الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبن خلدون ونبذ الفلسفة(1)

داود السلمان

2020 / 5 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا غرو ما للمكانة التي بلغتها مقدمة ابن خلدون (1332- 1406م)، في الاهتمام المتزايد من قبل شريحة واسعة من مفكرين وباحثين ومثقفين، قديمًا وحديثًا. فهي فعلا مقدمة كتبها الرجل وهو في طوره لتدوين حقبة مفصلية من تاريخ الاسلام، أرتأى أن يسطر حروفها بحسب نظره، ومن خلالها استشف ذوو الاختصاص أن المقدمة هذه تُأسس لـ "علم الاجتماع" حتى قال بعضهم أن أوجست كونت (19 يناير 1798 - 5 سبتمبر 1857)، مؤسس علم الاجتماع الغربي، أنه اكتشف نظريته الاجتماعية من خلال هذه المقدمة التي كتبها ابن خلدون قبل خمسة قرون ونيف، وانا اشك في ذلك.
ابن خلدون، قبل كل شيء، هو فقيه متعصب للفقه، ومؤرخ لا يجيد غير التاريخ يخوض في لجة بحره، وهو يبغض كل فكر آخر بما فيه المنطق والفلسفة وعلم الكلام وعلم التصوف، وهلمّ جراً. وهذا ليس تحايلا على الرجل، فالذي يقرأ مقدمته بتجرد سيرى ما قلناه بنفسه.
يحدثنا ابن خلدون في معرض حديثه عن الفلسفة، في فصل خاص بهذا الشأن افرده في مقدمته. فقال بداية: "وضررها – أي الفلسفة – في الدين كثير"!، وهذا ليس بغريب من ابن خلدون، لكن الغريب إن كثيرًا من الكتاب والباحثين يصنف ابن خلدون من ضمن الفلاسفة!، واعتقد أن ابن خلدون لو كان يدرك أن مقدمته هذه أنها تؤسس لعلم الاجتماع، لتنازل عن كتابة هذه المقدمة وطفق مباشرة بتدوين التاريخ بدون مقدمة وخصوصًا بهذا الاسهاب، كما فعل الطبري وابن الاثير والمسعودي والذهبي وابن سعد صاحب الطبقات، وغيرهم.
والاكثر غرابة هو قوله هذا بوصفه خطورة الفلسفة على الدين!، فأي دين هذا الذي تهز أركانه فلسفة، ويهدد عرش وجوده منطق، ويدثر مجده كلام، وتحطم تاجه نظريات!؟. الذي يبحر محيطًا متلاطم الامواج بزورق معطوب لا غضاضة عليه اذا خاف الغرق. هل أن الدين هو كهذا الزورق المعطوب، والفلسفة هي المحيط ذي الامواج العاتية؟!. السؤال موجه لأبن خلدون.
ويرى ابن خلدون بصفته مؤرخ وفقيه، أن الشرع يأمره أن يوضح موقه الشرعي من الفلسفة، ويبين مدى هذه الخطورة التي تحدث عنها. فيقول: "وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية، وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع، فإنها بعض من مدارك العقل".
إذن، هو يعترف بأنّ الذي يقوله أرباب الفلسفة من آراء وتصورات ومعتقدات ومن منطق ونظريات أخرى، ايعازها أو مصدرها العقل. والذي نفهمه من كلامه: أن الدين لا ينسجم والعقل، لذك يظهر الخطر على الدين، على حد زعمه، اليس هذا هو المقصود من كلام ابن خلدون؟. وهؤلاء الذي يشتغلون بالعقل "يسمون فلاسفة". وليس هذا فحسب، بل أنهم، أي الفلاسفة "وضعوا قانوناً يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل، وسموه بالمنطق".
ويقصد به منطق ارسو، هذا المنطق الذي ابدعه اعظم عقلية في تاريخ البشرية قاطبة قبل الفين واربعمائة سنة تقريبًا، وهو الى الآن لاتزال عقول معظم البشرية تشتغل على هذه القانون، في مجال المعرفة بكافة اشكالها، وكم من شخص حاول أن يضع بديل لهذا المنطق فاخفق وبان عجزه، حتى ابن تيمية الفقيه المتشدد حاول ان ينقض هذا المنطق، بحد زعمه، ببضع وريقات قال انها نقض لمنطق ارسطو، فكانت جوفاء لم يلتفت اليها أحد، فاين الثرى من الثريا.
ثم اخذ ابن خلدون يشرح عمل هؤلاء الفلاسفة ورسم صور واضحة لعلومهم وكلها على ضوء العقل وقانون المنطق، اذ كيف أنهم يتحدثون عن الكواكب والنجوم وعن النفس وخلودها، والوجود والميتافيزيقا، وعن قضايا كثيرة هي من واجب الطرح الفلسفي الذي يفضي عادة الى تحريك الفكر البشري وحثه على التأمن والتفكر والتمعن وللنظر والقياس، وقضايا أخرى هي من اولويات الفلاسفة. ولكن كل هذا لا يعجب ابن خلدون، انما الذي يعجبه هو الفقه والاحاديث المنسوبة للنبي والتي يطلق عليها كتب الحديث وفيها ما فيها من الغث والسمين. حيث هناك اطنان من الحديث لا صحة لها بحسب كثير من ذوي الاختصاص.
فابن خلدون يستخدم المنطق بنقد المنطق.
ويسهب ابن خلدون في حديثه بشرح ما ابدع الفلاسفة من نظريات وافكار واطر لها علاقة مباشرة بإفرازات العقل وما ينتجه من قضايا يجب التفلسف بها وشرح غموضها وبيان حقيقتها، ومدى حدودها، وهي غير خافية على ابن خلدون، ولكن لا يستطيع لبُه أن يدرك مكنونها، ويحل اسرارها فالفلسفة صعبة المراس، لا يدرك بحرها الطامي الا من خاص في هذا البحر. الى أن يصل ابن خلدون الى قوله:
"ثم كان من بعده – أي بعد ارسطو- في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رايه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين، لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة، وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها، وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة، وأبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما".
والفلاسفة هؤلاء يعتبرهم ابن خلدون ضالين اضلهم الله بحسب ادعاءه!، لأنهم يشتغلون بالعقل، ناسيًا أنّ عمله هذا يسير وفق العقل، وحينما يرمي الفلاسفة بهذه التهم جزافا وينسبهم الى الضلال انما يُعبّر عن نوازع نفسه، وخلجات وعيه، فالفلسفة والمنطق بنظر ابن خلدون هي أمور تفضي بالإنسان الى الضلال والخسران وما بعدهما الا دخول النار!، لأنها اعمال لا يراد منها وجه الله، بحسب المنطق الخلدوني هذا. وهذا الكلام ليس ابن خلدون هو أول من قاله، بل هو عين ما قاله الغزالي قبله في (المنقذ من الضلال) وكذلك في (تهافت الفلاسفة) وكأن ابن خلدون يعيد الكلام نفسه، وقد رد على الغزالي فيلسوف الاندلس ابن رشد ردًا معتبرًا وبإسهاب في مجلدين ضخمين بعنوان (تهافت التهافت). والمضحك في الامر أن ابن خلدون لا يعرف أن يضرب مثلا إلاّ بالنعل، الذي هو احقر شيء (حذو النعل بالنعل)!، وهو منطق المستخف بعقول الآخرين.
يتبع.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - -----لاحظ قوله - وذلك أن قوما
عبد الله اغونان ( 2020 / 5 / 7 - 02:11 )
هناك اضطراب ومراوغة ومغالطة في المقال
شهرة ابن خلدون معترف بها عالميا ومقدمته عامة تعتبر استنتاجا علميا فأن يجمع مؤرخ بين الحقيقة الفكرية وبين الفقه فتلك ميزة فكثيرون يسمحون بوصف شعر أبي العلاء المعري
بكونه فلسفة رغم أنه مجرد شعر وفيه تناقضات كثيرة
فلا ضير في جمع مفكر بين فنين
أنت تضرب مثلا فيلسوف الأندلس ابن رشد صاحب كتاب ( تهافت الفلاسفة )في الرد على حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة ) حيث بين كفرهم في ثلاث مسائل وبدعهم في عشرين مسألة - ابن رشد هذا هو نفسه مؤلف كتاب فقه مشهور مطبوع اسمه كتاب (بدايةالمجتهد ونهاية المقتصد)وهومعتمد لدى الفقهاء الأصوليين وليس هذا اجتهادا لدى ابن رشد بل مجرد نسخ ونقل وشرح ومحاولة تأليف بين الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية لذلك حامت حول فلسفته الشبهات حياته وبعد موته
ماذا أفادتنا الفلسفة وعلم الكلام جل مباحثهم خارج الواقع والعقل بل فيها أساطير منقولة
كأسطورة حي ابن يقظان خلق من طين عاش في غابة وتوصل بعقله الى كل معارف الشرع

اخر الافلام

.. عزوف واسع عن التصويت في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية ال


.. من وراء تسريب بيانات ملايين السوريين في تركيا؟




.. وزارة الداخلية الإيرانية: نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاس


.. نافذة خاصة من إيران ترصد جولة الحسم من الانتخابات الرئاسية




.. تسريب بيانات 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا.. والمتورط في الواق