الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ عبد الرازق والقول بتفلسف ابن تيمية1/ 2

داود السلمان

2020 / 5 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يخفى على ذي لب من المطلعين على فتاوى وافكار الفقيه ابن تيمية، من أن هذا الرجل يعتبر الاب الروحي لكل الحركات الاسلامية المتطرفة، فمن نار موقد فتاواه الساخنة قبست هذه الحركات لظى توقد من خلالها نار ايديولوجيتها، حتى كانوا يتصورون أنهم يسيرون على الطريق السوي، وإنْ كانت رماداً، لتحرق بهذه النار كل من يخالف نظريتها السياسية والعقائدية معاً. وتاريخ هذا الرجل بين أيدينا، فنحن لا نفتري عليه، ومن يطلع على (مجموعة الفتاوى) لا يأخذه العجب، حتى أنهم يطلون عليه (شيخ الاسلام)!. وهذه الشعارات التي يرفعها المتطرفون تجد فيها روح ملهمهم وباني مجدهم ابن تيمية العتيد!. والذي يدافع عنه، أما له نزوح فكري ونفسي لهذا الرجل، وأما يجهل تاريخه، والحالتان معيبتان على من يدعي الثقافة والعلم، ويؤرخ للفكر.
وقد فعل ذلك الشيخ مصطفى عبد الرازق. والشيخ هذا، اعتبروه أنه وأول أستاذ جامعي يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية من وجهة نظر إسلامية خالصة، حيث كانت تدرس من قبل في الجامعة المصرية من خلال الدرس الاستشراقي الذي ربط الفلسفة الإسلامية بالتراث اليوناني، وأنكر أي دور للعقل المسلم في تطوير الفكر الفلسفي عامة. وأنه قدم رؤية جديدة، تقوم على تلمس نشأة التفكير الإسلامي الفلسفي في كتابات المسلمين أنفسهم قبل أن يتصلوا بالفلسفة اليونانية ويدرسوها دراسة وافية، ودعا إلى تدريس علم الكلام والتصوف في أقسام الفلسفة، وإلى البحث عن أوجه الأصالة والابتكار في الفلسفة الإسلامية. الى غير ما قاله الذي قال بحقه ومن اطراء ومديح.
عبد الرازق قدم ابن تيمية على أنه يحب الفلسفة ويدافع عنها، ناسيًا أو متناسيًا بأن ابن تيمية هو العدو اللدود للفلسفة وللفلاسفة، لأنه من اكثر الفقهاء تشددا، فهو ليس كابن خلدون، ومع ذلك فأن ابن خلدون عدو واضح العداوة للفلسفة، كما قدمنا ذلك في مقال سابق. ثم أن ابن تيمية قدم أطروحة على أنها نقض لمنطق أرسطو. وكلنا على علم بأن كل من يريد أن يدرس الفلسفة عليه اولا دراسة المنطق، فالمنطق هو كالرياضيات بالنسبة للعلوم الاخرى.
وفي كتابه "فيلسوف العرب والمعلم الثاني" (منشورات، الهيئة العامة لقصور الثقافة، بمصر الطبعة الاولى لسنة 1945) ذكر أنّ ابن تيمية لم يكن محاربًا للفلسفة، لكنه حارب الفلسفة اليونانية، وهذا الرأي فيه زيغ كثير. يقول: "أما أن ابن تيمية كان سيئ الرأي في فلسفة يونان وفي فلسفة الإسلاميين الذين يعتبرهم تبعًا لفلاسفة يونان، فهذا ما لا نكران له؛ وكتب ابن تيمية مملوءة بالرد على مذاهبهم. لكن ابن تيمية لم يكن يعرض لنقد المذاهب الفلسفية من جهة مخالفتها للدين فحسب، بل من جهة مخالفتها لصريح العقل كذلك. وعند ابن تيمية أن صريح العقل لا يخالف صريح النقل بحال".
وهذا الكلام، أعتقد لا يستحق الرد عليه، فالفلسفة هي يونانية الاصل والمنشأ، انما فلاسفة المسلمين ترجم معظمها الفارابي وابن سينا وابن رشد وامثالهم. والكتب التي ترجمها هؤلاء الفلاسفة هي كتب ارسطو على وجه الخصوص، ووضعوا لها الشروحات المطولة، حتى أن الغرب اعتمد على هذه الشروحات، واخذوا بدراساتها لحقب طوية.
ويستدل الشيخ عبد الرازق بقول ابن تيمية في كتابه (القياس في الشرح الاسلامي) والذي يقول فيه، بحسب عبد الرازق:" فهذه نبذة يسيرة تدلك على ما وراءها من أنه ليس في الشريعة شيء يخالف القياس، ولا في المنقول عن الصحابة الذين لا يعلم لهم فيه مخالف، وأن القياس الصحيح دائر مع أوامرها ونواهيها وجودًا وعدمًا، كما أن المعقول الصريح دائر مع أخبارها وجودًا وعدمًا، فلم يخبر الله ولا رسوله بما يناقض صريح العقل، ولم يشرع ما يناقض الميزان والعدل".
يستدل عبد الرازق بأن كلام ابن تيمية هذا أنه رأي فلسفي صريح، وعليه فأن الرجل لا يبغض الفلسفة، وليس هو من خصومها، ويعتبره أنه فيلسوف وليس فقيها فحسب. وهذا الرأي يجافي الصواب، ولا يمس الحقيقة بشيء.
ولم يكتف عبد الرازق بهذا بل ينقل –أيضًا- رأي آخر قاله به ابن تيمية، يستدل عبد الرازق من خلاله على أنه يشيد بالعقل وطالما اشاد بالعقل فأنه فيلسوف، وهذا كلام مضحك للغاية، فليس كل من مدح العقل أُعُتبر فيلسوفا أو مفكر من الطراز الاول، بل أن عمانويل كانت اليس نقد العقل بكتابه "نقد الفعل المحض" وهو أول فيلسوف ينتقد العقل، واعتبر أن العقل قاصر من وصوله الى حقائق كثيرة في الكون والوجود.
يقول ابن تيمية بحسب ما نقل عنه عبد الرازق" والأنبياء... يخبرون بمجازات العقول لا بمحالات العقول، ويمتنع أن يكون في أخبار الرسول ما يناقض صريح المعقول، ويمتنع أن يتعارض دليلان قطعيان، سواء كانا عقليين أو سمعيين أو كان أحدهما عقليًّا والآخر سمعيًّا".
وهذا الرأي يُذكرنا بما فعله ابن رشد في كتابه "فصل المقال فيما للشريعة من اتصال" حيث كان ابن رشد انما قام بهذا العمل هو خوفا على حياته من المخاطر التي تحف به ممن يتربصون به، من فقهاء واعوان السلطان، خصوصًا وأن سيف الخليفة يقطر دما. كل ذلك ولم يسلم ابن رشد من تهمة الالحاد حتى أمر الحاكم –اخيرًا- بحرق كتبه الفلسفية!. فلو قرأنا كتابه "تهافت التهافت" والذي يرد فيه على الغزالي، سنرى فيه اختلافا كبيرًا فيما طرحه من آراء تخالف رأيه الاول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزوف واسع عن التصويت في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية ال


.. من وراء تسريب بيانات ملايين السوريين في تركيا؟




.. وزارة الداخلية الإيرانية: نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاس


.. نافذة خاصة من إيران ترصد جولة الحسم من الانتخابات الرئاسية




.. تسريب بيانات 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا.. والمتورط في الواق