الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (15) وجها لوجه- الجزء 4

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 5 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في إطار الحديث عن الهامش، هناك المناطق القروية، قيل الكثير عن رحيل أهل المدينة إلى البادية، قيل الكثير عن تجمعات أهل البادية يوم السوق، ولكن لم يتحدث أحد عن وقع الجائحة على أهلها، وكأنهم ليسوا جزءا من المجتمع المغربي، ككل الذين لم يحترموا الحجر الصحي الإجباري نالوا هم أيضا حقهم الشتم والتحقير. إن المحيط القروي في المغرب يشمل %90 من المساحة الإجمالية للمغرب وهو يمثل 40 % من ساكنته. حسب التقرير الذي أصدره المجلس الاقتصادي ، الاجتماعي والبيئي في سنة 2017. يتبين من خلال نفس التقرير أن المناطق القروية هي أكثر مناطق المغرب فقرا، فنسبة الفقر فيها تصل إلى 76 %، أما نسبة الهشاشة، فتصل إلى 64%، أما نسبة عدم التمدرس، فتصل إلى 7،47%، هاته النسبة ترتفع إلى %56 في المناطق الجبلية. في مقابل هذا الوضع الفقير والهش للمناطق القروية ، نجدها حاضرة بقوة في الاقتصاد المغربي، وإن كانت جد مغيبة في الحديث عن دوره الاقتصادي، فهي تلعب دورا قويا في الاقتصاد المغربي، إذ تنتج 20 % من الناتج المحلي الإجمالي « PIB »، وتوفر 43 % من الحاجيات الاستهلاكية للبلاد، بتوفير ليس فقط الحاجيات الغذائية للمغاربة، وإنما كذلك بجلب العملة الصعبة عن طرق التصدير للمواد الفلاحية للخارج، والتي تبلغ نسبتها مابين 15 % و21%. إن المناطق القروية لها دور هام في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي بالمغرب، فهي تساهم حسب الإحصائيات المتداولة بنسبة 87 % من الحليب ومشتقاته من حاجيات المغرب من و 100 % من حاجياته في اللحوم و 50 % من حاجياته من السكر و 72 %من حاجياته من الحبوب، كما أن المناطق القروية تغطي حاجيات البلاد من الخضروات والفواكه. في خضم هاته المساهمة في اقتصاد البلاد، للمناطق القروية أيضا فئاتها الفقيرة، بل هي التي تمثل كما ذكرنا سابقا أعلى نسبة فقر في المغرب. إن العالم القروي بعيدا عن الضيعات والوحدات الإنتاجية الكبرى التي تشتغل بالأساس في قطاع التصدير، و التي هي من ملك الطبقة الغنية بالمغرب، هناك عالم قروي يعيش عزلة ليس فقط على المستوى الجغرافي، بل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي. هذا العالم القروي يتكون هو أيضا من عمال وعاملات في الوحدات الفلاحية الكبرى مقابل أجر هزيل بدون أدنى حماية قانونية، ومن فلاحين صغار ومتوسطين إن كانوا في مناطق الفلاحة البورية او السقوية، فهؤلاء يعانون أيضا ولكن بدرجات متفاوتة في ضمان غذائهم ومنتوجهم الزراعي، إن الزراعة البورية أعلنت منذ مدة عن ضياع محصول السنة بسبب الجفاف، في حين الفلاحة السقوية وإن كانت أحسن حالا فهي الأخرى تعاني من قلة دورات السقي بسبب سياسة التقشف التي قررتها الدولة وبثقل المصاريف التي تتطلبها بعض الزراعات مثل الشمندر والخضر والذرة ومزروعات أخرى. تضاف إلى معاناة الفلاحين الصغار والمتوسطين في أراضي السقي، إن الجفاف والتقليل من دورات السقي سيؤدي إلى إنتاج ضئيل لن يكفي لا لضمان عيشهم بشكل سليم ولا لتسديد ديونهم للدولة، أي ثمن البذور والماء والمواد الكيماوية لمعالجة الفلاحة. في خضم هاته المعاناة تأتي جائحة كوفيد 19 لتعمق الفقر والحاجة في المناطق القروية ولتزعزع النظام الاقتصادي والاجتماعي للفلاح، إن كثيرا من أهل المناطق القروية يعيشون على إيقاع السوق الأسبوعي. إن منع الأسواق احتماءا من كوفيد 19 أضعف قدرات الفلاح الشرائية، فالأسواق لها وظائف متعددة لضمان حياة القروي. من أهم وظائف السوق أنها مكان بيع وشراء، فكثيرا من الفلاحين يعيشون في انتظار المحصول الفلاحي على بيع خروف أو نعجة أو دجاج في السوق الأسبوعي أو منتوج يدوي ليتسوق بالمال الذي حصل عليه من البيع. وهنا نحن لا نتحدث عن الملاكين الكبار والذين يدخلون في إطار الاتجار بالمواشي ، بل نتحدث عن الفلاحين الصغار الذين يلجؤون لبيع مواشيهم للعيش. إن إغلاق الأسواق الأسبوعية تضعهم في وضع اقتصادي هش وتعمق فقرهم. إن تزامن الجفاف مع وباء الكورونا والحجر الصحي الإجباري و إغلاق الأسواق لا تمس فقط بحياة الفرد القروي، بل تضع مصادر رزقه في خطر، فالسوق هو أيضا فضاء لشراء العلف للمواشي، فانعدام الكلأ أو العشب في الأماكن المخصصة للرعي يجعل الفلاح مضطرا لبيع مواشيه، إما لشراء الأكل للباقي أو اتقاءا لموتها. إن الفلاح يعاني من الجائحة ومن سنة صعبة، إذ الذهاب إلى السوق الأسبوعي ليس خيارا، بل هو اضطراري لتسويق المواشي والحصول على بعض النقود للتسوق . تقول سيدة من البادية في لقاء هاتفي: ( إن القرويين "لعروبية" يعانون جدا ، فكل السبل أغلقت في وجوههم ، فهناك الجفاف الذي يؤدي لموت مواشيهم وهناك الفيروس وإغلاق الأسواق والذي يمنعهم من بيع محصولهم المدخر أو ماشيتهم ليضمنوا لقمة عيش، إن الذهاب للسوق ليس فقط من أجل التبضع بل من أجل الاتجار وكسب بعض النقود. إن الأكثر ضررا هم الباعة المحليون، أي القرويون إن كانوا من منتجين صغار للخضر أو المختصين في تربية الماشية، نحن هنا لا نعاني من قلة البضائع، فهي تحمل كل يوم لحد عندنا في "الدوار" إن كل ماهو في السوق يأتي إلينا عن طريق شاحنات آتية من المدينة أو عن طريق بعض أهالي المنطقة، من لهم رأسمال لدخول هذا النوع الجديد من التجارة)، إن المشكل عند أغلب أهل "الدوار"القرية أو "لعروبية" أهل البوادي هو انعدام المال ، فهم كانوا يذهبون لبيع بعض المنتوجات والتبضع بالربح" تضيف هاته السيدة : (إن "أهل القرية يحترمون الحجر الصحي الإجباري ولكن قلة رزقهم قد تدفعهم للمخاطرة بحياتهم لحصولهم على الرزق اليومي، إنه من شبه المستحيل أن نطلب من العمال المياومين في الفلاحة المكوث في بيوتهم ، فبدون عمل لا يمكن أن يضمنوا ولو وجبة غداء واحدة، كذلك الفلاحون أصحاب الأراضي لا يمكنهم التوقف عن العمل ، فمحصولهم الزراعي معرض للخطر وهو كل ما يملكون، وقد صرفوا عليه كل مالهم ، فلا يمكنهم احترام الحجر الإجباري، فذاك سيؤدي إلى خراب فلاحتهم وتجويعهم في الحاضر وفي المستقبل القريب)، في نفس الصدد يقول احد أبناء البادية عن أزمة أهل القرية: (إن الحديث الدائر بين الفلاحين ليس حول جائحة الكورونا، بل حول الجفاف الذي سيهلك مواشيهم ، إن الجفاف الذي نعيشه هاته السنة، لن ينتهي مع انتهاء الكورونا، بل تداعياته ستمتد إلى السنة المقبلة وسنعاني أكثر من جائحة "القهرة" ، الله يستر.")، يقول أحد الفلاحين: (إنني ملزم بالذهاب إلى السوق فهو مصدر رزقنا، فليس لنا دخل آخر وليس لنا مساعدات ، وإن كنا من المسجلين في إطار الدعم للفئات التي ليس لها عمل قار وليس لها ورقة الرميد، إلا أننا لم نتوصل بالدعم لحد الآن، نحن ننتظر وحتما هاته المساعدة ستخفف علينا وطء التكاليف، ولكنها مؤقتة لن تدوم وربما لن تأتيد)،
إن المناطق القروية تعاني من الفقر المادي والفقر الذاتي، فهي تعيش فقرا متعدد الأبعاد، إن صراعهم اليومي مثل كل الفئات الفقيرة والغير الآمنة اقتصاديا ينحصر في ضمان القوت اليومي. أن كل ما عيناه وسمعناه عند الفئات الفقيرة إن كانت تشتغل في القطاع الغير المهيكل في المجال الحضري أو المجال القروي، أو في القطاع المهيكل كالمصانع أو عمال الفلاحة يجعلهم في وضع اقتصادي واجتماعي لا يسمح لهم باحترام الحجر الصحي الإجباري، وإن أرادوا ذلك. فالفعل الحر في القرار يتم بتوفير مجموعة من الشروط أبسطها هم ضمان الأساسي من هاته الشروط من عمل ومسكن وغذاء وتطبيب و دخل قار. إن الفقر الذاتي هو المسكوت عنه في كثير من الحالات لتوهيم المجتمع أن الكل يشتغل و أن الكل له القدرة على العيش في أحسن الأحوال، إن الفقر الذاتي يفسر في كثير من الأحيان في مجتمعنا، إن لم يكن جلها، بكسل الطبقات الفقيرة والمنهكة بتعبها في توفير اللازم لأسرها أو لنفسها. إن تحميل المسؤولية بشكل مستمر للفرد الفقير يجعله في نهاية الأمر يبتعد عن المركز، عن السلطة ليحتمي بالفئات التي تشاركه مصيره اليومي ليبدأ تدريجيا في بناء الكيطو guetto الذي قرروه له ورسموا له حدوده الفيزيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشروع رواية
A.juma ( 2020 / 5 / 6 - 23:10 )
فعلا الدراسة عميقة ومؤثرة وتغوص في التفاصيل وعمق المسأساة التي تعانيها طبقة الفقراء المهمشين إنها مشروع رواية تستحق الانتباه

اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|