الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة الامام علي: بماذا ولماذا اخفقت

احمد جليل البياتي

2020 / 5 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يقف ابن خلدون مع معاوية في خصومته مع الامام علي بشكل واضح لا لبس فيه مخالفا" أغلب المسلمين, معللا" ذلك بنظريته الاجتماعية الواقعية. يفصل أبن خلدون بين ما هو كائن ( الواقع) وما يجب ان يكون ( المثالية) وعلى هذا الاساس يعتقد ان أن معاوية بما يملكه من فريق وجمهور قوي (عصبية قوية) اكثر استعدادا" من الامام علي لتولي الخلافة و أن معاوية لم يقاتل الامام علي لمصالح دنيوية أو شخصية وانما لدوافع عصبية وقبلية كانت اقوى منه بحيث لو أن معاوية لم يقاتل الامام علي لقاتله غيره بسبب هذه الدوافع العصبيه والقبلية التي كانت أقل حدة في عهدي أبا بكر وعمر, على أعتبار ان الناس كانوا ما زالوا تحت تأثير خوارق الأعجاز النبوي. هذا التأثير بدأ بالزوال مع مرور الزمن حتى طغت عليه العصبيه وروح القبلية في عهد الأمام علي حتى نسى المسلمون القيم الدينية العليا ولم يعد للضمير الديني قيمة تذكر .على هذا الاساس, أستبدال الامام علي ضمن ظروف مرحلته كان مسألة وقت حتى لو لم يقم معاوية بقتال الامام علي لقام به شخص اخر. كأن يشير الى أن الثأر لمقتل عثمان بالبشاعة المعروفة لمن يكن لينسى من قبل قبيلته ومريده. يروي ابن كثير في البداية والنهاية في احداث سنة سبعة وثلاثين هجرية أن معاوية كان يقول كيف اطيع رجلا" اعان على قتل عثمان ( يقصد الامام علي) واوى قتلته. كان معاوية يطالب الامام علي بدفع قتلة عثمان أليه بما فيهم عمار ابن ياسر. وعلى اساس هذا الحديث ذهب وفد الى الامام علي يطالبه بدفع قتلة عثمان فخرج جمع مقابل مبايعته فخرج خلق كثير من جيش الامام علي يقول كلنا قتلة عثمان. أستند أبن خلدون على هذه الحوادث التاريخية لتأكيد نظريته حول العصبية والقبيلة ودورها في الصراع بين معاوية والامام علي وانتهاء هذا الصراع لصالح معاوية نتيجة لتماسك جماعته وأتفاقهم مقابل انسحاب وانفكاك جماعة الامام علي من حوله.
أما علي الوردي, عالم الاجتماع العراقي, فيعتقد ان سبب أخفاق الأمام علي في صراعه مع معاوية هو مثالية الامام علي الدينية التي وقفت وجها لوجه ضد الواقعية الدنيوية لمعاوية. يقول علي الوردي في هذا الخصوص "ربما نبالغ ان قلنا ان الحلم المثالي لأفلاطون في حكم فيلسوف تحقق عندما اختير علي لخلافة الامبراطورية الأسلامية. غير ان علي أثبت أخفاقه الكامل." المثالية ضمن منهج الوردي تعني ان يعيش الشخص معايير اخلاقية ودينية سامية, أما الواقعية ف تعني الحرص على الحقائق والتفاصيل اليومية والتعامل بما يتناسب معها. يعتقد علي الوردي ان الامام علي كان يتعامل مع الامور من برج عاجي بني على درجة عالية من المعايير الاخلاقية السامية وبالتالي ابتعد عن الواقع مما ادى اخفاقه. تعليل علي الوردي يختلف عن تعليل ابن خلدون لانه يجعل دوافع معاوية دوافع دنيوية مصلحيه لا عصبيه وقبلية متمكنه. ولذلك كان علي الوردي يعتقد ان ابن خلدون قد انحاز الى معاوية في صراعه مع الامام علي. أما بخصوص الامام علي فكلا الموقفين الوردي والخلدوني يؤديان لنفس النتيجة, فضعف عصبيته وانفكاك الناس من حوله ناتج عن مثاليته في التعامل وعدم مهادنته الاخرين. يروي اليعقوبي في تاريخه ان المغيرة بن شعبة قال للأمام في اول ايام خلافته بأن ينفذ طلحة الى اليمن, والزبير الى البحرين, وابقاء معاوية على الشام حتى تستقيم الامور وبعد ذلك ينظر فيهم كما يشاء, فلم يستمع الامام لنصيحته, فقال المغيرة: والله ما نصحت له قبلها, ولا أنصح له بعدها. فهل كان الامام مثاليا" وبعيدا" عن الواقع كما يرى الوردي؟
لتقيم تجارب الاشخاص فمن الضروري تحديد المعايير التي وضعوها لأنفسهم لتحديد الاخفاق من عدمه. مثلا يعتقد ابن خلدون أن العلم والغنى نادرا" ما يجتمعان في شخص واحد معللا" ذلك بان رجل العلم عادة ما يفخر بنفسه وذكائه في حين ان رجل المال يتبع طريق الخضوع والتملق. ولكن هل يكترث رجال العلم للمال حتى يتبعون سبيل التملق والخضوع؟ وهل يكترث رجال المال للعلم حتى يفخرون بذكائهم؟ بالتأكيد كلا وبالتالي يمكن القوم ان كلاهما ناجح في تحقيق مبتغاه. لذا لا يمكن لنا ان نصف تجربة احد بالفشل او بالنجاح مالم نعرف المعايير التي وضعها لنفسه. لذا يكون السؤال ما هي معايير الامام علي؟
من المسلم به ان الامام علي كان يعتقد بأحقيته بخلافه المسلمين بعد الرسول, ولكنها لم تكن هدفه المنشود ولم يكن يسعى لها بالخضوع والتملق على حساب مبادئه وقيمه. عندما جاءه الناس بعد مقتل عثمان قال لهم دعوني وألتمسوا غيري فأني لكم وزير خير من أمير وهنا نرى واقعية الامام علي ومعرفته بحال الناس بعكس ما ذهب اليه الوردي. وكذلك قال انّ إمرتكم هذه لا تساوي عندي شسع نعلي ما لم أقم بها عدلا. اذن من الواضح ان الخلافة لم تكن احد الامور التي يسعى لها الأمام والتي من الممكن ان يقاض بها عزة نفسه ومبادئه.
الامام علي لم يخفق في تحقيق اهدافه ضمن معاييره الشخصية وهي معايير الاسلام والنبوة ولم يكن مستعدا" لتنازل عنها لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله. لم يكن مستعد لأبقاء معاوية في منصبه لكسب مزيد من الوقت ولم يكن مستعد لتولية طلحة والزبير على الامصار لأجل كسب ودهم وولائهم. لم يكن الامام علي مثاليا" فهو يدرك ان الناس لن تتفق عليه ولذا قال واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً. أذن الصراع بين الامام علي ومعاوية كان صراع مبادئ وقيم وفعلا" اخفق الامام علي في كسب قيم معاوية وأخفق معاوية في كسب قيم الامام علي.
اخفق الامام علي في تفضيل الناس ومحاباتهم والتملق لهم بالمال والكلام والمناصب ليبقى في منصبه. وهو اخفاق لا يليق ألا بأبي الحسن وأمثاله من اصحاب القيم والمبادئ السامية. يقول أبن ابي الحديد في ذلك" كان علي بن أبي طالب: لا يفضل شريفا" على مشروف, ولا عربيا" على أعجمي, ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل, فكان هذا السبب الأكيد في تقاعس العرب عنه!" ولكن لو فرضنا العكس وتناغم الأمام علي مع متطلبات البقاء في المنصب وفضل بعض الناس على الناس على أسس القومية والأسبقية والمراكز وأعطى معاوية الشام, فما كانت لتكون النتيجة على أرض الواقع؟ سيكون ألامام مؤسس ومشرع لنظام أسلامي طبقي يشابه الى حد كبير نظام المحاصصة وأرضاء الجميع المتبع في العراق ولبنان . فهل هذا فعلا" ما يريده المنتقدون من الأمام علي؟
الأمام علي حاول تأسيس منظومة عادلة ذات مبادئ واضحة ترفض التمييز الطبقي والأجتماعي وترفض المحاصصة. أمثال هذه المنظومة نجدها اليوم مطبقة في بعض الدول الناجحة وبالتالي هي ليست منظومة خيالية أو مثالية. لذا لم يخفق الامام علي في مشروعه وأنما أخفق من تقاعس عنه من العرب وغيرهم وانتهوا الى أحضان الدكتاتوريات الأموية والعباسية والعثمانية والعسكرية و المحاصصاتية في عصرنا الحاضر. هذه الدكتاتوريات اتبعت بالضبط ما يريده المنتقدون من الامام علي. أما انفكاك الناس من حول الامام فقد اجاب عنه في معرض رده على الخوارج بقول " أن الله عز وجل يقول ((ولله على الناس حج البيت من أستطاع أليه سبيلا ومن كفر فأن الله غني عن العالمين)), أفرأيتم هذا البيت لو لم يحجج اليه احد كان البيت يكفر؟ أن هذا البيت لو تركه من أستطاع أليه سبيلا" كفر, وانتم كفرتم بترككم اياي لا أنا كفرت بتركي لكم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا