الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش والسياسة في العراق من انجب من..هل انتهى دور الجيش من الحياة السياسية للعراق

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2006 / 6 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اثارت مسالة الصراع حول الوزارات الامنية في العراق الكثير من الوقت والجهد واثير الكثير من الجدل حول من يتولاها نتيجة لاسباب كثيرة منها اسباب تتعلق بدور الجيش في الحياة السياسية في العراق والذي امتزج مع اول دولة معاصرة قامت فيه عام 1921م.
والسبب الاخر يتعلق بتعاطي العراقيين مع منطق القوة او مفهوم القوة فالتراث العراقي ميال الى تقديس القوة والرضوخ امام العنف الذي طالما تشرعن بالقداسة كما في ملحمة كلكامش وكما في المجازر التي ارتكبها الحجاج بن يوسف وابو جعفر المنصور تحت ظل قداسة الدين ومظلة الخلافة.
وهذا سبب كاف لان يكون اسم اول فوج عسكري عراقي فوج موسى الكاظم وهو احد اهم الرموز الدينية والمفارقة انه رمز شيعي في حين ان تشكيلة الجيش غلب عليها الطابع السني وهذه المفارقة هي التي تسببت في الغاء هذا الجيش الذي تحول الى احد رموز الطائفية في العراق وكان وراء الكثير من الاحداث التاريخية الجسيمة التي مر بها العراق.
في التجربة العراقية فإن الجيش كان قد خرج من رحم البيئة العثمانية، ثم بدا أغلب الضباط متأثرين بالاتاتوركية كمبدأ للسياسة والحياة لما كانت تمثله تركيا من تأثير على السياسة العراقية بحكم الجوار الجغرافي وعوامل أخرى.
والجيش العراقي في أول تكوينه بدا متنفساً للتيارات السياسية التي أرادت اللجوء إلى القوات المسلحة لفرض وجودها على الأرض ناهيك عن الدور المحوري لبعض الشخصيات السياسية كنوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي.

لذلك فان حدوث أول انقلاب عسكري في المنطقة عام 1936 م بقيادة الفريق بكر صدقي رئيس أركان الجيش العراقي، ساهم في إقصاء الكثير من الساسة القوميين العروبيين في العراق وعلى رأسهم ياسين الهاشمي الذي توفي في بيروت عقب الانقلاب.

وتحول الجيش الى لعب دور محوري في الحياة السياسية بفضل وجود عوامل ضاغطة باتجاه ذلك، أبرزها الوجود الإسرائيلي في فلسطين والوجود البريطاني في العراق، واستعداد قادة الجيش الى لعب دور مهم في إنهاء هذه الحالة وطرد الاستعمار.

وإضافة إلى ذلك كله فقد وجد التيار الشيوعي له موطأ لدى صغار الضباط والمراتب القادمين من القرى الجنوبية الشيعية هاربين من طغيان الإقطاع وصعوبة المعيشة، علهم يجدون في المؤسسة العسكرية الخلاص المنشود.

إن عملية تسييس الجيش لم تكن نشازاً في الدولة العراقية الناشئة لكن الذي كان موضع الخلاف هو الدفع المتضاد باتجاه النزعة العروبية المتعصبة والتي دعا إليها الكثير من الضباط والساسة بعد أن اتخذوا من نادي المثنى بن حارثة الشيباني، ومن ثم حزب الاستقلال، مرجعا سياسيا لأطروحتهم في نهج الدولة العراقية.

ومن الجدير بالذكر ان فيصل الأول ملك العراق ومؤسس الدولة كان يدفع بهذا الاتجاه على العكس من الملك غازي الذي احتضن التيار المعاكس الداعي إلى عراقية العراق بتنوعه الطائفي والقومي مع عدم تفضيل قومية أو طائفة على أخرى.
مما دفع الشخصيات المحسوبة على التيار العراقي او الوطني الى تأييد حل عسكري ادى الى انقلاب بكر صدقي الذي اودى بحياة جعفر العسكري اول وزير دفاع للعراق واهم ضباط الجيش العراقي على مدى تاريخه الطويل.

إن دور الجيش في الحياة السياسية للعراق لم يتوقف عند الانقلاب العسكري الأول عام 1936م بل تعداه إلى نشاط اكبر كان أبرزه ما حصل في مايس 1941م حينما قام الضباط القوميين بإقصاء الوصي عبد الإله، وتأسيس حكومة الدفاع الوطني التي تزعمها رشيد عالي الكيلاني.

ومن أهم العوامل التي عززت دور الضباط القوميين في الحياة السياسية هو فشل الحكومات العربية ومنها حكومة العراق في ان يكون لها دور واضح ومؤثر من القضية الفلسطينية.

والذي عقد الأمر فيما بعد وعزز دور العسكر في السياسة في العراق ومصر وسوريا وبلدان مشرقية أخرى هو تعقد القضية الفلسطينية ونجاح الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، الذي كان كافيا لتأجيج النزعة العروبية القائمة على انتهاج القوة وسيلة أساسية للتغير.

لذلك ربما يكون هنالك تشابه بين أهداف الناصرية والبعث في هذا الاتجاه.

لقد حاول العراق بعد الحرب العالمية الثانية بناء مجتمع قائم على إصلاحات سياسية جوهرية لذلك برزت دماء جديدة على الخارطة السياسية العراقية لا تنحدر من المؤسسة العسكرية مثل توفيق السويدي وفاضل الجمالي وآخرون.

لكن ذلك لم يكن كافيا لاستيعاب الصدمة التي عمت الجماهير جراء التحولات الخطيرة في المنطقة إزاء ما يحدث في فلسطين مع وجود ابواق دعائية كبيرة في مصر ساهمت في تعبئة الناس بالاتجاه الخاطئ ولم تمنح السياسيين فرصتهم لحل المشكلة معتبرة ان الحل العسكري هو الخيار الأمثل.

حيث تكونت تنظيمات الضباط الأحرار في مصر والعراق لتقود الجماهير المتحمسة للخلاص من الحال (المزري) إلى حال (الخلاص المنشود).

لكن الجماهير لم تكن تتوقع الصفحة الأخرى التي كانت مرحلة التنافس على حيازة السلطة وتسخير الجيش لانقلابات عسكرية وبدل من الحوار السياسي الهادئ اصبح حوار الدم هو المفضل، فكان ما حصل بين الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قائد ثورة 14تموز ومساعده العقيد الركن عبد السلام عارف الذي دبر عملية مضادة بالتعاون مع البعثيين الذين استخدموا نفوذهم في الجيش ليشنوا عملا عسكريا واسعا جعل من بغداد ساحة حرب حقيقية فجر الرابع عشر من رمضان 1963م.

لذلك عندما جاء صدام حسين لحكم العراق اخذ يؤكد على محورين أساسيين هما دور المؤسسة العسكرية التي ركبها وهو المدني الذي لم يلبس البدلة العسكرية العراقية طوال حياته التي سبقت استيلاء البعث على السلطة في 17 تموز 1968م.

والتأكيد على انتهاج الخط العروبي المتشدد الذي يتناغم وقضية فلسطين لانها القضية الاكثر جماهيرية على المستوى العربي او الإسلامي، لضمان كسب مشروعية سياسية مفقودة.

لذلك شهد عصر صدام حسين انتهاج سياسات عسكرة المجتمع دون اللجوء للمؤسسة العسكرية بل الاعتماد على كيانات عسكرية جديدة تؤهل المواطن لان يكون أداة طيعة بيد السلطة السياسية التي تكون حينذاك قادرة بما فيه الكفاية على ضرب فئة بأخرى تحت طائلة الأهداف المركزية العليا للدولة والتحديات القومية وما الى ذلك.

لقد اكتشف صدام أسباب النزوع العسكري لدى الساسة والجماهير وحاول الحفاظ على طائفية الجيش الذي يتشكل من اجل أهداف قومية لذلك فانه لا يتوانى عن ضرب مواطنيه إذا ما تبنوا أفكار معادية للقومية العربية التي يمسك جذوتها السنة العرب تحت غطاء حزب البعث.

إن شعور السنة العرب في العراق انهم أقلية أمام أكثرية شيعية (قد تكون مدعومة من دولة مجاورة) حسب تصورهم، دعاهم للانخراط ضمن المؤسسات العسكرية والأمنية التي شكلها صدام وبرغبة جنونية، لغرض ضمان الشعور بالاستقرار ومعادلة الكفة مع الفئات والمكونات الاخرى للعراق لاسيما الشيعة، لذلك ضمن صدام حسين الحفاظ على حكمه والسيطرة بيد من حديد على بلد اشتهر بالتنوع الديني الطائفي والقومي.

وصار الجيش العراقي خلال تلك الحقبة جيش عقائدي مسيس لصالح الايديولوجية البعثية القومية وهو في تركيبته الداخلية جيش ينتهج الطائفية في الترقيات والمناصب القيادية حيث لم يكن للشيعة او الكرد او ابناء الطوائف الاخرى مثلما كان للعرب السنة الذين تمتعوا بحصة كبيرة في الرتب العليا من هذا الجيش الذي يضم اكثر من خمسة الاف جنرالا غالبيتهم العطمى من المناطق الغربية من العراق.

وبعد سقوط نظام حكم صدام حسين كان كل شيء مختلف فالجيش الذي كان بطل كل التغييرات السياسية في العراق صار خارج المعادلة والجيش الذي اسقط الملكية وعبد الكريم قاسم واسهم في تغييرات كبرى اصبح احد اهداف التغغير الجديد في عراق مجهول الملامح.
وكان الخطا الاستراتيجي الكبير الذي ارتكبه الحاكم المدني الامريكي للعراق بعد صدام، بول بريمر هو قرار حل الجيش العراقي بطريقة عشوائية تسببت بالكثير من المشكلات المعقدة فلاشك ان انفراط عقد مؤسسة عسكرية هائلة متمرسة بالحروب بمثل الطريقة التي اتبعها بريمر تسبب في دفع عمليات العنف الى مستويات كبيرة.

وبعد ان تم انشاء جيش جديد وقوات امن جديدة عجزت لحد الان ان تكون بنفس المكانة التي احتلها جيش العراق ايام كانت تنشد له الاناشيد ويهلل له البسطاء على انه( شرف الوطن وامل الامة).

ولكن لدى السياسيين العراقيين رغبة في اللعب على ورقة القوات المسلحة والتخوف من ان تعمل هذه القوات لصالح طائفة على حساب اخرى في ظل اجواء الشك وعدم الثقة التي تسود بين المكونات السياسية للعراق.

لذلك ومع انحسار اهمية الجيش في الحياة السياسية للعراق الا ان دوره لم ينته من حسابات السياسيين الذين يحرصون على امتلاك قوة على الارض تستطيع احداث تغيير نوعي وقت ما تشاء وهذا اهم اسباب بقاء الميليشيات التي تسهم في تقوية كتل وحركات سياسية مختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق