الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمين في السودان

وصفي أحمد

2020 / 5 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد أن كتبت مقالتين , إحداهما عن الإخوان في مصر , والثانية عن سيد قطب كونه الأب الروحي للجماعات الإسلامية المتطرفة , ارتأيت التواصل مع هذا التيار الذي لعب ومازال يلعب دوراً مهماً في حياة الشعوب العربية , وستكون محطتي هذه المرة مع تجربة الإخوان المسلمين في السودان باعتبارها تجربة طويلة كان من نتائجها أن انقسم السودان إلى دولتين , وهنا أنا لا أحمل حكومة السودان الأم وحدها مسؤولية هذا الانقسام , ومن ثم دخل السودان في أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية انتهت بسقوط هذه التجربة بفعل الثورة التي قامت بها الجماهير السودانية .
نشأة حركة الإخوان المسلمين في السودان
بدأ (( اتصال الإخوان بأهل السودان عن طريق الشيخ عبد الله حمد التاجر في ام درمان والأبيض , حيث أعجب بالإخوان المسلمين وجريدتهم أثناء تواجده في القاهرة , فزار مكتب الإرشاد العام , وجلس مع الإمام الشهيد حسن البنا في أحدى ليالي شهر أبريل / نيسان من عام 1936 , وأبدى استعداده لنشر مجلة الإخوان الأسبوعية بين مواطنيه السودانيين , فرحب المكتب باستعداده الجميل , واعتمد حضرته مندوباً للإخوان بأم درمان .
غير أنه من المعروف أن الدعوة بشكلها المنظم بدأت مع عام 1943 , يقول الاستاذ صادق عبد الله عبد الماجد تعرفنا على الامام حسن البنا عام 1943 حيث دُعينا في مدينة حلوان لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا ....
وفي عام 1944 أوفد الإمام البنا وفد فيه الطالب السوداني جمال الدين السنهوري بكلية الحقوق , الذي طاف بعدة مدن يدعو ويبشر باسم الإخوان المسلمين )) .
ترجع أصول جمال الدين السنهوري إلى آل السنهوري وهم من صعيد مصر ...
دوره في تأسيس جماعة الإخوان
في منتصف الأربعينيات قررت جماعة الإخوان المسلمين في مصر الانفتاح على السودان ... فأرسلت وفداً بقيادة المحامي المصري صلاح عبد الحافظ ومعه مواطن سوداني هو جمال الدين السنهوري الذي ذهب إلى هناك لتلقي العلم حيث اننضم لجماعة الإخوان المسلمين فوجدت دعوتها استجابة تكون على اثرها أول تنظيم للإخوان المسلمين كان برئاسة إبراهيم المفتي ونائبه بدوي مصطفى وسكرتيره العام علي طالب الله .
يقول الدكتور حسن مكي أحمد : الثابت تاريخياً أن هناك ثلاثة تيارات رئيسية ساهمت في تكوين الحركة الإسلامية وبروزها في الدور السياسي والاجتماعي السوداني وهي التيار المصري الجماهيري , حيث أخذ بعض قادة الإخوان المسلمين المصريين في التوافد على السودان مبشرين بحركة الإخوان المسلمين حتى يتسنى لهم إقامة فروع لها في الخرطوم وبقية القرى السودانية .
أما التيار الثاني فهو التيار الطلابي من المبعوثين لمصر الذي كان له دور مباشر في انشاء النواة الأولى لحركة الإخوان المسلمين في السودان وهم بعض الطلبة الذين ذهبوا للدراسة في مصر حيث التقوا ببعض قادة الإخوان المسلمين هناك وتأثروا بهم ومن ثم انخرطوا في سلك دعوة الإخوان المسلمين وعلى رأس هؤلاء الصادق عبد الله عبد الماجد وجمال الدين السنهوري وكمال مدني ومحمد خير عبد القادر .
أما التيار الثالث , فهو تيار الطلاب الاستقلاليين أو حركة التحرير الإسلامي حيث قامت فكرة هذا التيار لصد الحركة الشيوعية وإقصائها من حياة الطلاب 2 .
في اكتوبر عام 1946 , أرسل الإمام البنا ( حسب موقع إخوان ويكي ) إلى السودان وفداً عالي المستوى برئاسة السكرتير العام للإخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين حيث تكونت أول هيئة فعالة للإخوان المسلمين برئاسة عوض الله عمر الإمام , إمام مسجد ام درمان الكبير , وعبد الفتاح جلي , ومحمد عبد الراضي زقاني الذي أصبح مسئولاً عن توزيع الجرائد والمنشورات القادمة من مصر .
وبعد أن حلت جماعة الإخوان في مصر عام 1948 هاجر عدد كبير من أخوان مصر إلى السودان من مختلف التخصصات , وأسهم ذلك في تركيز الجهود لبناء حركة اخوانية شاملة لكل قطاعات المجتمع .
وفي اطار عملية الدمج بين الحركتين : الحركة الإخوانية الشعبية والحركة الإخوانية الطلابية ليكونا حركة الإخوان المسلمين , وقع أول خلاف حول اسم الحركة وتبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين في مصر , والقيادة السياسية المناسبة لذلك العمل الكبير والتحديات الكبيرة التي تقف أمامه , وقد حسم هذا الأمر في مؤتمر الجماعة الأول في العام 1954 والذي اشتهر باسم مؤتمر العيد , والذي اعتبر أن اسم الحركة هو الإخوان المسلمين , واعتبرها امتداداً للحركة الاخوانية في مصر مع الاستقلال التنظيمي كتنظيم قطري يتبنى أفكار حسن البنا , وانتخب المؤتمر قيادة جديدة للحركة على رأسها محمد خير عبد القادر , ووقع أول انشقاق للرافضين للاسم بقيادة أبا بكر كرار 3 , وقد أطلق المنشقون على انفسهم اسم الجماعة الإسلامية ( تحول الاسم فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي ) . بينما اعترضت جماعة على طالب الله على المؤتمر ونتائجه وتمسك طالب الله بشرعية قيادته للحركة بسند تكليف الإمام البنا له 4 . وسبق وأن قام حسن البنا بتعيين علي طالب الله مرشداً عاماً للإخوان في السودان 5 . وقد قامت وفود مصرية بزيارتين للخرطوم في عام 1955 للوساطة بين المتنازعين , وكنتيجة لذلك تمت تسوية الخلافات جزئياً وتم انتخاب قيادة جديدة من أنصار طالب الله , حيث أصبح المحامي الرشيد الطاهر بكر المراقب العام .
وتحت قيادة الطاهر قادت الحركة حملة ناجحة لتشكيل ما عُرف بـ (( الجبهة الإسلامية للدستور )) قادت حملة لحشد الدعم السياسي والشعبي لفكرة الدستور الإسلامي , واستمرت قيادة الطاهر للحركة حتى عام 1959 حيث ألقي القبض عليه بتهمة تدبير محاولة انقلابية ضد حكومة الفريق إبراهيم عبود التي كانت قد جاءت إلى الحكم بدورها بانقلاب عسكري في العام السابق , وقد صدمت حكومة عبود الرأي العام السوداني بتنفيذها حكم الاعدام في خمسة من العسكريين المشاركين في المحاولة الانقلابية في سابقة هي الأولى في السودان المستقل , ولكن الرشيد الطاهر الذي ضبط وهو ينقل بيان الانقلاب في سيارته الخاصة ونجا من الاعدام وحكم عليه بالسجن خمس سنوات .
وقد أدى سجن الطاهر إلى اضطراب جديد في أمور الحركة , حيث تبرأ زملاؤه في القيادة مما قام به , بحجة أنه لم يخطرهم بالتفاصيل , كما أنه أشرك ضباطاً شيوعيين في المحاولة , وعليه قرر هؤلاء تنحية الطاهر من منصب القيادة وإنشاء قيادة جماعية .
قيادة الترابي والتنظيم الدولي ما زال الاقتباس من ظاهرة الانشقاق عند الإخوان
طبع الترابي الحركة بطابعه المميز منذ تسلمه قيادتها , وطرح فكرة جبهة عريضة للحركة , فقامت بذلك جبهة الميثاق الإسلامي التي ضمت إلى جانب عضوية الإخوان شخصيات وحركات أخرى تؤيد البرنامج المشترك الداعي لتطبيق الشريعة الإسلامية .
وقد ظلت شؤون الحركة في ركود حتى مطلع عام 1964 , حين عاد الدكتور الترابي من فترة دراسية في باريس ووتولى عمادة كلية الحقوق في جامعة الخرطوم , ثم ما لبث أن لمع نجمه بسبب دوره البارز في انتفاضة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالحكم العسكري , وقد رشحته هذه المؤهلات لقيادة هذه الحركة .
يذكر أن السودان كان قد نال استقلاله في يناير / كانون الثاني عام 1956 بإعلان من البرلمان , ولقي هذا الإعلان تشجيعاً من المجتمع الدولي وخصوصاً من بريطانيا التي لم تكن تريد للسودان أن ينضم مع مصر في دولة واحدة باتحاد فدرالي أو كونفدرالي , وتولى السيد اسماعيل الأزهري منصب رئيس الوزراء كونه هو رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الفائز في انتخابات عام 1953 , ولكن الحكومة لم تعمر طويلاً ربما سبعة أشهر بعد الاستقلال .
تولى الحكم حزب المعارضة , وهو حزب الأمة المدعوم من طائفة أنصار المهدية فتولى الحكم الأمير ألاي مهندس عبد الله خليل كرئيس للوزراء واستمر في منصبه هذا مدة عام , ولكن حصل تقارب بين بين الأزهري وزعيم الختمية علي المير غني , وخاف من ذلك حزب الأمة فتآمر مع قائد الجيش إبراهيم عبود وسلمه السلطة في نوفمبر / تشرين الثاني 1958 بحجة انقاذ استقلال السودان من مؤامرة مصرية لإعادته لسلطة جمال عبد الناصر حيث سربت صحف مصرية أن إسماعيل الأزهري إن شارك السودان في الجمهورية العربية المتحدة سيحصل على نصيب عادل في السلطة وسيحصل الأزهري شخصياً على منصب وزير الخارجية .
كان الجميع في الخرطوم ينتظر الانقلاب , فقد نشرت صحيفة الميدان الشيوعية في 7 نوفمبر / تشرين الثاني 1958 تعليقاً عنوانه (( افتحوا عيونكم تخطط أمريكا لانقلاب في السودان على خطى الانقلابات العسكرية التي تنظمها الامبريالية الأمريكية في دول أمريكا اللاتينية , وقعت مؤخراً ثلاث انقلابات في آسيا أيضاً بتخطيط الامبريالية الأمريكية : باكستان , بورما تايلند . لجأ الأمريكيون إلى الانقلابات العسكرية بعد أن لاحظوا أن هناك حكومات مدنية , وتتمتع بالديمقراطية ولكنها لا تطيع أوامرهم , مثل حكومة باكستان الديمقراطية التي أطاح بها انقلاب عسكري . ويشبه الوضع في السودان الوضع في باكستان , وتريد أمريكا السيطرة على السودان عن طريق حزب الأمة ... )) , وتحرك الجيش في 17 نوفمبر / تشرين الثاني / 1958 , وأعلن تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان وإلغاء الأحزاب .
من أولى القرارات التي اتخذها الانقلاب قبول المعونة الأمريكية وشحنات الأسلحة البريطانية , مما أكد أنه انقلاب موال للغرب ومعارض للرئيس جمال عبد الناصر .
وكان السفير الأمريكي يحذر عبود من أن قبوله لمنح السوفيت والصينيين يعني نشر الشيوعية وتهديد حكمه , وفي عام 1959 حاول الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري ضد نظام عبود ولكن تم إفشال المحاولة واعتقال مسؤول الجماعة الأول الرشيد الطاهر والذي أعلنت الجماعة فصله وقالت أنه تحرك للقيام بانقلاب دون استشارتها .
عندما وافق عبود على تهجير سكان حلفا لإقامة السد العالي في مصر , ولما احتجوا قمعهم بقسوة مما أثر على شعبيته بشكل كبير , ثم وقع بخطأ أخر حين أصدر جملة من القرارات الجنونية بحق أبناء الجنوب عندما أراد اجبارهم على الدخول بالإسلام بالقوة .
هذه الأفعال وغيرها أدت إلى قيام الثورة الشعبية التي كانت انطلاقتها من جامعة الخرطوم ثم امتدت إلى عموم الجماهير الشعبية بالشكل عجز نظام عبود عن احتوائها , وكانت النتيجة أن أذعن لمطالب الجماهير إذ استقال في 15 نوفمبر / كانون الأول 1964 وانتصرت الثورة مؤقتاً بفعل التحالف الإخواني الشيوعي 6 .
في عام 1965 حققت جبهة الميثاق الإسلامي , التي كان قد دعا إليها حسن الترابي التي ضمت إلى جانب الإخوان شخصيات وحركات أخرى تؤيد البرنامج المشترك الداعي إلى إقامة حكم الشريعة الإسلامية إضافة إلى الحفاظ على الحريات ودعم العدالة الاجتماعية . لم تستطع هذه الجبهة من الحصول إلا على 7 مقاعد في البرلمان وأصبحت في المعارضة . وحققت الحركة نجاحاً في دعم مشروع الدستور الإسلامي وحشد الدعم الشعبي له .
لكن سندها الشعبي تراجع عام 1968 , ومن ثم واجهت أكبر خطر تميز في بروز خلاف داخلي بين تيارين , الأول عرف بتيار التربية وكان الأقرب إلى نهج التيار التقليدي الذي يدعو إلى التركيز على تزكية الأعضاء , وبين التيار السياسي الذي يميل إلى الاستكثار . وقد تصاعدت الخلافات بعد فشل التيار التقليدي في إزاحة الترابي من القيادة في مؤتمر عقد في أبريل / نيسان عام 1969 حتى وصلت إلى مرحلة الانشقاق الذي تأجل بسبب قيام انقلاب مايو / أيار 1969 الذي جاء بحكومة يسارية معادية للإسلاميين زجت بهم في السجون , ودخلوا معها في معارك استمرت حتى عام 1977 , حين عقدت المعارضة صفقة المصالحة الوطنية مع حكومة الرئيس جعفر النميري وشارك الإسلاميون في السلطة .
وقد فجرت هذه الصفقة الخلافات داخل الحركة مجدداً , وانتهت في العام 1980 بإعلان انشقاق مجموعة أطلقت على نفسها حركة الإخوان المسلمين وتبنت النهج الإخواني في التربية وانضمت إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقد كان من أبرز قادة هذا التيار صادق عبد الله عبد الماجد أبرز قادة الحركة والحبر يوسف نور الدائم وهو محاضر لغة عربية في جامعة الخرطوم , وقد انتقد هؤلاء نهج الترابي في القيادة وخاصة البرغماتية التي تميز بها والتي رأى فيها هؤلاء ضرباً من الانتهازية , ودعوا إلى التركيز على انتقاء الأعضاء وسلوك الطريق الشاق الطويل إلى الاصلاح .
يذكر أن جماعة الإخوان في السودان مؤتمراً لهم في عام 1969 , وفي هذا المؤتمر رفض جماعة من الإخوان رفضوا ترشيح الترابي أميناً عاماً للحزب لكن صادق لم يوافقهم حينها , ولكنه توافق معهم بعد عشر سنوات وسط اضطرابات حادة داخل الجماعة , وقد انتخب عبد الماجد مراقباً عاماً للمجموعة التي انشقت في العام 1980 .
وفي فبراير / شباط 2016 , قال عبد الماجد , في رد على سؤال حول خلافه مع الترابي , إن (( الخلاف الذي نشب بين قيادات الجماعة في الماضي و أدى إلى انقسامها , لم يكن خلافاً على السلطة والرئاسة , وإنما كان مرتبطاً بالفكرة التي جمعت الإخوان فيما بينهم 7 .
وفي عام 1987 وصل التوتر مرحلة جديدة حين أعلن الترابي إقامة جهاز تنسيقي دولي للحركات الإسلامية لا يقتصر شأن التنظيم الدولي فيه على الحركات في الدول العربية , بل يضم كذلك الحركات الإسلامية في تركيا , وماليزيا , وباكستان , وغيرها .
وبالفعل استضافت الجبهة الإسلامية القومية ( وهو الاسم الذي تبناه جناح الترابي بعد عام 1985 ) اجتماعاً لهذا الغرض في الخرطوم في مطلع عام 1988 , ولكن التنظيم الدولي شن حملة عنيفة على فكرة الترابي , حيث وصفتها مجلة ( المجتمع ) الكويتية الناطقة باسم الإخوان هناك بأنها (( تنظيم الضرار )) , وقالت إن الترابي قصد من تلك الفكرة بذر بذور الشقاق في الحركات الإسلامية , وقد دافع الترابي حينها عن فكرته بالقول إنها لا تنافس التنظيم الدولي وتكمله , ولعل المفارقة أن الترابي نفذ فكرته هذه بعد تولي أنصاره السلطة في السودان عام 1989 , حيث أعلن عام 1991 عن انشاء ما سمي بالمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي , وهو تركيبة فضفاضة جمعت إضافة إلى الحركات الإسلامية من البوسنة إلى أفغانستان وماليزيا , وممثلي الحركات الإسلامية في الغرب , مجموعات راديكالية عربية مثل حزب البعث العراقي والحزب الاشتراكي ( الشيوعي ) اليمني وبعض المنظمات الفلسطينية اليسارية , وقد شاركت حركة الإخوان المصرية وفروعها في الأردن ومناطق أخرى في التنظيم .
ولعل هذا مثل تحولاً في موقف الإخوان من الحركة التي كان يقودها الترابي , والتي أثبتت نفسها في الميدان السياسي , حيث أنها حققت موقعاً متقدماً في انتخابات عام 1986 في السودان وأصبحت الحزب الثالث في البرلمان , وشاركت في الائتلاف الحكومي منذ صيف 1988 , وحين أبعدت من الحكم في مطلع عام 1989 بضغوط من حركة التمرد والجيش السوداني والقوى الدولية والإقليمية , قامت الحركة بتدبير انقلاب في يونيو / حزيران 1989 استولت بعده على السلطة , حيث أصبحت بذلك أول حركة إسلامية حديثة تتولى السلطة في العالم , ورغم موقف حركة الإخوان التقليدية ظل على ارتيابه في مناهج الترابي وتوجهاته الفكرية , إلا أن عناصر الشباب في الحركة الأم وفروعها ضغطت لتغير هذا الموقف حيث رأت في النجاح السياسي الذي حققته الحركة السودانية دليلاً على أن موقفها أسلم من الموقف التقليدي الحذر الذي جعل الحركات الأخرى تعاني من الركود وتعجز عن ترجمة سندها الشعبي إلى نتائج عملية , وكانت هناك حركات أخرى مثل حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ( التي بقيت على انتمائها للتنظيم الدولي ) , وحركة الشباب المسلم في ماليزيا استلهمت التجربة السودانية منذ مطلع الثمانينيات ( من القرن العشرين / وصفي ) .
وتعتبر أبرز ملامح النموذج الإخواني السوداني هي المرونة الأيدلوجية والسياسية , حيث كان الترابي منذ الستينيات يسعى إلى توسيع قاعدة الدعم للحركة عبر التخفيف من شروط العضوية وعقد التحالفات مع قوى سياسية غير إسلامية وأحياناً غير مسلمة , وقد كان أبرز خطوة في هذا المجال هي الدخول في تحالف مع نظام نميري بدءاً من عام 1977 , حيث تولى الترابي منصباً قيادياً في الحزب الحاكم آنذاك الاتحاد الاشتراكي السوداني , ثم أصبح وزيراً للعدل في الحكومة إلى أن تم ابعادة عام 1983 قبل أقل من شهر من سقوط النميري في نيسان / أبريل 1985 , وقد كانت هذه المشاركة للجدل في أوساط الحركة وخارجها , واعتبرت دعماً لنظام استبدادي غير إسلامي مما يتناقض حتى مع مواقف الترابي المؤيدة للديمقراطية , وقد دافع الترابي عن موقفه بالاحتجاج أن الحركة كانت تحتاج إلى التقاط أنفاسها وتطبيق استراتيجيتها طويلة المدى لتدعيم وضعها في المجتمع , كما نوه بتوجهات النميري الإسلامية التي بلغت مداها بإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر / أيلول 1983 , وقد رأى الترابي وأنصاره في هذا التوجه , وفي المكاسب السياسية التي حققتها الحركة نتيجة لتحالفها مع النميري تأكيداً لصواب منهجها , خاصة في ظل الفشل الكبير للجناح المنشق الموالي للتنظيم الدولي في تحقيق أي حضور سياسي ذي بال على الساحة .
بالإضافة إلى المرونة السياسية فإن الحركة السودانية بقيادة الترابي انتهجت نهجاً تجديدياً في مجالات عدة , من بينها السعي إلىً إعطاء المرأة دوراً أكبر في الحركة والمجتمع وتبني الدعوة إلى الديمقراطية ( وهو تصور تراجعت عنه بعد وصولها إلى الحكم ) , وتطوير أفكار جديدة حول موقف الإسلام من الفنون , إضافة إلى ذلك فإن الحركة لعبت دورا ريادياً في مجالات الاقتصاد الإسلامي والنشاط الخيري والاجتماعي واعتبرت تجربة الحركة في المشاركة في الحكم سواء في عهد النميري أو في العهد الديمقراطي وأخيراً انفرادها بالحكم من التجارب الرائدة في مجال العمل الإسلامي , وقد أثارت كثير من أفكار الترابي لغطاً في الأوساط الإسلامية , وأعتبر بعضها ( مثل التوقف في حد الردة والقول بجواز زواج المسلمة من كتابي ) مخالفة للإسلام .
ولكن المفارقة هي أن دور الحركة السياسي كان أيضاً سبب الانتكاسة التي واجهتها الحركة وقيادة الترابي لها شخصياً , وتحديداً أن تجربة الحكم العسكري في حكومة الانقاذ التي ترأسها الفريق عمر حسن أحمد البشير كانت لها محصلة سلبية على العمل الإسلامي عموماً , وعلى الحركة السودانية خصوصاً , فقد شابت التجربة ممارسات تعسفية من النوع الذي كان الإسلاميون ومازالوا يشكون من وقوع مثله من الحكومات العلمانية , بما في ذلك اقصاء الخصوم وانتهاكات حقوق الإنسان ورفض النهج الديمقراطي , وكان لوقوع هذه الممارسات أثر سالب من حيث منح خصوم هذه الحركات حجة ضدها , حيث دأب هؤلاء على الإشارة على النموذج السوداني باعتباره الدليل على أن الحركات الإسلامية غير جادة في دعواها في التعايش مع الآخرين وإفساح المجال لهم في المشاركة السياسية فيما إذا جاءوا إلى الحكم , ومن جهة أخرى فإن الاستيلاء على السلطة شجع قيادة الحركة على الاستغناء عن أجهزتها ومؤسساتها والاعتماد بدلاً من ذلك على سرقة هذه الأجهزة , خصوصاً الأمنية منها , والاتجاه إلى تذويب الحركة في الدولة , وقد أدى هذا إلى تضعضع الحركة وسريان الفساد والانتهازية في صفوفها . يتبع
1 ـ تاريخ الإخوان في السودان , نشأة الإخوان المسلمين في السودان ـ موقع إخوان ويكي ( ويكبيديا الإخوان المسلمين ) .
2 ـ جمال الديًن السنهوري , من مؤسسي الإخوان في السودان , موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين ( إخوان ويكي ) .
3 ـ الشرق الأوسط , الإخوان المسلمون في السودان ... أهم التواريخ والمراحل ـ مونت كارلو الدولية MCD .
4 ـ عبد الوهاب الافندي , ظاهرة الانشقاق عند الإخوان .. الحالة السودانية .
5 ـ علي طالب الله , الموقع الإلكتروني للموسوعة الحرة .
6 ـ ثورة أكتوبر 1964 في السودان : أول ثورة شعبية عربية ضد نظام عسكري / مصر العربية .
7 ـ عادل عبد الرحيم , الشيخ صادق عبد الماجد شاهد على زمن الإخوان في السودان ( بروفايل )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل


.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة




.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد