الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الرأسمالية الدورية وتداعيات فايروس كورونا المستجد

صبحي مبارك مال الله

2020 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


حلت الأزمة الرأسمالية الدورية في دول العالم في وقت مُبكر عن ماكان متوقع ، بسبب تفاعل عوامل طبيعة النظام الرأسمالي ولكن الذي فاقم الأزمة الرأسمالية هوتفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد- 19 ) وتداعياته والذي قرّب تفجر الأزمة.
لقد بين ماركس في كتابه الرأسمال مفهوم الدورة الرأسمالية المالية -الاقتصادية وهي عبارة عن التكرار الدائم لحركة الإنتاج الرأسمالي من أزمة إلى أخرى وبين مراحل الدورة الرأسمالية وهي : الأزمة -الركود -الإنتعاش – الصعود(النمو) – أزمة جديدة فالمرحلة الأساسية في الدورة الرأسمالية هي (الأزمة) وبرهن بجلاء إن سبب الدورية في حركة الإنتاج الرأسمالي يكمن في التناقض الأساسي للرأسمالية.والمحللون البرجوازيون يعزوها إلى المضاربات التي جرت في أسواق الرهن العقاري ولكن المضاربات صفة مؤقتة وتخدم فائض الإنتاج كما يشير إلى ذلك ماركس وإنجلس، ولكن المضاربة تعجَّل بقدوم الأزمة وتزيد من قوتها . والأزمة تبدأ بالمضاربات ثم تشمل الإنتاج .
إن الرأسمالية هي التشكيلة الاجتماعية -الاقتصادية الأولى والوحيدة في تأريخ البشرية ، تنشأ فيها مشكلة فائض إنتاج الثروات المادية . فالتشكيلات التي سبقتها عانت فقط من أزمات نقص الإنتاج وقلته . من أبرز الأزمات الرأسمالية -هي أزمة الكساد الكبير 1929-1933 والتي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع مروراً بأزمات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين وصولاً للأزمة المالية الكبرى لعام 2008م والتي مازالت تداعياتها مستمرة . الأزمات الرأسمالية هي أزمات بنيوية في طبيعة النظام الرأسمالي وأن لكل أزمة سببها المباشر المسؤول عن تفجيرها أي شرارة الأزمة ، الطبيعة البنيوية للنظام مرتبطة بنظام الدورات والتقلبات الاقتصادية. كما هناك بحث دائم عن أساليب العلاج التي يحاول من خلالها القائمون على النظام الرأسمالي أن يتجاوزوا بها الأزمة بواسطة ضخ الأموال الكبيرة إلى المصارف وكذلك إجراء إصلاحات على النظام المالي ويشير ماركس إلى إن الإقتصاديين البرجوازيين يبحثون عن منشأ العواصف وسبل الوقاية منها في المجال الأكثر تجريدية من العملية، في مجال التداول المالي النقدي. (علّة المجتمع البرجوازي لايمكن شفاؤها من خلال إعادة هيكلة البنوك أو إقامة (نظام نقدي ) عقلاني (كارل ماركس، حول نقض الأقتصاد السياسي) وياتي تفسير آخر للأزمة وهو (توسع الأسواق غير قادر على اللحاق بتوسع الإنتاج ليصبح التصادم حتمياً وبما انه لايستطيع أن يحل التناقض لذلك الحين ، عندما سيفجر أسلوب الإنتاج ذاته ، فأنه يأخذ شكل الدورية . ومن خلال الأزمات يظهر بقوة لايمكن كبحها التناقض بين الإنتاج الاجتماعي والتملك الرأسمالي . وأسلوب الإنتاج يثور ضد أسلوب التبادل وتثور القوى المنتجة ضد أسلوب الإنتاج، الذي تجاوزته ).
فيض الإنتاج الاقتصادية : نظام الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج ، وفوضى الإنتاج الناتجة عنه وكذلك التنافس وإستغلال العمل المأجور بدون رحمة، هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى الإخلال المستمر في التناسبات المتكونة لعملية إعادة الإنتاج الرأسمالي، وهذا الخلل يتراكم ويتفاقم ومن ثم يؤدي إلى إنفجار التناقضات المتراكمة، آخذاً شكل أزمة فيض الإنتاج الاقتصادية.
ومن أهم التناقضات الأساسية لأسلوب الإنتاج الرأسمالي، الذي يؤدي إلى حتمية الأزمات الأقتصادية هو التناقض بين الإنتاج والإستهلاك، كما إن التقدم التقني وزيادة إنتاجية العمل على نطاق المجتمع ككل، يؤديان إلى زيادة التركيب العضوي للرأسمال الاجتماعي. أي إلى النقص النسبي لحصة الرأسمال المتغير ويوجدان الميل إلى إنخفاض وتائر نمو نسبة الربح.
بعض سمات الأزمات الاقتصادية المعاصرة :منذُ إنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت ظروف إعادة الإنتاج في الفروع المنتجة للمواد الخام ولحوامل الطاقة الأولية ، وكذلك إنتاج الطاقة الكهربائية غير مشجعة في الدول الرأسمالية المتطورة. فمعدل الربح على الرأسمال المستثمر في تلك الفروع كان أقل بكثير من أمثاله في أكثرية فروع الصناعات التحويلية . حاولت الدول الرأسمالية ان تخفف من هذا التشوه الهيكلي بين فروع الإنتاج، أما من خلال تقديم التسهيلات الضريبية للصناعات الإستخراجية أو من خلال تأميم هذه الفروع وتطوير قطاع الدولة فيها كما حدث في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. التطور السريع نسبياً للرأسمالية الإحتكارية منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية السبعينيات من القرن العشرين كان مُؤسس بدرجة كبيرة على الأسعار المنخفضة للمواد الخام وللبترول فهذا التطور إستند إلى الأشكال الكونيالية الجديدة لإستنزاف الأرباح من الدول النامية .منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي تغيرت الصورة نتيجة الإرتفاع الكبير في أسعار النفط الذي شهده العالم والمستفيد الأساسي منه الإحتكارات البترولية العملاقة إلى زيادة مداخيل للدول المنتجة للنفط والتي صبت عائداتها في فروع إقتصاد الدول الرأسمالية المتطورة إن كان من خلال البنوك أو الصناعات العسكرية أو إقامة المشاريع غير الحيوية . ونتيجة لهذا التحول في هيكيلية الأرباح الرأسمالية كان أحد الدوافع في إعادة قوة الإتجاه الليبرالي الأقتصادي في المراكز الإمبريالية العالمية والذي أصبح سائداً في بريطانيا ومن ثم في الولايات المتحدة الأمريكية والذي تحول إلى موجة عارمة بعد إنهيار المنظومة الأشتراكية في الاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية والوسطى .لقد كان النجاح المؤقت والنسبي لليبرالية الاقتصادية مؤسساً على النهب الشامل للثروات التي بنتها الأشتراكية في تلك البلدان إلى جانب تشديد النهب على الدول النامية دول الأطراف ضمن الظروف الدولية الجديدة .
وفاق واشنطن :-ان منطلقات الليبرالية الاقتصادية تبلورت فيما أطلق عليه تسمية (وفاق واشنطن)أو إجماع واشنطن في عام 1989، حين اتخذ اجتماع الدول السبعة الكبار وبناء على توصية الطغم المالية ، توجيهات عامة للتطور الاقتصادي لفرضها على الدول الأخرى عبر عدة قنوات يأتي في مقدمتها ندوق النقد الدولي والبنك العالمي (الدولي) وتتلخص النقاط الأساسية ل(وفاق واشنطن) بمايلي:-
1-إعتماد موازنات دولة تقشفية من خلال تخفيض الإعتمادات الاجتماعية فيها ، بحجة التخلص من عجز الموازنة وتخفيف وتيرة التضخم.
2-تقديم تسهيلات ضريبية كبيرة للأغنياء بحجة أنهم الأكثر ميلاً للإدخار والإستثمار . 3- إعتماد فائدة مصرفية عالية من أجل تشجيع الإدخار .
4-إعتماد سعر صرف متدن للعملة المحلية بحجة تشجيع التصدير.5 --حرية التجارة وحرية إنتقال الرساميل في كل أرجاء العالم
6- السعي إلى جلب أكثر ما يمكن من الرساميل الأجنبية . 7-الخصخصة 8- إلغاء دعم الدولة وخاصة للإنتاج الزراعي .9- إلغاء أي تقييد لحرية المنافسة 10-الضمان القانوني للملكية الخاصة ولتكوين الثروات الشخصية الكبيرة .
وكانت التوجهات الليبرالية الجديدة هي تقديم إملاءات من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للدول النامية :-1- زيادة دور الرأسمال الخاص المحلي وخاصةً الأجنبي في إقتصاد الدول النامية 2-خفض الدعم عن السلع وخاصة الطاقة والمنتجات الزراعية وصولاً إلى إزالته .3- خصخصة قطاع الدولة 4- فتح أبواب الاقتصاد لحركة الرساميل من وإلى خارج البلاد.5-التوقف عن أية توظيفات حكومية في الإستثمارات الإنتاجية 6- تجميد الأجور وعدم ربطها بالأسعار وخفض النفقات الاجتماعية وتسريح عدد كبير من العاملين .وكما نلاحظ بأن وفاق واشنطن ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليست في صالح شعوب الدول النامية بل لفتح أبواب الأسواق المحلية على مصراعيها لدخول الرأسمال الإحتكاري الأجنبي والقضاء على الإنتاج الوطني .كما نرى تكون هوة سحيقة بين الأغنياء والفقراء في دول الأطراف وإلغاء دور الدولة في الاقتصاد الوطني . كل هذه الإجراءات لإزالة الكوابح المخففة للأزمة الاقتصادية الدورية المرافقة للإنتاج الرأسمالي .
الأزمة الاقتصادية الدورية عام 1929 (الكساد الكبير) :في يوم الخميس (الأسود)24 أكتوبر 1929 حدث إنهيار مفاجئ في قيمة الأسهم ببورصة وول ستريت بنيويورك نتيجة ارتفاع العرض عن الطلب، فعجز المضاربون عن تسديد ديونهم مما أدى إلى إفلاس البنوك ومن مظاهر الأزمة عجز الرأسماليين عن تسديد ديونهم حيث أدى ذلك إلى إفلاس البنوك وإغلاق العديد من المؤسسات الصناعية كما عجز الفلاحون عن تسديد ديونهم فأضطروا للهجرة إلى المدن، مما أدى إلى إنتشار البطالة ثم إنتشرت الأزمة إلى الدول الصناعية الأوربية بعد أن سحبت الولايات المتحدة الأمريكية رساميلها المستثمرة بالخارج كما إمتدت إلى المستعمرات ولم يفلت من الأزمة سوى الإتحاد السوفياتي لإتباعه النظام الأشتراكي. أزمة 2008 الاقتصادية الدورية تعتبر أسوأ كارثة إقتصادية منذُ الكساد العظيم والني أدت إلى تدمير الاقتصاد العالمي في عام 2008حيث أدت إلى الركود الكبير والذي أدى إلى إنخفاض أسعار المساكن والزيادات الحادة في معدلات البطالة . في الولايات المتحدة فَقَدَ أكثر من ثمانية ملايين مواطن وظائفهم وتم تدمير مايقارب 2.5 مليون عمل وحجز مايقارب أربعة ملايين منزل في أقل من عامين . مع إنعدام الأمن الغذائي. كما حدث تطور في تداعيات الأزمات الاقتصادية ، ففي الأزمات السابقة تؤدي إلى إنخفاض الأسعار نتيجة تكدس البضائع والأقبال على الطلب يمهد الطريق إلى النهوض من الركود . ولكن في الركود التضخمي لايحدث إنخفاض في الأسعار والركود التضخمي مصطلح لم يعرفه العالم قبل سبعينيات القرن الماضي فهو عبارة عن عاصفة كاملة من الأخبار السيئة لأي دولة والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع البطالة وبطْء النمو وإرتفاع التضخم مع تقليل للقوة الشرائية وإرتفاع الأسعار. الأزمات الاقتصادية الدورية لاتجلب سوى الحروب والفقر والبطالة والتدهور في جميع المستويات التنموية والخدمية والبنى التحتية وحالياً كشفت هذه الأزمة التي رافقت كورونا، ضعف النظام الرأسمالي والذي سيكون أعمق من أزمة 2008 وإنكماش سوق النقد الدولي، إنكماش الإقتصاد الأمريكي 6% وسوف يتبع النظام الرأسمالي سياساته الليبرالية كما جرى في 2008 أو في نهاية الثلاثينيات ولابدّ ان تتدخل الدولة الأمريكية، وشراء القروض المتعثرة و شراء العديد من المؤسسات الآيلة للسقوط ، كما نلاحظ جرى تسريح آلاف العمال وفقدوا الكثير من الموظفين عملهم ومع تأزم وإنتشار وباء كورونا الذي أدى إلى3،660،470 مُصاب ووفاة 252،680 ، ومعافى 1،203،874 لغاية كتابة المقال وجرى تقديم مًنح من قبل الدولة لتخفيف وطأة الأزمة . الآن العالم يعاني من الركود وتوقف الحركة الإنتاجية وجمود الأسواق المالية مع إنخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك على الدول المُنتجة للنفط، خصوصاً الدول التي إقتصادها ريعي كما في العراق ولأول مرة يحدث إنهيار تأريخي في أسعار النفط الخام للعقود الآجلة إلى -37 ناقص دولار مع عدم الإستعداد من قبل دول العالم لمواجهة وباء كورونا .فالدول المحيطة أو النامية في مقدمة الدول المتأثرة بالأزمة ووباء كورونا والتبعات ستكون خطيرة وسوف تؤدي إلى ثورات إجتماعية مع متغيرات سياسية وإقتصادية .
المصادر : ويكيبيديا، ماركس ، إنجلس ، الدكتور عمار بكداش ، د. فهمي الكتوت، الدكتور فؤاد مرسي-الرأسمالية تجدد نفسها، د. هشام غصيب -الماركسية (محاضرات)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن