منطلقاً من قاعدة صلاحية الإسلام لكل زمان، على الاستغناء عن علوم الأولين وفقههم، باعتبارهما نتاجاً بشرياً لا إلهياً، وفي المقابل إنتاج فقه وفكر وعلوم جديدة قد ترى مثلما رأى أهل التراث، وقد تختلف معهم تماماً دون أن يدعي أحد أنها غير إسلامية لمجرد أنها تختلف مع ما في التراث.
هل مثل هذه المواصفات للاعتدال هي مما ينطبق على أصحاب التعزية بالزرقاوي؟ لو كانت كذلك لاختلفوا تماماً مع أفكاره وتصرفاته ولما قاموا من ثم بالتعزية فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah


.. 129-Al-Baqarah




.. 131-Al-Baqarah