الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليهودية والموت

مؤيد جبار رسن
باحث

2020 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اليهودية_والموت
إن الديانة اليهودية كنموذج أول ، تُعتبر من أعمق واقدم الديانات الإبراهيمية والإنسانية التي كان ولا يزال لها تأثير كبير ، نظراً لما تحتويه هذه الديانة من خصوصية افكار ووحي إلهي وتناقضات في بعض الاحيان ، نتيجة عملية التحريف التي تعرضت لها.
وفي ما يخص حضور فكرة الموت والعالم الآخر فكان لدى اليهودية بعض الشذرات والمتفرقات والتي لا يمكن الحكم من خلالها على ان اليهودية قدمت لنا مفهوماً متكاملاً عن الموت والعالم الآخر أو حتى تصوراً لمصير الإنسان بعد الموت ، مثل ما نجده مصوراً في الديانة الاسلامية بصورة واضحة , كما هناك بعض ما يمكن إدراجه في هذا المجال وهو أن الموت ارتبط بالخطيئة كما عند المسيحية ، ولكن هذا لا يمكن فهمه بأنه تعبيراً عن العقاب وحده وإنما هو تميز ماهو إلهي عن ماهو إنساني ومعرفة للخير والشر ، وتجسيد ذلك من خلال الرؤية اليهودية لقصة الخلق وتفسيرها ، فالخطيئة قد ارتكبها الإنسان الاول ولم يحصل من خلالها على الخلود وحكم عليه بالفناء ولكنه بعد ذلك حصل على المعرفة بأن الله نفذ وعده اتجاههما من خلال الحكم عليهما بالموت , ومن الواضح أن الربط لم يقم بأي إجراء واضح لمحو هذه المعرفة فيسمح لهما أن يعيشا إلى الأبد بلا وعي في ظلام الجهالة ... وكان لقرار الربط هذا نتيجتان خطيرتان : أولهما أن الفناء او الموت وإن كان عقاب ، إلا أن الأهم أنه يجب أن يفهم على أنه الحقيقة التي لا تنحل ولا ترفع من الوجود الإنساني ...أما الثانية فهي أننا ما زلنا نمتلك معرفة الخير والشر , لذلك تؤكد اليهودية على أن الموت ليس عقابا عندما يكون الإنسان كذات عادية ، لكنه إذا تجاوز هذه الإنسانية إلى الحدود الإلهية فإنه يتحول إلى عقاب ، فالموت ليس مأساة إنسانية أو ليس عقابا فرضته أهواء إلهية منتقمة أو شريرة على الجنس البشري بأكمله ولكنه واحد من الخصائص الجوهرية للإنسانية , إذ إن فكرة الموت عند اليهود ارتبطت بالشعور بالرب وبمرکزیته , وذلك سعيا للاتصال به، ومعرفة قيمته في الحياة ولا حاجة لهم بالحياة الأخرى أو بالجنة , فعندما ينظر اليهود إلى الموت فإنهم يرون الحياة وعندما ينظرون إلى الحياة فإنهم يرون الرب ، والرب الذي يرونه هو المصدر المباشر لكل ما هم عليه ولكل ما يعملون.
في حين يعد البعث ويوم القيامة عنصراً اساسياً في الديانات ولا سيما اليهودية منها ، على الرغم من أختلاف علماء التلمود حول بعض المسائل مثل طبيعة الجنة والنار ، والبعث ، والآخرة . لكنهم يؤكدون على الانسان أن يكرس نفسه لتحسين هذا العالم وتحسين سلوكه فيه . ومع هذا فأن التلمود قد أعطى بعض العزاء في الفترة الانتقالية من هذه الحياة الى الحياة الاخرى . " أيها الرب السيد ، يا قوة خلاصي ، أنت وقيت رأسي في يوم القتال " . يعكس هذا النص النظرة اليهودية لمدار الحياة التي يبدأ فيها الانسان بالتخلي عن الزعامة في الامور الدنيوية ، والبدء في حياة ما بعد الموت التي يكون فيها خالداً سواء في نعيم أم جحيم الحياة التي سوف يتخلى فيها الله عن الموت في يوم من الايام " ويبيد الموت على الدوام ويمسح السيد الرب الدموع عن جميع الوجود على الرغم من أن هذه المفاهيم هي جزء كامل من التلمود . لكن لا تركز اليهودية على الجنة وجهنم وان وصف جهنم ليس مفصلاً في الديانة اليهودية لكنها تعد مكاناً بإمكان المرء ان يكفر فيه عن ذنوبه قال تعالى : " قالوا لن تمسنا النار الا أياماً معدودات " ( ال عمران 24) لذلك ذهب تقليد بعض اليهود ان الاشرار سيذهبون الى جهنم ويكفرون عن سيأتهم هناك وسيخرجون منها بعد برهة من العذاب .
وهذا أشد ما أقلق اليهود هو الحياة ما بعد الموت ، مما دعاهم الى المواظبة على التردد للدير وان يكون توجههم روحياً أكثر من توجههم دنيوياً ، يقول دانيال " أذا آمن الانسان بحياة بعد الممات ، ترفع فيها كل المظالم ، وتصحح كل الاخطاء ، يعاقب فيها المسيء ، ويثاب المحسن أجزل الثواب " لذلك على الانسان ان يبتعد عن المعاصي وتجاهل وصايا الرب لينعم بالخلود في حياة ما بعد الموت ، " ان الرجل العادل يستطيع ان يتطلع الى شيء من السعادة بعد الموت لكن في مقدوره ان يتحمل مهام مصائب الدهر وقلبه عامر بالأمل والشجاعة ولكن كاتب سفر الجامعة ( يحس ) بأن هذا أيضاً وهم باطل ، فالإنسان حيوان يموت كما يموت غيره من الحيوانات " الرب منح الانسان شرارة الحياة بل أنه حذره من تبعات الحياة كي لايسقط ضحية الموت ، وما ان ظهر الموت حتى غدا الشيء الوحيد الذي يمكن للرب مكافأته على طاعة شريعته .
والموت يرتبط بمبدأ الحرية معتمداً على التفسيرات الدينية ، لكن هذا المفهوم موجه الى حرية غير مدركة : فمن أين جاء هذا الارتباط بين مفهوم الموت والحرية ؟ يقال ان الموت دخل العالم بسبب خطيئة آدم كما اسلفنا التي أدت الى طرده من الحياة الخالدة وأصبح بعدها قابلاً للفناء والموت فهذه الممارسة تعبيراً عن ممارسة الانسان لأول مرة حريته ، فقد كان هناك ارتباط وثيق بين الموت والحرية عن طريق هذا الارتباط بين الحرية والموت وبين الحرية والخطيئة من جهة أخرى ، فكان لابد من ارتباط بين الموت والخطيئة ، لذلك يرى اليهود ان الموت أساس وحدة الخطيئة .
----
للمزيد بخصوص هذا ينظر
1: ابن عيسى خيرة : الموت بين الفلسفة والتصوف , ص 24_26
2: مجدي محمد ابراهيم : مشكلة الموت عند صوفية الإسلام ، ص 145 وما بعدها
3:جمس كارس : الموت والوجود ، ص 223_ 235
4: موريش : القاموس الموجز للكتاب المقدس ، ص 620 ، 621 وما بعدها
5: ينظر منير مزيد : تناصية الموت مع المعرفة والحياة ، مجلة الأقلام الثقافية ، 12-9-2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية